الدين لتصحيح الموازين
اَلْحَمْدُ للهِ اَلْعَلِيْمِ اَلْقَدِيْرِ، وَاَلْحَكِيْمِ اَلْلَّطِيْفِ اَلْخَبِيْرِ: } يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ { ، أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ: } يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ { ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ: } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، اَلْبَشِيْرُ اَلْنَّذِيْرُ ، وَاَلْسِّرَاْجُ اَلْمُنِيْرُ ، صَلَىْ اللهُ عَلِيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إلى يوم الدين .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
عُلُوْ اَلْمَكَاْنَةِ وَرِفْعَةُ اَلْقَدْرِ وَاَلْمَنْزِلَةِ ، مَطْلَبٌ لِكَثِيْرٍ مِنْ اَلْنَّاْسِ، وَمَبْدَأٌ مِنْ أَهَمِ اَلْمَبَاْدِئْ اَلَّتِيْ يُسْعَىْ لَهَاْ فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ ، وَلَاْ أَدَلُّ عَلَىْ ذَلِكَ مِنْ بَحْثِ اَلْنَّاْسِ، عَنْ مَاْ يُحَقِّقُ لَهُمْ تَمَيُّزَ مَكَاْنَتِهِمْ، وَرِفْعَةَ مَنْزِلَتِهِمْ، إِلَىْ دَرَجَةِ أَنَّ تَعَاْمُلَ اَلْنَّاْسِ فَيْمَاْ بَيْنَهُمْ ، صَاْرَ عَلَىْ حَسَبِ مَكَاْنَاْتِهِمْ ، وَمَنَاْزِلِهِمْ فِيْ مُجْتَمَعَاْتِهِمْ، فَأَهْلُ اَلْمَنَاْصِبِ حَتَّىْ لَوْ كَاْنَتْ مَنَاْصِبُهُمْ لَاْ تَلِيْقُ بِهِمْ ، وَأَرْبَاْبُ اَلْأَمْوَاْلِ حَتَّىْ لَوْ كَاْنَتْ أَمْوَاْلُهُمْ سَوْفَ تَكُوْنُ وَبَاْلَاً عَلِيْهِمْ، وَأَصْحَاْبُ اَلْشَّهَاْدَاْتِ حَتَّىْ لَوْ كَاْنَتْ شَهَاْدَاْتُهُمْ أَكْبَرُ مِنْهُمْ ، وَاَلْمُنْتَمُوْنَ لِلْعَوَاْئِلِ اَلْمَعْرُوْفَةِ ، حَتَّىْ وَلَوْ كَاْنُوْا كَاَلْرَّمَاْدِ اَلَّذِيْ تُوَرِّثُهُ اَلْنَّاْرُ ، فَهَؤُلَاْءِ فِيْ نَظَرِ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْنَّاْسِ ، لَيْسُوْا كَغِيْرِهِمْ ، وَمَاْ كَلِمَةُ شَيْخٍ ، اَلَّتِيْ صَاْرَتْ تُطْلَقُ وَيُلَقَّبُ بِهَاْ مَنْ هَبَّ وَدَبَّ ، إِلَّاْ دَلِيْلَاً عَلَىْ ذَلِكَ، تَزَوَّجَ اَلْشِّيْخُ ، وَاَحْتَفَلَ اَلْشِّيْخُ ، وَفَاْزَتْ نَاْقَةُ اَلْشِّيْخِ ، وَمَاْتَ اَلْشِّيْخُ ، وَاَلْشِّيْخُ اَلْمَزْعُوْمُ ، لَاْ سِنَّ وَلَاْ دِيْنَ وَلَاْ عِلْمَ ، إِنَّمَاْ هُوَ لِحَاْجَةٍ فِيْ اَلْنَّفْسِ، مَاْهِيَ إِلَّاْ مِنْ بَاْبِ إِعْلَاْءِ اَلْمَكَاْنَةِ ، وَتَلْمِيْعِ اَلْمَنْزِلَةِ ، وَذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَجْلِ مَقَاْيِيْسَ فَاْسِدَةٍ ، وَمَوَاْزِيْنَ مَقْلُوْبَةٍ ، كَمَاْ قَاْلَ أَحَدَهُمْ :
إِنَّ اَلْغَـنِيَّ إِذَاْ تَكَلَّمَ كَاْذِبَاً
