القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 1949 بالامس : 12790 لهذا الأسبوع : 1948 لهذا الشهر : 159215 لهذه السنة : 2734554 منذ البدء : 17398397 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (25): باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله. المادة خطبة رقم (25): باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70 – 71]. أما بعد: فاتقوا الله - أيها المسلمون - اتقوه في السر والعلن، فإن تقوى الله - عز وجل - سبب الأمن في الدنيا والهداية في الآخرة: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]. عباد الله: إنَّ النفوس مولعة بحب الصالحين، وما أدخل إبليس الشرك على بني وقد استجاب الله - سبحانه - دعاء نبيه r وحمى قبره بثلاثة جدران فلا أحد يصل إليه يجعله وثنًا يُعبد، إذ ليس فيه شيء من صور الوثنية، فلا يُطاف حول قبره، ولا يذبح له، بل حفظه الله على مر التاريخ إلى يومنا هذا. ومنع الشرع من تتبع آثار الصالحين كقبورهم ومجالسهم ومواضع صلاتهم؛ إذ أن ذلك قد يؤول على عبادتهم، وقد خاف الصحابة - y - من غلو الجهال بالصالحين وآثارهم، فسدوا باب الشرك والفتنة. عباد الله: لما فتح المسلمون بلاد فارس وجدوا في بيت مال الهرمزان - أي: الكبير من ملوك العجم - سريرًا عليه رجل ميت يُقال له (دانيال) كانت الفرس تغلو فيه، فأمر عمر - t - أن يُحفر ثلاثة عشر قبرًا نهارًا ثم يدفن في أحدها ليلاً، ثم تسوى القبور حتى يخفى أمره على الناس فلا يُفتتن به، ولم يبرز قبره لئلا يعبده الجهال من دون الله. وأمر عمر - t - بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي r بيعة الرضوان؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيُصلون عندها فخاف عليهم الفتنة. ثم قال r في تتمه الحديث: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قال مجاهد: أتى r بهذه الجملة بعد دعائه ربه أن لا يجعل قبره وثنًا يعبد، تنبيهًا على سبب لحوق شدة الغضب عليه، ولعـنهم، وهـو توصُّلهم بذلك إلى أن تصير أوثانًا تُعبد، وفيه تحريم البناء على القبور، والصلاة عندها، وأنه من الكبائر، وكره مالك أن يقول: زرت قبر النبي r وعلل الكراهة بقوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-: وفيه أنه لم يستعذ إلا مما يخاف وقوعه. وصفة الغضب لله - جل وعلا - ثابتة في الكتاب والسنة، فالله -سبحانه- يغضب إذا انتهكت محارمه، وغضب الله يتفاوت؛ في حديث الشفاعة: «إن الله غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله» وغضبه على الكافرين ليس كغضبه على عصاة المؤمنين. أيها المسلمون: قال - تعالى - في محكم التنزيل: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: 19]. كان في الجاهلية رجل صالح يخلط الدقيق بالسمن وغيره، ليطعم به الحاج فسُمي باسم عمله، فلما مات غلا فيه الجهال وعظموه؛ لأجل عمله الصالح الذي كان يعمله، فعكفوا على قبره حتى عبدوه وصار قبره وثنًا من أكبر أوثان الجاهلية. فالغلو في قبره كان سببًا في عبادته، وهذا هو السبب أيضًا في عبادة الصالحين من الأموات وغيرهم، فإنَّهم غلوا في تعظيم قبورهم ببناء المساجد عليها، وتشييد القباب ووضع الستور، وإضاءة السرج وبسط فالشرع الحكيم لم يميز بين قبور الصالحين وغير الصالحين، بل جميع القبور صفتها في الظاهر واحدة، ومن خالف في ذلك فقد فتح باب الشرك وعبادة القبور. وفي الحديث عن ابن عباس - t - قال: «لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» [رواه أهل السنن]. لعن الرسول r زائرات القبور؛ لأن زيارة المرأة للقبور يترتب عليها مفاسد عظيمة، من النياحة والجزع وافتتان الرجال بها، فاللعن يفيد تحريم زيارة النساء للمقابر وأن ذلك من الكبائر، وكذا لعن r الذين يتخذون المقابر مواطن عبادة أو يضيؤونها بالسرج والأنوار؛ لأن هذا غلو ومدعاة للشرك بأصحابها. والمرأة - عباد الله - ضعيفة لا تصبر، ولو كانت تزور لا يأمن منها العويل والصراخ، وعلى فرض أن بعضهن عندها جلد ولكن الشأن في جنس النساء، وقد ذكر ابن تيمية: أنه لا يعرف أحدًا من أهل العلم من قال باستحباب