لا يَصْلُحُ المُجْتَمَعُ إلا بالإيمان
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن المُجْتَمَعَ بِأشَدِّ حاجةٍ إلى الإصلاح. وَعَوَامِلُ إِصْلاحِه هِيَ العَوامِلُ التي قامَ بِها إمامُ المُرْسَلين وسَيِّدُ الأوَّلِينَ الآخِرِين, محمدِ بنِ عبدِ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامه عليه, وقامَ بها صحابتُه الكِرام, وعلى رأسِهِمُ الخُلَفاءُ الراشدون رضوانُ الله عليهم أجمعين. فإِنَّ أَمْرَ هذِه الأُمَّةِ لا يَصْلُحُ إلا بِمِثْلِ ما صَلَحَ عليهِ أوَّلُها.
فالذين يَسْعَونَ إلى إصلاحِ المُجْتَمَعِ, مِنْ وُلاةِ الأمرِ, والمُصلٍحٍين والمسئُولِين, والمُعَلِّمين, والآباء, فَلْيَخْتَصِروا على أَنفُسِهِم الطريق, وَلْيَسْلُكوا السبيلَ الذي كان عليه محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه. وأَعْظَمُ ذلك: هو السَّعْيُ في دعوةِ المُجْتَمَعِ إلى تَحْقيقِ الإيمانِ الصحيح, وبيانِ مَعناه, وكَيفيَّةِ تَكْمِيلِه. فَإِنَّ أَمْرَ المُؤْمنينَ بالإيمان, هُوَ منهَجُ القُرآن, كما قالَ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ). ففي هذه الآيةِ أَمَرَ اللهُ المؤمنين, بِتَكْمِيلِ إيمانِهِم, بالإخلاصِ والصدقِ والعلمِ النافع, ومُداوَمةِ التوبة. والبعدِ عن كُلِّ ما يُنَقِّصُ الإيمانَ أو يُفسِدُه.
وأعظمُ ما يتعلقُ بالإيمان: هو بيان معناه, فإنَّ الإيمانَ ليسَ مُجَرَّدَ دَعْوى, وإنَّما هُوَ تَصُديقٌ بِالقلْبِ, وقَولٌ باللسان, وعَمَلٌ بالجوارِح, يَزيدُ بالطاعَةِ ويَنْقُصُ بالمعصية.
وَمِن أَعظمِ ما يتعلقُ بالإيمان: بَيانُ أثرِهِ على الفردِ والمُجْتَمَعِ, فإن المجتمعَ إذا تَرَبَّى على الإيمانِ الصحيح: سَلِمَ مِنَ الشركِ المُناقِضِ للتوحيد, وسَلِمَ مِن البِدَعِ المُخالِفة للسُّنَّةِ.
وإذا تَرَبَّى على الإيمان: عَرَفَ حقيقةَ الوَلاءِ والبَراءِ, وأَنَّ الوَلاءَ لا يكونُ إلا للمؤمنين فقط, وأما الكفارُ فلا مَحَبَّةَ لَهُمْ ولا ولاء.
وإذا تربَّى المُجْتَمَعُ عَلى الإيمانِ: سَلِمَ مِن العُنْصُرِيَّةِ الجاهِلِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بالحَسَبِ والنسَبِ, أو الجِنْسِيَّةِ واللَّونِ. أوِ المالِ والجاه, لأن أَوْثَقَ عُرَى الإيمانِ الحُبُّ في اللهِ والبُغْضُ في الله.
وإذا تَرَبَّى المُجْتَمَعُ عَلى الإيمانِ: قَلَّتِ الجَرِيمَةِ, وَسَلِمَتِ الأعْراضُ والأموال. يقولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ( لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهوَ مُؤمِن, و لا يَشْرَبُ الخمرَ حِينَ يَشْرَبُها وهو مُؤمِن, ولا يَسْرِقُ السارِقُ حينَ يسْرِق وهو مُؤمِن ). أي أنه يَسْتَحِيلُ أَنْ يَفَعَلَ ذلكَ وِعِنْدَه إيمانٌ صادِقٌ كامِل. وإنْ كانَ مَعَهُ أصْلُ الإيمان. وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ( واللهِ لا يُؤمِنْ, واللهِ لا يؤمن, واللهِ لا يؤمن, قالوا: مَنْ يا رسولَ الله؟ قالَ: مَنْ لا يأمنُ جارُهُ بَوَائِقَه ), أي: غَدْرَهُ وَشَرَّهُ وخِيانَتَه.
وإذا تَرَبَّى المُجْتَمَعُ على الإيمان: انْعَدَمَتِ الأَنَانِيَّةُ, وَظَهَرَ التَرَاحُمُ بينَ المؤمنين, ولِذلكَ قالَ رسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ( لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حتى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِه ). وقال أيضاً: ( مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهِم وتَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم, مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشتَكى مِنهُ عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالحُمَّى والسَّهَر ). وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ( لَيْسَ المُؤمِنُ الذي يَشْبَعُ وجارُه جائِعٌ إلى جَنْبِه ).
وإذا تَرَبَّى المُجْتَمَعُ على الإيمانِ: انتشر الأمْنُ ونَزَلَ الخَيْرُ والبَرَكة, وانتَصَرُوا على عَدُوِّهِم, كما قال تعالى: ( الذين آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُم بِظُلم أولئكَ لَهُمُ الأمنُ وَهُمْ مُهْتَدون ). وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ). وقال تعالى: ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: لقد مَنَّ اللهُ علَى هذِهِ الأُمَّةِ بِأنْ قَيَّضَ لَها العُلَماءَ الذين يَحْرُسُ اللهُ بِهِم دِينَه, وَمِنْ هؤلاءِ الحُرَّاس: أَهْلُ الحديث الذين يَحفَظونَ السُّنَّةَ, وَيَذُبُّونَ عَنْها, فَيَنْبَغي الرجوعُ إليهم في ذلك, لأنهم أَهْلُ الإِختِصاصِ في ذلك. كَيْ لا يَتَداولُوا الأحاديثَ الضعيفَةَ والموضوعة.
ومِنَ الأحاديث التي يَتَداولُها بعضُ الناسِ اليوم, ما يُذْكَرُ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم سُئِلَ: ( أَيَزْنِي المؤمن؟ قال: نعم. فقالوا: أيسرقُ المؤمن؟ قال: نعم. قالوا: أيكذِبُ المؤمن؟ قال: لا ). وهو حديثُ ضعيفٌ لا يصحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي بَعَثَهُ اللهُ لِيُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاق, فلا يَجُوزُ الإستشهادُ به, خاصَّةً وقد سَمِعتُم الحَديثَ الذي رواه البخاري ومسلم: ( لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهوَ مُؤمِن ... ). ومَنْ أرادَ أنْ يُحَذِّرَ مِنَ الكَذِبِ, فإنَّ في السُّنَّةِ الثابِتَةِ الصحيحةِ ما يَشْفي ويكفي. وَيَكْفي أَنَّ الكَذبَ مِنْ أبْرَزِ خِصالِ المُنافقينَ.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق, وألسنتنا من الكذب, وأعيننا من الخيانة, إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين، اللهم أنزل على المؤمنين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابِك وسنةِ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام، ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم فرّق كلمتهم وشتت شملهم وسلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب، اللهم لا تجعل لهم منة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة سائغة للمؤمنين يا قوي يا متين يا رب العالمين، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً لدينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119
|