قَاْلُوْا : صَدَقْتَ وَمَاْ نَطَقْتَ مُحَاْلَاً
وَإِذَاْ اَلْفَقِيْرُ أَصَاْبَ قَاْلُوْا : لَمْ
يُصِبْ وَكَذَبْتَ يَاْهَذَاْ وَقُلْتَ ضَلَاْلَاً
إِنَّ اَلْدَّرَاْهِمَ فِيْ اَلْمَوَاْطِنِ كُلِّـهَاْ
تَكْسُوْ اَلْرِّجَاْلَ مَهَـاْبَةً وَجَلَاْلَاً
فَهْيَ اَلْلِّسَاْنُ لِمَنْ أَرَاْدَ فَصَاْحَةً
وَهْيَ اَلْسِّلَاْحُ لِمَـنْ أَرَاْدَ قِتَاْلَاً
هَذَاْ هُوَ اَلْوَاْقِعُ -أيها الإخوة - وَلَاْ شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ عَوَاْقِبُ وَخِيْمَةٌ ، وَنَتَاْئِجُ ضَاْرَةٌ ، وَثِمَاْرُهُ مَرَّةٌ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ ، وَخَاْصَةً إِذَاْ كَاْنَ ذَلِكَ عَلَىْ حِسَاْبِ شَرْعِ اللهِ U وَمَاْ يُحِبُهُ وَيَرْضَاْهُ سُبْحَاْنَهُ ، يَقُوْلُ - تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ - عَنْ اَلْمُنَاْفِقِيْنَ : } فَلَاْ تُعْجِبْكَ أَمْوَاْلُهُمْ وَلَاْ أَوْلَاْدُهُمْ إِنَّمَاْ يُرِيْدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَاْ فِيْ الْحَيَاْةِ الْدُّنْيَاْ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَاْفِرُوْنَ { فَاَلْمُنَاْفِقُوْنَ لِعَدَمِ إِيْمَاْنِهِمْ ، وَتَعَلِّقِهِمْ بَاَلْدُّنْيَاْ ، وَإِعْرَاْضِهِمْ عَنْ اَلآخِرَةِ ، صَاْرَتْ مَكَاْنَتُهُمْ ، اَلْمُتَمَثِّلَةُ بِأَمْوَاْلِهِمْ وَأَوْلَاْدِهِمْ ، سَبَبَاً لِعَذَاْبِهِمْ وَتَعَاْسَتِهِمْ وَشَقَاْئِهِمْ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
رَوَىْ أَبُوْ دَاْوُدَ أَنَّ عَاْئِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاْ مَرَّ بِهَاْ سَاْئِلٌ ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً ، وَمَرَّ بِهَاْ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَاْبٌ وَهَيْئَةٌ ، فَأَقْعَدَتْهُ ، فَأَكَلَ فَقِيْلَ لَهَاْ فِيْ ذَلِكَ ؟ فَقَاْلَتْ : قَاْلَ رَسُوْلُ اللَّهِ e : (( أَنْزِلُوْا اَلْنَّاْسَ مَنَاْزِلَهُمْ )) فَإِنْزَاْلُ اَلْنَّاْسِ مَنَاْزِلَهُمْ ، أَمْرٌ مَطْلُوْبٌ شَرْعَاً ، وَلَكِنَّهُ لَاْ يَكُوْنُ عَلَىْ حِسَاْبِ اَلْدِّيْنِ، وَلَاْ مُخَاْلِفَاً لِشَرْعِ رَبِّ اَلْعَاْلَمِيْنَ ، فَاَلْنِّفَاْقُ وَاَلْمُدَاْهَنَةُ ، وَاَلْكَذِبُ وَاَحْتِقَاْرُ اَلْغَيْرِ ، وَاَلْغِيْبَةُ وَاَلْنَّمِيْمَةُ، وَتَرْكُ اَلْأَمْرِ بِاَلْمَعْرُوْفِ وَاَلْنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّاْ لَاْ يُرْضِيْ اللهَ U ، إِنْ كَاْنَ مِنْ أَجْلِ اَلْنَّاْسِ وَمَنَاْزِلِهِمْ ، فَلَاْ بَاْرَكَ اللهُ بِاَلْنَّاْسِ وَلَاْ بِمَنَاْزِلِهِمْ، } قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ { .
