الاعْتِصَامُ بِاللهِ وَبِحَبْلِهِ الْمَتِين
خطبة جمعة بتاريخ / 7-4-1435 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذَّرها منه ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه . وتقوى الله جلَّ وعلا هي خير زادٍ يلغ إلى رضوان الله ، قال الله تعالى : ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة:197] .
أيها المؤمنون عباد الله : اعتصموا بالله ، واعتصموا بحبله المتين ؛ فهما نوعان من الاعتصام دعا الله تبارك وتعالى إليهما في كتابه ورتب على تحقيقهما سعادة الدنيا والآخرة ، فأمَّا أمْره جل وعلا بالاعتصام به ففي قوله جل وعلا: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج:78] ، وأمَّا أمره جل وعلا بالاعتصام بحبله المتين ففي قوله جل وعلا: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103] . وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه في سياقة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قال في خطبته : ((تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ؛ كِتَابَ اللهِ)) ، وفي صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا ؛ يَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)) .
أيها المؤمنون عباد الله : والاعتصام بالله هو التوكل عليه جل في علاه ، والاستعانة به ، والاعتماد عليه وحده ، وصدق الالتجاء إليه ، ودوام التوجه إليه بالدعاء والسؤال ذلًّا وافتقارا ، ورجاءً وطمعا ، وإلحاحًا وتضرعا .
وأما الاعتصام بحبله: فهو التمسك بكتابه العظيم وشرعه القويم ولزوم هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والبُعد عن الأهواء والبدع المحدثات ، ومن اعتصم بالله نجا من الهلكة ، ومن اعتصم بحبل الله نجا من الضلال .
أيها المؤمنون عباد الله : وإن مثَل السائر إلى الله تبارك وتعالى كرجلٍ خرج مسافرًا إلى وِجهةٍ معيَّنة فهو يحتاج في سفره إلى هداية في الطريق لئلا يضل ، وإلى سلامةٍ في الطريق لئلا يهلك ؛ ولا بلوغ له إلى مقصده إلا بهذين الأمرين ، فالاعتصام بالله سبحانه نجاة وسلامة من الهلكة ، والاعتصام بحبل الله جل وعلا نجاةٌ ووقايةٌ من الضلال.
أما الثمار -عباد الله- للاعتصام بالله والاعتصام بحبله المتين فلا حدَّ لها ولا عد ، بل إن سعادة الدنيا والآخرة مدارها على هذين الاعتصامين ، ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا بهذين الاعتصامين ، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران:101] ، وقال الله جل وعلا: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء:175] .
اللهم يا ربنا اجعلنا أجمعين بك معتصمين ، وبشرعك متمسِّكين ، ولهدي نبيك صلى الله عليه وسلم ملازمين ، وعن البدع والأهواء مجانبين ومبتعدين ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرةً وأصيلا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أمَّا بعد عباد الله : اتّقوا الله تعالى.
عباد الله : ما أعظم شأن الاعتصام بالله والاعتصام بحبله القويم ؛ إذ بهما نجاة العبد وفلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة ، يقول الإمام الزهري رحمه الله تعالى : «قال من مضى من علمائنا الاعتصام بالسنة نجاة» . وقال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى : «السنة سفينة نوح ؛ من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك» . وهذا حق فإن مثل من لزم السنة - سنة النبي عليه الصلاة والسلام- كمثل الذين ركبوا مع نوح وهم الذين صدَّقوا به واتبعوه ، ومثل الذين تركوا السنة كالذين تخلَّفوا عن نوح وهم الذين كذَّبوا به ولم يصدقوه ، وهذا يُظهِر لنا عباد الله أهمية السنة والاعتصام بها وأن بها نجاة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة ، وخطورة البدع والأهواء وأنها هلكةٌ للعبد في دنياه وأخراه .
ونسأل الله جل وعلا أن يصلح لنا شأننا كله ، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما .
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هُدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكلَّ محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة. وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين ؛ أبي بكرٍ الصديق وعمرَ الفاروق وعثمان الفاروق وأبي الحسنين علي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليُّها ومولاها ، اللهم اهدنا وسددنا اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسرَّه . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتنا ، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا أحد يا صمد يا بديع السماوات والأرض يا رب العالمين ، يا مغيث المستغيثين نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا بأن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا ، هنيئًا مريئًا ، سحًّا طبقا ، نافعًا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزيدكم ، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125 |