أبو ذر الغفاري t
الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد ، } نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ ، يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم التناد .
أما بعد ، فيا عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته سبحانه لعباده ، فهو القائل في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
تعلمون ـ رحمني الله وإياكم ـ ما لأصحاب النبي r من مكانة عظيمة ، ومنزلة سامية رفيعة ، فقد أثنى الله U عليهم ، وأعلى النبي r من شأنهم ، يقول تبارك وتعالى : } وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { ، ويقول النبي r ، كما في الحديث الصحيح : (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي )) ، ويقول أيضا ، في حديث صحيح آخر : (( لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِِي ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ )) .
فأصحاب النبي r ، ورضي الله عنهم ، لم يبلغوا هذه المنزلة ، وتلك المكانة ، إلا بعملهم بكتاب ربهم ، واقتدائهم بسنة نبيهم r ، ولعلنا ـ أيها الأخوة ـ نتحدث في هذا اليوم ، عن رجل منهم ، لنعطر أسماعنا بسيرته ، وتبعث هممنا مسيرته ، وكما قال تبارك وتعالى : } فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { .
أيها الأخوة المؤمنون :
هو أبو ذر الغفاري ، رجل من غفار ، قبيلة بين مكة والمدينة ، اشتهرت بين قبائل العرب بالسطو وقطع الطريق ، على المسافرين والتجار ، ففي صحيح البخاري ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟ قالوا : بَلَى ، قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ : كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَقُلْتُ لِأَخِي : انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ ، فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقُلْتُ مَا عِنْدَكَ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ ، فَقُلْتُ لَهُ : لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي المَسْجِدِ ، قَالَ : فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ ، فَقَالَ : كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَانْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ ، قَالَ : فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ ، لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلاَ أُخْبِرُهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى المَسْجِدِ لِأَسْأَلَ عَنْهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ ، قَالَ : فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ ، فَقَالَ : أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : انْطَلِقْ مَعِي ، قَالَ : فَقَالَ مَا أَمْرُكَ ، وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ البَلْدَةَ ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ ، قَالَ : فَإِنِّي أَفْعَلُ ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الخَبَرِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ فَاتَّبِعْنِي ، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي وَامْضِ أَنْتَ ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ r ، فَقُلْتُ لَهُ : اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ ، فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي ، فَقَالَ لِي : (( يَا أَبَا ذَرٍّ ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ )) . فَقُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ، لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَقَالُوا : قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ ، فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ ، فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : وَيْلَكُمْ ، تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِنْ غِفَارَ ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ ، فَأَقْلَعُوا عَنِّي ، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الغَدَ رَجَعْتُ ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ ، فَقَالُوا : قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ ، قَالَ : فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
أسلم t ، وكان رابع أو خامس المسلمين ، ومكث ينهل من مدرسة النبي r ، حتى حان زمن هجرة النبي r ، يقول أبو ذر t كما في صحيح مسلم : غَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ r ، فَقَالَ : (( إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ ، لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ ؟ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ )) فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا - أخاه - فَقَالَ : مَا صَنَعْتَ ؟ قُلْتُ : صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ ، قَالَ : مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ ، فَأَتَيْنَا أُمَّنَا ، فَقَالَتْ : مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ ، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ . وَقَالَ نِصْفُهُمْ : إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ r الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ r الْمَدِينَةَ ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِي وَجَاءَتْ أَسْلَمُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ إِخْوَتُنَا ، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ ، فَأَسْلَمُوا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : (( غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا ، وَأسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ )) .
أسلمت - أيها الأخوة - قبيلته وحلفاؤها ، مع دعوة مستجابة من النبي r ، بفضل الله U ثم فضل دعوة هذا الرجل ، العابد الزاهد ، الصادق في دعوته ، الذي يحبه الله U ، ويحبه رسوله r ، ففي الحديث الحسن الصحيح ، يقول r : (( مَا تُقِلُّ الْغَبْرَاءُ ، وَلَا تُظِلُّ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ ، وَأَوْفَى مِنْ أَبِي ذَرٍّ شَبِيهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )) . وفي سنن الترمذي ، في الحديث الحسن الصحيح - أيضا - يقول النبي r : (( إن الله U أمرنى بحب أربعة ، وأخبرنى أنه يحبهم )) ، قيل : يا رسول الله ، سمهم لنا ، فقال r : (( على منهم )) ، يقول ذلك ثلاثًا ، (( وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان )) .
أسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى الإمام أحمد في مسنده ، وصححه الألباني ، عن أبي ذر t قال : أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ r وَأَنَا نَائمٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ : (( أَلَا أَرَاكَ نَائِمًا فِيهِ ؟ )) , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَبَتْنِي عَيْنِي , قَالَ : (( كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ ؟ )) , فَقُلْتُ : آتِي الشَّامِ ، الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الْمُبَارَكَةَ ، قَالَ : (( كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ ؟ )) , فَقُلْتُ : مَا أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، أَضْرِبُ بِسَيْفِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ رُشْدًا ؟ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَتَنْسَاقُ لَهُمْ حَيْثُ سَاقُوكَ )) .