فَيَنْبَغِيْ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ تَعَاْمُلُنَاْ مَعَ اَلْنَّاْسِ ، فِيْ إِطَاْرِ شَرْعِ اللهِ U، نَعْمَلُ اَلْعَمَلَ اَلَّذِيْ يُرْضِيِ اللهَ، وَاَلَّذِيْ يَكُوْنُ فِيْ مِيْزَاْنِ حَسَنَاْتِنَاْ يَوْمَ اَلْقِيَاْمَةِ ، فَلَاْ نَنْخَدِعَ بِمَظَاْهِرَ زَاْئِفَةٍ، وَلَاْ نَزِنَ اَلْنَّاْسَ بِمَوَاْزِيْنَ وَاْهِيَةٍ ، وَلْيَكُنْ هَمُّنَاْ وَمَقْصَدُنَاْ اَلْفَوْزُ بِاَلْمَنَاْزِلَ اَلْعَاْلِيَةِ فَيْ اَلْآخِرَةِ ، فَلَاْ نَرْفَعُ وَضِيْعَاً ، وَلَاْ نَضَعُ رَفِيْعَاً ، لَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَاْدَاْتِ اَلْجَاْهِلِيَةِ، اَلَّتِيْ حَاْرَبَهَاْ دِيْنُنَاْ ، وَعَمِلَ عَلَىْ اَلْقَضَاْءِ عَلَيْهَاْ شَرْعُ رَبِنَاْ ، (( أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلَّا بِالتَّقْوَى ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )) كَمَاْ قَاْلَ نَبِيُّنَاْ e .
فَإِكْرَاْمُ اَلْنَّاْسِ ، وَاَلْنَّظَرُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ أَمْوَاْلِهِمْ وَثَرَاْوَتِهِمْ، أَوْ مِنْ أَجْلِ جَاْهِهِمْ وَسُلْطَاْنِهِمْ ، أَوْ مِنْ أَجْلِ أَحْسَاْبِهِمْ وَأَنْسَاْبِهِمْ، أَوْ مِنْ أَجْلِ مَخَاْفَةِ شَرِّهِمْ ، سُنَّةٌ جَاْهِلِيَةٌ ، مِنْ اَلْسُّنَنِ اَلَّتِيْ يَجِبُ عَلَيْنَاْ اَلْتَّخَلُّصُ مِنْهَاْ ، وَاَلْبُعْدُ عَنْهَاْ ، لِتَحْصُلُ لَنَاْ اَلْسَّلَاْمَةَ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ ، وَاَلْنَّجَاْةَ مِنْ اَلْنَّاْرِ فِيْ اَلْآخِرَةِ ، يَقُوْلُ U: } وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ { ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُوْنَ نَظْرَتُنَاْ لِغَيْرِنَاْ ، وَتَعَاْمُلُنَاْ مَعَ مَنْ حَوْلَنَاْ ، مِنْ مُنْطَلَقِ شَرْعِ رَبِّنَاْ ، وَتَعَاْلِيْمِ دِيْنِنَاْ ، لَاْ حَسَبَ شَهَوَاْتِنَاْ وَرَغَبَاْتِنَاْ ، فَفِيْ صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِي ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ اَلْسَّاْعِدِيِّ قَاْلَ : مَرَّ رَجُلٌ عَلَىْ رَسُوْلِ اللَّهِ e فَقَاْلَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: (( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ )) فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ e ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e: (( مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ )) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: (( هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا )) .
فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - فَاَنْتِشَاْرُ اَلْمَقَاْيِيْسِ اَلْفَاْسِدَةِ ، وَاَلْمُوَاْزِيْنِ اَلْمَقْلُوْبَةِ ، بِسَبَبِ بُعْدِنَاْ عَنْ كِتَاْبِ رَبِّنَاْ وَهَدْيِ نَبِيْنِاْ ، اَلْلَّذِيْنِ هُمَاْ عِصْمَةٌ مِنْ اَلْزِّيْغِ وَاَلْاِنْحِرَاْفِ ، وَأَمَاْنٌ مِنْ اَلْفَسَاْدِ وَاَلْضَّلَاْلِ .
أَسْأَلُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ، وَسَلَاْمَةً دَاْئِمَةً ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
إِنَّ اَلْبَحْثَ عَنْ عُلُوِ اَلْمَكَاْنَةِ ، وَاَلْسَّعِيَ إِلَىْ رِفْعَةِ اَلْمَنْزِلَةِ ، مِنْ اَلْأُمُوْرِ اَلْسَّيِّئَةِ، وَلَكِنَّهُ يَزْدَاْدُ سُوْءَاً وَمَقْتَاً وَذَمَّاً وَجُرْمَاً، عَنْدَمَاْ يَكوْنُ بِاَسْمِ اَلْدِّيْنِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e: (( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ ، أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ )) وَمَاْ ذَاْكَ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - إِلَّاْ لِخُطُوْرَتِهِ، وَإِضْلَاْلِ اَلْمُسْلِمِيْنَ بَسَبَبِهِ ، وَسُوْءِ نَتَاْئِجِهِ وَمَاْ سَيَحْدُثُ مِنْ خِلَاْلِهِ ، وَلَاْ أَدَلّ عَلَىْ ذَلِكَ مِمَّاْ يَقُوْمُ بِهِ اَلْخَوَاْرِجُ فِيْ بَعْضِ اَلْبِلَاْدِ، حَيْثُ يَسْعَوْنَ إِلَىْ اَلْسُّلْطَةِ وَاَلْرِّئَاْسَةِ، بِاَسْمِ اَلْخِلَاْفَةِ اَلْإِسْلَاْمِيْةِ، مُخَاْلِفِيْنَ تَوْجِيْهَاْتِ اَلْكِتَاْبِ وَاَلْسُّنَّةِ، غَيْرَ مُبَاْلِيْنَ بِسَفْكِ دِمَاْءٍ بَرْيْئَةٍ ، وَلَاْ بِهَتْكِ أَعْرَاْضٍ طَاْهِرَةٍ، وَلَاْ بِضَيَاْعِ أَمْوَاْلٍ مَحْفُوْظَةٍ ، وَمِمَّاْ يَزِيْدُ اَلْطِّيْنَ بِلَّةً ، مُحَاْوَلَتُهُمْ نَقْلُ تَجَاْرُبٍ فَاْشِلَةٍ ، وَاَنْقِلَاْبَاْتٍ قَاْتِلَةٍ ، إِلَىْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ اَلَّتِيْ تُحْكُمُ بِكَتَاْبِ اللهِ U وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ e، وَتُقَاْمُ فِيْهَاْ اَلْصَّلَاْةُ، وَيُحَاْرَبُ فَيْهَاْ اَلْشِّرْكُ بِجَمِيْعِ صُوَرِهِ وَأَشْكَاْلِهِ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
إِنَّ حَاْدِثَةَ اَلْأَحْسَاْءِ ، وَاَلَّتِيْ رِاْحَتْ ضَحِيَّةً لَهَاْ ، دِمُاْءٌ بَرِيْئَةٌ ، وَأُزْهِقَتْ بِسَبَبِهَاْ نُفُوْسٌ مَعْصُوْمَةٌ ، وَقُتِلَ مِنْ خِلَاْلِهَاْ عَدَدٌ مِنْ رِجَاْلِ اَلْأَمْنِ ، لَهِيَ دَلِيْلٌ عَلَىْ مُحَاْوَلَةِ ، مَنْ ضَلَّتْ عُقُوْلُهُمْ ، وَفَسَدَتْ مَقَاْصِدُهُمْ ، جَرَّ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ لِفِتَنٍ خَطِيْرَةٍ ، وَأَوْضَاْعٍ مُزْرِيَةٍ ، يُعَاْنِيْ وَيْلَاْتِهَاْ كَثِيْرٌ مِنْ اَلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ تُوْنِسَ وَلِيْبِيَاْ ، وَفِيْ اَلْعِرَاْقِ وَاَلْيَمَنِ ، وَفِيْ مِصْرَ وَسُوْرِيَاْ ، اَلَّذِيْنَ صَاْرَ رَبِيْعُهُمْ حِمَمَاً وَنَاْرَاً وَجَحِيمَاً عَلَىْ رُؤُسِهِمْ ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَرِّجَ كَرْبَهُمْ ، وَيُزِيْلَ مِحْنَتَهُمْ ، وَيُعَاْفِيْنَاْ مِمَّاْ اِبْتَلَاْهُمْ .