زيارة المرأة للقبور، والخلاف بين التحريم والجواز، والتحقيق هو تحريم زيارة المرأة للقبور. أيها المسلمون: زيارة الرجال للقبور لها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يزورها المسلم متبعًا لسنة، فيدعو لأهلها عمومًا الحالة الثانية: أن يزورها لعبادة الله عندها، فيصلي، أو يدعو، أو يذبح لله عندها، أو يتمسح بها ويتوسل إلى الله بأهلها، كإسراجها والبناء عليها، والغلو فيها وفي أهلها إذا لم يبلغ رتبة العبادة فهذه زيارة بدعية ومن وسائل الشرك. الحالة الثالثة: أن يزورها ليذبح للميت ويتقرب إليه بذلك، أو يزورها لطلب الغوث والنصر منه، أو يزورها لطلب الولد مثلاً، فهذا شرك أكبر. وقوله r: «والمتخذين عليها المساجد والسرج». أي: ولعن رسول الله r المتخذين على القبور المساجد المبنية، والموقدين عليها السرج، وكذا الصلاة عندها، والدعاء ونحو ذلك، وهذا حرام بإتفاق العلماء، وفي صحيح مسلم أن النبي r قال: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» وإذا كانت المساجد بنيت لذكر الله، وقراءة القرآن والصلاة، كانت القبور بذلك مساجد. قال ابن القيم: اتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها من الكبائر. والواجب على من صلي في مسجد به قبر أن يعيد صلاته، قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله-: لا تصح الصلاة في المساجد التي فيها القبور، والواجب إعادة ما صلى المسلم فيها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162، 163]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله الْمُبدئ الْمُعيد، الفعال لما يريد، أحاط بكل شيء علمًا، وهو على كل شيء شهيد، علا بذاته، وقهر بقدرته، وهو أقرب إلى عبده من حبل الوريد، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم يشيب لهوله الوليد، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، بشر وأنذر، وحذر يوم الوعيد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله-، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، يوم ينفخ في الصور، ويبعث من في القبور، ويظهر المستور، يوم تبلى السرائر، وتكشف الضمائر، ويتميز البر من الفاجر. عباد الله: لقد جعل الله في التوبة ملاذًا مكينًا وملجأ حصينًا، يلجُه المذنب معترفًا بذنبه، مؤملاً في ربه، نادمًا على فعله، غير مصر على خطيئته، يحتمي بحمى الاستغفار، يتبع السيئة الحسنة؛ فيكفر الله عنه سيئاته، ويرفع من درجاته. ومن وقع في شيء من هذه البلايا والرزايا فعليه بالتوبة فإن التوبة الصادقة تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى المكفر والشرك: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: 38] وقتلة الأنبياء ممن قالوا إن الله ثالث ثلاثة وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- لقد ناداهم المولى بقوله: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 74]. فتح ربكم أبوابه للتائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يقول - جل جلاله، في الحديث القدسي: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم» وقال - عز وجل-: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 110] ومن ظن أن ذنبًا لا يتسع لعفو الله فقد ظن بربه ظن السوء، كم من عبدٍ كان من إخوان الشياطين فمنَّ الله عليه بتوبة محت عنه ما سلف؛ فصار صوامًا قوامًا، قانتًا لله ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. فمن تدنس بشيء من قذر الشرك والمعاصى؛ فليبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - t - عن النبي r قال: «إذا أذنب عبد فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفر لي، فقال الله: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبًا آخر فذكر مثل الأول مرتين أُخريين، حتى قال في الرابعة: فليعمل ما شاء»، يعني ما دام على هذه الحال كلما أذنب استغفر منه غير مُصِّر. جعلنا الله من التوابين الأوابين، وغفر لنا وعفا عنا، تجاوز عن زللنا وتقصيرنا بمنه وكرمه.
التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|