ولذلك ـ أيها الأخوة ـ لما حدث ما حدث في عهد عثمان t ، انتقل t إلى الربذة ، وهي بلدة تقع شرق المدينة المنورة ، يقول زيد بن وهب : مررتُ بالرّبَذةِ فإذا أنا بأبي ذرّ ، فقلتُ ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنتُ بالشام فاختلفتُ أنا ومعاوية في هذه الآية : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ { وقال معاوية : نَزَلَتْ في أهل الكتاب ، قال فقلتُ : نَزَلَتْ فينا وفيهم . قال فكان بيني وبينه في ذلك كلام ، فكتب يشكوني إلى عثمان ، قال فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة ، فقدمتُ المدينةَ وكَثُر الناسُ علي كأنّهم لم يَرَوْني قبل ذلك . قال فذُكِرَ ذلك لعثمان فقال لي : إن شئتَ تنحّيتَ فكنتَ قريبًا . فذاك أنزلني هذا المنزل ولو أُمّرَ عليّ حَبَشيّ لسمعتُ ولأطَعْتُ .
يقول ابن بطال ولما قدم أبو ذر المدينة اجتمع عليه الناس يسألونه عن القصة وما جرى بينه وبين معاوية فذكر لأمير المؤمنين عثمان t ، كثرة الناس وتعجبهم من حاله كأنهم لم يروه قط ، فقال له عثمان : إن كنت تخشى وقوع فتنة ، فاسكن مكانا قريبا من المدينة . فنزل t الربذة .
أيها الأخوة :
وبقى t في الربذة ، حتى توفاه الله U ، يقول صاحب كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب أن زوجة أبي ذرّ ، قالت : لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيْتُ . فقال لي : ما يبْكيك ؟ فقلت: ومَا لِي لا أَبْكي وأنت تموت بِفلَاةٍ من الأرض ، وليس عندي ثوبٌ يَسَعك كفنًا لي ولا لك ؟ ولا يَدَ لي للقيام بجهازك. قال : فابْشِري وَلَا تَبْكِي ؛ فإني سَمِعْتُ رسولَ الله r ، يقولُ : (( لَا يَمُوتُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَيَصْبِرَانِ وَيَحْتَسِبَانِ فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَدًا )) ، وقد مات لنا ثلاثة من الولد ، وإني سمعْتُ رسولَ الله r يقول لنفَر أنا فيهم : (( لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ ، تَشْهِدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) ، وليس من أولئك النفَر أحدُ إلّا وَقد مات في قَرْيَة وجماعة ، فأنا ذلك الرّجل ، والله ما كذَبت ولا كُذبت ، فأبْصِري الطريقَ . قلت: وأنَّى وقد ذهب الحاجُّ ، وتقطَّعَتِ الطّريق ؟، قال : اذهبي فتبصَّري . قالت: فكنْتُ أشتدُّ إلى الكثيب فأنظر ثم أرجع إليه فأمرضُه ، فبينما هو وأنا كذلك ، إذ أنا برجال على رِحَالهم كأنهم الرّخم تحثّ بهم رواحلهم ، فأسرعوا إليّ حتى وقفُوا عليّ، فقالوا : يا أمَةَ الله ، ما لكِ؟ ، قلت : امرؤ من المسلمين يموتُ ، تُكَفّنونه؟ قالوا: ومَنْ هو ؟ قلت : أبو ذرّ . قالوا : صاحب رسول الله r ؟ قلت: نعم. قالت: فَفَدوْه بآبائهم وأمهاتهم ، ووضعوا السيّاط في نحورها . يستبقون إليه حتى جاءوه ، فقال لهم : أَبْشِروا ، فإنِّي سمعْتُ رسول الله r يقول لنَفَرٍ أنا فيهم : (( لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )). وليس من أولئك النّفر أحدٌ إلّا وقد هلك في قرية وجماعة ، واللهِ ما كَذَبْت ، ولا كذبت ، ولو كان عندي ثوبٌ يسعُني كفنًا لي أو لامرأتي لم أكفَّنْ إلا في ثوب هو لي أو لها ، وإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم كان أميرًا أو عريفًا أو بريدًا أو نقيبًا ، وليس من أولئك النّفر أحدٌ إلا وقد قارف بعْضَ ما قال ، إلّا فتًى من الأنصار ، فقال : أنا أَكفّنك يا عم في ردائي هذا ، وفي ثوبين في عَيْبتي من غزْل أمّي . قال : أنت تكفنني يا بني . قال : فكفّنه الأنصاريُّ وغسَّله في النّفر الذين حضَرُوه ، وقامُوا عليه وَدفَنُوه .
فرضي الله عنك يا أبا ذر ، وجمعنا بك وبصاحبك رسول الله r في جنات النعيم . اللهم أيقضنا من رقدة الغافلين ، وأغثنا بالإيمان واليقين ، واجعلنا من عبادك المخلصين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يارب العالمين . اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأحينا مسلمين ، وتوفنا مؤمنين ، غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا . اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتعم به وببركته الحاضر والباد ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |