التَّحْذِيرُ مِنَ الْفُسُوقِ
الحمدُ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه جلَّ في علاه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعُه ويراه .
وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون عباد الله : جُرمٌ خطير وذنبٌ عظيم حذَّر الله تبارك وتعالى عباده عنه ونهاهم من فِعله وبيَّن عقوبته الوخيمة وضرره العظيم على أهله في الدنيا والآخرة ؛ إنه -عباد الله- «الْفِسْقْ» ، فكم في القرآن من آية فيها التحذير من الفسوق وبيانُ سوء مغبَّة الفاسقين وعظيم عقوبتهم عند الله وما يبوؤون به من خسران في الدنيا والآخرة ؛ فقد أخبر الله جل وعلا في القرآن أنه لا يرضى عمَّن كانت هذه حالهم قال الله تعالى : ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة:96] . وأخبر جل وعلا أن الفسق سببٌ لخزي صاحبه وهلاكه في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى: ﴿ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الحشر:5] . وأخبر سبحانه وتعالى في أكثر من آيةٍ من القرآن أنه لا يهدي من كانت هذه حالهم ، قال الله تعالى في أكثر من موضع من القرآن: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ ؛ وذلك -عباد الله- عندما يستحكم الفسق في الإنسان ويصبح وصفاً ملازماً له بحيث لا يبغي به بدلا ولا يريد عنه انتقالا ؛ فإن من كانت هذه حاله -عباد الله- فإن الله عز وجل لا يوفِّقه للهداية ، بل يكون فسقه سبباً لحرمانه منها .
والفسق -أيها المؤمنون- هلاك الديار وسبب حلول البوار ؛ قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء:16] .
عباد الله : ولا يستوي مؤمنٌ مطيعٌ لله مع فاسقٍ مضيِّعٍ لحدود الله ؛ ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ [السجدة:18] ، وكيف يستوي -عباد الله- من رضي لنفسه هذا الوصف الدنيء والخُلق الذميم بمن كان مؤمناً مطيعاً لله تبارك وتعالى ، وقد قال الله عز وجل : ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات:11] ؛ نعم إي والله !! بئس من اختار لنفسه هذا الوصف الذميم بدل وصف الإيمان الشريف العلي .
عباد الله : والفاسق له حظٌّ ونصيبٌ بحسب حجم فسقه من التشبُّه بالشيطان إمام الفاسقين وقدوتهم ؛ قال الله تعالى : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف:50] بئس بدلاً للظالم -عباد الله- من رضي لنفسه هذا الهوان بأن كان في خصاله وأوصافه شبيهاً والعياذ بالله للشيطان .
أيها المؤمنون عباد الله : والفسوق دركات ؛ وأخطر الفسق وأشنعه ، وأضرُّه وأخطره : الشرك والكفر بالله تبارك وتعالى ، قال الله تعالى عن أهل هذا الصنف من الفسق : ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [السجدة:20] .
ومن الفسق - عباد الله- ما هو دون ذلك ؛ وهو جميع الذنوب قوليةً أو فعلية بارتكاب أمرٍ محرم أو ترك أمرٍ افترضه الله تبارك وتعالى على عباده ، قال الله تعالى : ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات:7] ، فجعل الفسق هنا مرتبةً دون الكفر بالله تبارك وتعالى .
ومن الفسق -عباد الله- ما هو تعدٍّ على العباد في أنفسهم وأموالهم سلباً وانتهاباً وقتلاً وعدوانا ؛ وهذا نوعٌ من الفسق خطيرٌ -عباد الله- بحيث يتحوَّل الإنسان بهذا الفسق إلى مجرمٍ مفسدٍ يتعدى على الناس في أموالهم ويتعدى عليهم في أنفسهم ، لا يرعوي عن رذيلة ولا يخاف من عقوبة عياذاً بالله تبارك وتعالى من ذلك .
عباد الله : وفي زماننا هذا كثُرت الوسائل والطرائق التي تفضي بالناس إلى الفسق بأنواعه كفراً وما هو دون ذلك من المعاصي وما هو من باب التعديات والظلم والبغي والعدوان ، ولاسيما عباد الله من خلال القنوات الفضائية المفسدة الآثمة التي أخذت على عاتقها إيقاع الناس في أنواع الفسوق وإيقاعهم في دركاته وهلكاته من خلال برامج محبوكة ووسائل مُعدَّةٍ إعداداً محكما يصِلون من خلالها إلى عقول الناس ولاسيما الشباب والشابات .
عباد الله : وكم تخرَّج في مدرسة هؤلاء الآثمة من فاسقٍ وفاسقة ومجرمٍ ومجرمة ؛ مما يستوجب -عباد الله- علينا أجمعين أن نأخذ بأسباب الحيطة ، وأن نربأ بأنفسنا من أسباب الهلاك وأسباب الانحراف ، وأن نحرص على أولادنا ، فإنَّ الأمر -عباد الله- جدُّ خطير .
أيها المؤمنون : ولقد ثبت عن نبينا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه كما في مستدرك الحاكم وغيره التعوذ بالله تبارك وتعالى من الفسوق .
فنعوذ بالله العظيم من الفسوق والنفاق والشقاق وسيئ الأخلاق ، ونسأله تبارك وتعالى أن يحفظنا في أنفسنا وأهلينا ، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
أيها المؤمنون عباد الله : ثبت في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْفَأْرَةُ ، والعَقْرَبُ ، وَالْغُرَابُ ، وَالْحُدَيَّا ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ )) .
عباد الله : وفي هذا الحديث إطلاق الفسق على هذه الحيوانات لأنها تخرج على الناس بالأذى والإضرار والعدوان، ولهذا حلَّ قتلها لأنها فاسقة وذلك بخروجها على الناس أذًى وشرًا وإضرارًا وعدوانا .
أيها المؤمنون : وفي ذنوب العباد ذنوبٌ يسميها أهل العلم « الذُّنُوبَ السَّبُعِيَّة » أي التي يتشبَّه بها الإنسان بالسباع في تصرفاتها وظلمها وعدوانها وشَرَسها وبغيها وتجاوزها وتعدِّيها ؛ فيصبح من الناس من حاله كهذه الحال والعياذ بالله بل أشد من حال الحيوانات الضارية والسباع المفترسة المهلكة .
أيها المؤمنون عباد الله : لنستعذ بالله تبارك وتعالى من الفسق كله بكافة صوره وجميع أنواعه ، ولنلجأ إلى الله سبحانه أن يحفظنا في أنفسنا وأهلينا ، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما .
وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ الصدِّيق ، وعمرَ الفاروق ، وعثمانَ ذي النورين ، وأبي الحسنين علي ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان ، اللهم كن لهم ناصراً ومُعينا وحافظاً ومؤيِّدا ، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين ، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحقن دماءهم ، اللهم يا رب العالمين نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله القوي العزيز أن تنصرهم يا ربنا نصراً مؤزرا. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال ، اللهم أصلح له شأنه كله ، اللهم وأصلح له بطانته يا رب العلمين ، اللهم سدِّده في أقواله وآرائه يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين .
وهذه دعوة خاصة لأمير المدينة الجديد ؛ نسأل الله جل في علاه أن يجعل مجيئه لهذا البلد مجيء خيرٍ وبركة ، وأن يجعله ناصيةً مباركة على هذا البلد المبارك إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبدالرزاق البدر تجدها على الرابط:
http://www.islamekk.net/catsmktba-125.html
|