للمتحمسين لجهاد النصيريين
الحمد لله ، السميع العليم البصير ، والحكيم اللطيف الخبير ، } يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ، وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، ولا ند ولا ضد ولا ظهير ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، البشير النذير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ، إلى يوم الدين .
أما بعد، فيا عباد الله :
تقوى الله U ، وصية الله لعباده ، وخير زاد يتزود به المسلم في حياته لمعاده ، فهو القائل في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { والقائل أيضا : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
نحمد الله U ، على ما من به علينا في هذه البلاد ، من أمن وأمان ، وراحة واطمئنان ، وسلامة من فتن تموج كموج البحار ، وتجعل الحليم حيران ، والتي حذر منها النبي r في عهده ، وأخبر أمين سر النبي r : حذيفة ابن اليمان t ، بأن بدايتها تكون مع نهاية أمير المؤمنين ، والخليفة الراشد : عمر بن الخطاب t ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ، يقول شَقِيقٌ ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ ، يَقُولُ : بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ ، إِذْ قَالَ : أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ r فِي الفِتْنَةِ ؟ قَالَ : (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ )) قَالَ : لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ ، وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ ، قَالَ : لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا ، قَالَ عُمَرُ : أَيُكْسَرُ البَابُ أَمْ يُفْتَحُ ؟ قَالَ : بَلْ يُكْسَرُ ، قَالَ عُمَرُ : إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا ، قُلْتُ : أَجَلْ . قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ : أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً ، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ . فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ : مَنِ البَابُ ؟ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : مَنِ البَابُ ؟ قَالَ : عُمَرُ .
فوجود الفتن بين المسلمين ، وفي بلادهم ومجتمعاتهم ، لا ينكره إلا جاهل في الدين ، ومنه ـ أيها الأخوة ـ ما يقع في بعض البلاد ، وما سمي زورا وبهتانا ، بالربيع العربي ، والذي قال عنه العلماء العارفون ، بأنه من الفتن ، والعلماء هم أعرف الناس بالفتن قبل وقوعها ، فكيف بها وقد وقعت ، كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : إنَّ هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلُّ عالم ، وإذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل .
أيها الأخوة المؤمنون :
ونحن في هذه البلاد ، كمسلمين أنعم الله U عليهم ، بنعم كثيرة ، ومحط نظر لكل مسلم على وجه الأرض ، علينا واجب عظيم ، يجب أن لا نغفل عنه ، ويتحتم القيام به على أكمل وجه ، ولكن يجب أن يكون منضبطا بضوابط الدين ، وليس فيه مخالفة لشرع رب العالمين ، ومن ذلك ـ أيها الأخوة ـ :
عدم تعريض أنفسنا وأبنائنا ، لهذه الفتن ، لأن الذي يتعرض لها يقع فيها ، كما قال النبي r في الحديث المتفق عليه : (( مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا ، فَلْيَعُذْ بِهِ )) . ولذلك أمر النبي r حذيفة بن اليمان t ، وأمره له ماهو إلا أمر لأمته كافة ، أمره بأن لا يتعرض لمثل هذه الفتن ، وقال له r : (( فَلَأَنْ تَعَضَّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتْبَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ )) .
فإن كان ـ أيها الأخوة ـ النبي r ، أمر صاحبه ، وأمين سره ، حذيفة t ، بالبعد عن الفتن ، وهي في مجتمعه ، وبين أصحابه وإخوانه ، فكيف بغيره من المسلمين ، الذين يبحثون عن الفتن ، وهي بعيدة عنهم ، فتارة بالشيشان ، وتارة بافغانستان ، وتارة بالعراق ، وفي هذه الأيام في سوريا ، يُقَتَّلُون ، بل وينتحر بعضهم ، باسم الدين والحرص على الإسلام والمسلمين، يستخدمهم من يستغل حماسهم الغير منضبط بضوابط الدين، وإحسان ظنهم المبني على الجهل المكين ، وعملهم بفتاوى أدعياء العلم المضللين ، تاركين خلفهم أطفالا كالأيتام، وأمهات وآباء ، تتقطع قلوبهم حسرات ، وتسكب أعينهم العبرات ، ليس لهم حيلة إلا البكاء والعويل ، والدعاء على من ورطهم في هذه الفتن .
