القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 6390 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 32311 لهذا الشهر : 138436 لهذه السنة : 2713778 منذ البدء : 17377617 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (24): باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح؛ فكيف إذا عبده؟! المادة خطبة رقم (24): باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح؛ فكيف إذا عبده؟! الحمد لله سلك بأهل الإِستقامة سبيل السلامة، أحمده - سبحانه - وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.؟ أما بعد: فأوصيكم أيها الناس - ونفسي - بتقوى الله عز وجل؛ فاتقوا الله رحمكم الله. أيها المسلمون: خلقنا الله - عز وجل - لعبادته وطاعته، وحذرنا من مخالفة أمره ومعصيته، وقد وردت النصوص بالتغليظ والتهديد، والوعيد الشديد على من يعبد الله عند قبر رجل صالح، مع أنه لا يقصد إلا الله، ومع كونه معصية فهو وسيلة إلى الشرك، وقد أبدى r وأعاد، وكرر وغلظ في ذلك، فكيف إذا عُبد الرجل الصالح؟! فإنه أحق وأولى بما هو أعظم من هذا التغليظ، والمقصود أنه إذا كانت عبادة الله عند القبور منهيًا عنها، ومغلظًا فيها، فكيف بعبادة صاحب القبر؟! فإن ذلك شرك أكبر، وعبادة الله عنده وسيلة إلى عبادته، وما أدى إلى محرم فهو محرم، فإن الوسائل لها حكم الغايات، فوسائل الشرك محرمة لأنها تؤدي إليه. في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أن أم سلمة ذكرت لرسول الله r كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور؛ فقال r: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله». ذكرت أم سلمة - رضي الله عنها - للرسول r في مرض موته كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من تَّصَاوير على وجه الذم، فأخبرها r أن اليهود والنصارى إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصُوَره ليقتدوا به في أفعاله الصالحة وعبدوا الله عند هذا القبر، ثم بين r أن هؤلاء أشر الخلق عند الله لضلالهم، وسنِّهم لمن بعدهم الغلو في قبور صالحيهم؛ حتى أفضى بهم ذلك الغلو إلى عبادتهم من دون الله. وقد ذكر r وصفهم هذا تحذيرًا لنا من أن نفعل مثل فعلهم، فنقع فيما وقعوا فيه من عبادة الصالحين، فأفاد الحديث أن من عبد الله عند قبر رجل صالح فهو من شرار الخلق عند الله، فما الظن بمن عبده؟! والذين بنوا هذه الكنيسة جمعوا بين فتنتين ضل بهما كثير من الخلق: الفتنة الأولى: فتنة القبور؛ بالبناء عليها، والعكوف عندها، وإسراجها والكتابة عليها. الفتنة الثانية: فتنة التماثيل؛ أي الصور المجسمة. وقد نهى r أمته عن البناء على القبور وتصوير ذوات الأرواح، فإن الجهال الذين افتتنوا بتعظيم قبور الصالحين؛ فبنوا عليها المساجد وصوروا فيها صور صالحيهم، آل بهم الأمر إلى عبادتهم. والفتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام بل هي أشد، فإن الشرك بقبر رجل صالح يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر، ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون ويخشعون عند قبور الصالحين خشوعًا لا يكون منهم في بيوت الله، ويحلفون بأسمائهم ويدعونهم عند الشدائد، ويذبحون وينذرون لهم، وينفقون الأموال الطائلة على ذلك، ولأجل هذه المفسدة نهى الرسول r حتى عن الصلاة عند القبور. قال شيخ الإِسلام: وإذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركًا بها، فهذا عين المحادة، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما قد علموه بالاضطرار من دين الرسول r أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه لعن من اتخذه مساجد فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذ مساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي r بالنهي عن ذلك، والتغليظ فيه، وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة، وصرحوا بتحريم ذلك، ومن أطلق الكراهة منهم فينبغي أن تحمل كراهته على التحريم، إحسانًا للظن بالعلماء، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله r النهي عنه، ولعن فاعله. أيها المسلمون: حرص الرسول r على حماية التوحيد، واشتدت شفقه على أمته وحرصه على هدايتها حتى في الأوقات العصبية؛ إذ أنه لما نزل ملك الموت u لقبض روحه الشريفة لاقى من شدة سكرات الموت وهولها، ومع ذلك حرص على حماية التوحيد، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما نزل برسول الله r طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» خشي r على أمته أن يضلُّوا بعده فيعظـموا قـبره كما فعـل اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم يتعبدون فيها لله، حتى آل بهم الأمر إلى عبادة أنبيائهم، ولم يكن هذا اللعن في سياق الموت لهاتين الطائفتين الضالتين إلا على سبيل التحذير الشديد؛ لئلا تقع أمته r في شيء من فعلهم عند قبره، والعن ليس مختصًا باليهود والنصارى بل يعم كل من فعل فعلهم. قال القرطبي: وكُلُ ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام. وقال شيخ الإسلام: ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يُبن مسجد. أما لعن من فعله كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - فذلك لأن التردد على القبور يوجب التأله لأربابها، ويورث عبادتهم. والصلاة عندها من اتخاذها مساجد، فمن صلى عند القبور فقد اتخذها مساجد، فهو داخل في لعن الرسول r، ومرتكب نهيه شاء أم أبى، وفائدة التنصيص على زمن النهي، يقضي بأنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ، لكونه صدر في آخر حياته r. ثم قال - رحمه الله-: وإن لم يُبن مسجد: أي إن الصلاة عند القبور وإليها من اتخاذها مساجد، الملعون من فعله، ولو بدون بناء مساجد. عباد الله: لما مات r عمل الصحابة بوصيته r؛ فالصحابة - y - أشد الأمة اعتناء بمقام التوحيد، وأعلم هذه الأمة بالشرك وما يؤدي إليه، وقد علموا وامتثلوا ما حذر منه r أمته من اتخاذ القبور مساجد، فلما توفي r لم يبرزوا قبره، فلم يدفن خارج بيته ولا مع قبور أصحابه في البقيع، بل دفنوه في بيته لأمرين: الأول: سنة الله في أنبيائه أنَّهم يدفنون حيث يموتون. الثاني: خشي الصحابة - y - أن يُتَّخذ قبره r مسجدًا فيؤدي ذلك إلى عبادته. وقد حمى الله - سبحانه - قبر نبيه r فلم يُتخذ مسجدًا، وأجاب - سبحانه - دعوته في قوله r: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد». قال القرطبي: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبره r فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره، خافوا أن يُتخذ موضع قبره قبِلة، إذا كان مستقبلاً المصلي، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة، من ناحية الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره. ولمسلم عن جندب بن عبد الله - t - قال سمعت النبي r قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتى خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد». يخبر الرسول r قبل وفاته بخمس ليال عن تبرئه من أن يتخذ أحدًا من أمته خليلاً؛ لأن قلبه قد امتلأ من محبة الله وتعظيمه ومعرفته، فلا يسع لمخالة غيره - سبحانه-، فقد نال r الخُلَّة كما نالها أبوه إبراهيم - u-. فالخلّة خاصة لهذين النبيين الكريمين، ولا ينافي ذلك عبوديتهما لله؛ أمَّ المحبة عامة لجميع المرسلين وسائر المؤمنين فإن الله يحبهم ويحبونه. وبيّن الرسول r أنَّه على سبيل الفرض والتقدير لو كان له خليلٌ من الخلق لكان أبا بكر، وفي هذا التصريح بأنَّ أبا بكر - t - أفضل هذه الأمة بعد نبيها محمد r، وفيه إشارة إلى خلافته؛ لأن من كانت محبته لشخص أشد كان أولى بالنيابة عنه من غيره. وفي الحديث عنه r أنه قال: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك، فقد نهى عنه في آخر حياته. ويحذر r الأمة أن تتخذ القبور مساجد كالذين من قبلهم، وأكد النهي فقال: «فإني أنهاكم عن ذلك» أي: عن اتخاذها مساجد، سدًا لذريعة الشرك، ففيه النهي عن اتخاذ القبور مساجد، من ثلاثة أوجه: الأول: ذم من كان قبلهم على ذلك. والثاني: تحذيرهم أن لا يتخذوها. الثالث: قوله: «فإني أنهاكم عن ذلك» فبالغ في النهي، نصيحة لأمته عن أعظم ما يحل بهم. ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود - t - مرفوعًا: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد». يخبر الرسول r أنه في آخر الزمان يضمحل الخير وأهله فلا يبقى إلا شرار الناس الذين تدركهم الساعة: أي تظهر عليهم مقدمات الساعة كخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها - وهم كفار، ومن شرار الناس أيضًا الذين يتخذون القبور مساجد. ومن صور اتخاذ القبور مساجد: أن تُنبى على القبور مساجد. وأن تتخذ القبور مكانًا لعبادة الله عندها بالصلاة والذكر والدعاء؛ زعمًا أن ذلك أحرى لإِجابة الدعاء، أو طلبًا للفضيلة أو رجاء للبركة، وإن لم يُبْنَ عليها مسجد. ويدخل في ذلك زخرفة القبور وإسراجها وتجصيصها، والكتابة عليها، وبناء القباب، ووضع الستور وتعليق الصور عليها والقيام على خدمة زائريها وإعطاء النقود لسدنتها، وكل ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة أصحابها، ومن غربة الإِسلام أن هذه الأمور المحرمة قد فعلها الكثير من متأخري هذا الأمة واعتقدوها قربة من القربات؛ وهو من أعظم السيئات. وقد نهى r عن بناء المساجد على القبور كما في الأحاديث السابقة صيانة لحمى التوحيد، وأبدى وأعاد وحذر من ذلك حتى عند حضور أجله سدًا لباب الشرك، فالواجب الحذر من ذلك والإِنكار على من يفعله. وقد وقع بسبب البناء على القبور من المفاسد التي لا يحيط بها على التفصيل إلا الله، ما يغضب لله - من أجله - من في قلبه رائحة إيمان، ولقد أبدى r وأعاد، وحذر من ذلك حتى في النزع سدًا لذريعة الشرك قبل وقوعه، وتحذيرًا للناس منه، وقد وقع كثير ممن ينتسب إلى الإٍسلام فيما حذر منه r، فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ ومع وجود الشرك والدعاة إليه، فإن التوحيد - ولله الحمد - منتشر ومنتصر: «ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله -تبارك وتعالى-» جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وجوده وكرمه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106]. بارك الله لي ولكم.... الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: يتساءل كثير من الناس عن حال قبر النبي r، وأنه في وسط المسجد النبوي، والجواب على ذلك من وجوه كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله-: الوجه الأول: أنَّ المسجد لم يُبن على القبر، بل بُني المسجد في حياة الوجه الثاني: أنَّ النبي r لم يُدفن في المسجد حتى يُقال: إنَّ هذا من دفن الصالحين في المسجد، بل دفن في بيته. الوجه الثالث: أنَّ إدخال بيوت الرسول r، ومنها بيت عائشة - رضي الله عنها - مع المسجد ليس باتفاق من الصحابة، بل بعد أن انقرض أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل، وذلك عام 94هـ تقريبًا؛ فليس ممَّا أجازه الصحابة أو أجمعوا عليه، مع أن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضًا سعيد بن المسيب من التابعين؛ فلم يرض بهذا العمل. الوجه الرابع: أنَّ القبر ليس في المسجد، حتى بعد إدخاله، فبهذا كله يزول الإِشكال الذي يحتج به أهل القبور، ويقولون هذا منذ عهد التابعين إلى اليوم، والمسلمون قد أقروه ولم ينكروه؛ فنقول: إنَّ الإِنكار قد وجد حتى في زمن التابعين، وليس محل إجماع، وعلى فرض أنه إجماع؛ فقد تبين الفرق من الوجوه الأربعة التي ذكرناها.
انتهت الخطبة التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|