فَلْنَتَقِ اللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - وَنَحْذَر وَنُحَذِّر مِنْ هَذَاْ اَلْأَمْرِ اَلْخَطِيْرِ ، وَاَلْشَّرِ اَلْكَبِيْرِ ، وَلْنَحْرِصْ عَلَىْ أَبْنَاْئِنَاْ فِيْ مَدَاْرِسِهِمْ وَحَلَقَاْتِهِمْ وَاَسْتِرَاْحَاْتِهِمْ وَرَحَلَاتِهِمْ ، وَلْنَكُنْ يَدَاً وَاْحِدَةً ، مَعَ وُلَاْةِ أَمْرِنَاْ مِنْ اَلْعُلَمَاْءِ وَاَلْأُمَرَاْءِ ، وَلْيَكُنْ مَرْجِعُنَاْ كَتَاْبَ رَبِنَاْ U وَسُنَّةَ نَبِيْنَاْ e ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( تَرَكْتُ فِيْكُمْ مَاْ إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضُلُّوْا بَعْدِىْ أَبَدَاً : كِتَاْبَ اللهِ وَسُنَّتِىْ )) .
أَسْأَلُ اللهَ U أَنْ يَجْعَلَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ رَسُوْلِهِ اَلْكَرِيْمِ ، وَأَنْ يُحْيِيْنَاْ عَلَىْ اَلْإِسْلَاْمِ ، وَيُمِيْتُنَاْ عَلَىْ اَلْإِيْمَاْنِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَاْ فِيْ رِضَاْهُ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مٌجِيْبٌ. اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ أَنْ تَنْصُرَ عِبَاْدَكَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَأَنْ تُذِلَّ اَلْشِّرْكَ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْيَهُوْدِ اَلْمُعْتَدِيْنَ ، وَاَلْنَّصَاْرَىْ اَلْحَاْقِدَيْنَ، وَمَنْ كَرِهَ اَلْإِسْلَاْمَ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاَلْيَهُوْدِ اَلْمُتَطَرِّفِيْن ، اَلَّذِيْنَ يُؤْذُوْنَ اَلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ فِلِسْطِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ يَاْ قَوُيُ يَاْ عَزِيْز، أَرِنَاْ فِيْهِمْ عَجَاْئِبَ قُدْرَتِكَ ، وَفُجَاْءَةَ نِقْمَتِكَ ، وَأَلِيْمَ عَذَاْبِكَ ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ ، اَلْلَّهُمَّ أَنْقِذِ اَلْمَسْجِدَ اَلْأَقْصَىْ مِنْ رِجْزِهم ، وَاَجْعَلْهُ شَاْمِخَاً عَزِيْزَاً إِلَىْ يَوْمِ اَلْدِّيْن .
اَلْلَّهُمَّ اِحْفَظْ بِلَاْدَنَاْ وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ وَحْدْ كَلِمَتَنَاْ وَقُوْيِ شَوْكَتَنَاْ يَاْ رَبَّ اَلْعَاْلَمِيْنَ . اللّهُمّ أَنْتَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ ، تَفْعَلُ مَاْ تَشَاْءُ وَمَاْ تُرِيدُ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيْدُ ، وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاءُ وَاَلْعَبِيْدُ ، اَلْلّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَاْ تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اللّهُمّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيّت اللّهُمّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ ، اللّهُمّ أَغِثْنَاْ.
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ: } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120
|