التحذير من جلساء السوء
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه ، وتقوى الله جلّ وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
عباد الله : إنَّ من أخطر ما يكون على الإنسان في حياته ومن أضرّ ما يكون عليه في دينه مخالطة من لا تحمد مخالطتهم من الرّفقاء والأصحاب ؛ فإنّ الصاحب - عباد الله - مؤثِّر في صاحبه ولابد ، فالرفيق الصالح يؤثر في رفيقه صلاحاً ، والرفيق الفاسد يؤثر في رفيقه فساداً ، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )) .
وتأمّل قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث " إمّا ، وإمّا " تنبيهاً منه عليه الصلاة والسلام إلى أن الجليس مؤثّر في جليسه ولابد ، ولهذا - عباد الله - صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهمية اختيار الرفقاء والتفقه في الجلساء وإدراك هذا الأمر ووعيه وفهمه ، روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وأبو داوود في سننه وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )) ؛ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ : أي أنّ خليله مؤثّر فيه ولابد فالصّاحب ساحب ؛ من صحب طلاب العلم رغّبوه في الطّلب ، ومن صحب العبّاد جذبوه للعبادة ، ومن صحب الأخيار ساقوه إلى دروب الخير ، ومن صحب صاحب صنعة أكسبه فائدةً في صنعته ، ومن صحب فاسقاً جرَّه إلى الفسوق ، ومن صحب صاحب بدعة أوداه وأهلكه في بدعته ، فالصّاحب ساحب لصاحبه ومؤثِّر فيه ولا بد ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ناصح لأمته : (( فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )) ؛ أي إذا أردت أن تصاحب رجلاً فتفقّه في مصاحبته هل فيها خير أو شرّ ؟ هل فيها نفع أو ضر ؟ ثم بعد ذلك تكون المصاحبة أو عدمها .
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " اعتبروا النّاسَ بأخدانهم فإنّ المرء لا يصاحب إلا من يعجبه " ، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: " من فِقه الرّجل مدخله وممشاه وإلفه من الناس" ، ويقول الأعمش رحمه الله تعالى : " لا تسأل عن الرجل بعد ثلاث : مدخله وممشاه و ألفه من الناس" ، ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله : " ليس للمرء أن يقعد مع من شاء " ، ويقول سفيان رحمه الله: " ليس شيء أبلغ في فساد رجل أو صلاحه من صاحب".
والآثار عن السلف في هذا المعنى رحمهم الله كثيرة جداً ، فالواجب - عباد الله - على الإنسان أن يتقي الله عزّ وجلّ في نفسه وأن يتفقّه في جلسائه ورفقائه ؛ فإذا ظفر برفيق خيرٍ وجليس صلاح فليستمسك به ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ [الكهف:28] .
نسأل الله عزّ وجلّ بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا أجمعين من أهل الخير ورفقاء الخير ، وأن يصلح لنا شأننا كلَّه . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلّم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : وإذا كان الرّفيق السيئ مؤثّراً في رفيقه أشدّ التأثير خطيرٌ عليه أشدّ الخطورة فإنّ ما استجد في زماننا هذا من مرافقة كثير من الناس ومجالستهم للقنوات الفضائيّة والمواقع الرديئة في الشبكة العنكبوتية أنكى ضرراً وأشدّ خطراً .
عباد الله : إنّ من الناس من أودى بنفسه وبشبابه بملازمته تلك القنوات ومجالسته تلك المواقع المشبوهة الآثمة ينظر إليها بعينه ويسمع ما فيها بأذنه ويقبِل عليها بقلبه، ومع مر الأوقات ومُضي الأيام تتسرب الأفكار الهدّامة إلى العقول، وتُغزى النفوس والقلوب، ويتسرّب إلى القلوب الأخلاق الفاسدة والعقائد الهدّامة، وتنحل عرى الإيمان وتفسد الأخلاق، ويُجر الناس إلى حيث الرذيلة والفساد ، ولهذا النجاة النجاة - عباد الله - والحذر الحذر من تلك المواقع المسمومة والقنوات الهدّامة ليفر المرء منها بدينه ، وليتق الله عزّ و جل في أولاده وبناته ومن يعول فإنّ الأمر - عباد الله - جدُّ خطير إي والله ، ولم يكن أعداء الله في وقت سابق يتمكّنون من الوصول إلى عقول الناشئة أما من خلال هذه القنوات ومن خلال تلك المواقع تمكّنوا من الوصول إلى الناس في بيوتهم ومساكنهم من خلال ما يبثون عبر تلك القنوات الآثمة .
فلنحصِّن أنفسنا - عباد الله - ولنتّق الله ربَّنا ولنحذر من هذا الجليس المهلِك المردي بمجالسه والموقع له في أشدّ الردى .
نسأل الله عز وجل أن يحفظنا في أنفسنا وفي ذريّاتنا وفي حياتنا وأن يعصمنا من الفتن وأن يعيذنا من الشّرور كلِّها ما ظهر وما بطن.
وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الرّاشدين الأئمّة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدِّين . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمّتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربَّ العالمين . اللهمّ وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا ربّ العالمين . اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتّباع سنة نبيِّك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة على رعاياهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللّهمّ آت نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكّاها أنت وليها ومولاها . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دُنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كلِّ خير والموت راحةً لنا من كل شر.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . اللّهمّ اغفر لنا و لوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم و الأموات. اللّهمّ اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين وتب على التائبين ، اللهمّ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين. اللّهمّ وارفع عنّا الغلا والوبا والمحن كلّها والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catsmktba-125.html
|