والله ـ أيها الأخوة ـ سمعت إحداهن ، وهي تبكي بكاء تقشعر منه الجلود، ويقف له شعر الرؤوس ، وقد ذهب أبنها إلى سوريا، ولم يتجاوز من العمر سبعة عشر عاما ، تقول: والله إني أدعوا على من أفتاه وغرر به ، واختطفه من بين يدي في كل ليلة .
فأي جهاد هذا ؟ وأي دولة إسلامية ونصرة ، سوف تقام بجهود أمثال هؤلاء ، بل منهم ـ أيها الأخوة ـ من يتصل من سوريا بأهله ، في هذه البلاد ، ويتوعدهم ، ويهددهم ، بأنه قادم مع كتائب الحق بزعمه ، ليحرر جزيرة العرب ، من اليهود والطواغيت ، وكأن أهله يهود في تل أبيب ، فلا إله إلا الله ـ أيها الأخوة ـ استشرفوا الفتن فاستشرفتهم ، ذهبوا إليها باختيارهم ، دون علم ولا أذن من ولاة أمرهم ، بل دون أذن ولا حتى علم من آبائهم وأمهاتهم، فتلقفتهم الأحزاب والجماعات، والسرايا والجبهات، فجعلوا أدوات لتصفية الحسابات ، ووسائل لتنفيذ المخططات ، بل صار بعضهم يقتل بعضا ، ويستحل بعضهم دماء بعض ، والنبي r في الحديث الصحيح يقول : (( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا ، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )) ولما سأل r فقيل : يَا رَسُولَ اللهِ هذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ r : (( إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ )) .
فهي الفتن التي حذرنا ديننا منها، وأمرنا بالبعد عنها ، وأفتى علماؤنا الموثوقون ، بوجوب تجنبها ، والحذر من دعاتها داخل البلاد وخارجها.
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ عن حكم الذهاب إلى سوريا ، وهل يعتبر الذهاب من الجهاد ؟
فكان معنى جوابه ـ حفظه الله ـ أن الإنسان في هذه البلاد خاصة ، يحمد الله U على السلامة من الفتن ، لأن فضيلته يرى أن ما يحدث في سوريا فتنة من الفتن ، وقال أيضا : لا يجوز للمسلم أن يدخل في الفتنة ، ويجب عليه أن يبتعد عنها ، وفتوى الشيخ ـ حفظه الله ـ هذه ، ماهي إلا من باب علمه وبصيرته ، وكما قال الحسن : إنَّ هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلُّ عالم ، وإذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل .
أيها الأخوة :
وهذه الفتوى ، للشيخ ـ حفظه الله ـ أثارت المتجرئين من علماء فقه الواقع ، ومدعي معرفة السياسة ، الذين زجوا بأبنائنا في مواقع الفتن ، وهم جلوس في بيوتهم ، بين آبائهم وأبنائهم ، واعتبروا الشيخ من الذين سقطوا في الفتنة ، أي المنافقين ، واستدلوا بقول الله تعالى : } أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا { .
فلا ندري ـ من الذي سقط في الفتنة ـ أهو الشيخ الذي أفتى بداية الأمر بعدم جواز الذهاب ، أم هم الذي يتفرجون عبر الشاشات ، فيشاهدون أبناءنا في داعش ، يقتلون إخوانهم في جبهة النصرة ؟ والذين في جبهة النصرة يتقربون إلى الله بسفك دماء إخوانهم في داعش .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ ولنكن يدا واحده مع ولاة أمرنا من العلماء والأمراء ، ولتكن نصرتنا لإخواننا حسب توجيهاتهم ، المبنية على شرع ربنا ، نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم جنبنا الفتن اللهم اعصمنا من الفتن ، وأحينا مسلمين ، وتوفنا مؤمنين ، غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، أن تغيث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا . اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، غيثا تغيث به البلاد والعباد ، وتعم به وببركته الحاضر والباد ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |