الله نور السموات والأرض
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واسألوه أن يهديَكم صراطه المستقيم, فإنه النور الحقيقي الذي من فقده, عاش أعمى, وحُشِرَ أعمى, وخسر الدنيا والآخرة, وذلك هو الخسران المبين. قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. في هذه الآية الكريمة, مثلٌ لنورِ الله, ونورِ هدايتِه في قلبِ عبدِه المؤمن. فإن الله نور السموات والأرض, يدبر الأمر فيهما, ويهدي أهلهما، فهو-سبحانه- نور، وحجابُه نور، به استنارت السموات والأرض وما فيهما. وكتابُ الله وهدايتُه نورٌ منه سبحانه، فلولا نورُه تعالى لَتَراكَمَت الظلمات في القلوب بعضُها فوق بعض.
ومَثَلُ نورِ اللهِ الذي يَهدي إليه, وهو الإيمان والقرآن في قلبِ المؤمن كَمِشكاة, وهي الكُوَّة في الحائط غير النافذة، أو الفتحة التي تشبه الرف الصغير. وهذه الكُوَّة فيها مصباح. وهذا المصباح في زجاجة، كأنها - لصفائها مُضِيئَةٌ كالدُّر, حتى ولو لم يوقد فيها النار-، فما بالكم إذا أُوقِد هذا المصباح؟ سوف يزداد النور والإضاءة والصفاء. ولذلك قال: ﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ وهي شجرة الزيتون. ثم إن هذه الشجرة تميزت بحسن موقعها - لا شرقية فقط، فلا تُصيبُها الشمس آخرَ النهار. ولا غربيةٌ فقط فلا تصيبُها الشمس أولَ النهار - بل هي متوسطة في مكان من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، تصيبها الشمس طيلة النهار. يكاد زيتها -لصفائه- يضيء من نفسه قبل أن تمسه النار، فإذا مَسَّتْه النار أضاء إضاءة بليغة.
﴿ نُّورٌ عَلَى نُورٍ ﴾، أي: نورٌ من إشراقِ الزيت, على نورٍ من إشعالِ النار. فَذلِكَ مَثَلُ الهُدَى يضيء في قلب المؤمن. والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن والسنة مَن يشاء، ويضرب الأمثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله وَحِكَمَه. والله بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء.
فهذا المَثَلُ ضربه الله لبيان نورِه في قلب عبده المؤمن، وأنه نورٌ مُضَاعَف. اجتمع فيه نوران: نورُ الفطرة التي بمنزلة الزيت الصافي، المستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع. فإذا وصل إليه النورُ الثاني, نورُ العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، وأضاءَ إضاءةً عظيمةً، بِسَببِ صفائه، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدُّرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان والعلم والمعرفة. نورٌ على نورِه.
وهذه الآية الكريمة تدلُّ على أن النور من أسماء الله الحسنى.
نسأل الله أن يمن علينا بنور الإيمان وأن يجعل ذلك في قلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وأعمارنا وأوقاتنا.باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: لمَّا ذكرَ اللهُ تعالى هذه الآية الكريمة وهي آية النور, ذكر بعدها قوله: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾, أي, أنه لما كان نور الإيمان والقرآن أكثرُ وقوعِ أسبابه في المساجد، ذكرها مُنوِّها بها. فهي أحب البقاع إلى الله, بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبناؤها أولُ عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد الهجرة. وعُمَّارُها هم الرجال الحقيقيون, حيث سماهم اللهُ رجالاً. فهي مكان صلاة الجماعة. وهي مكان حلقِ العلم, والدعوة, والذكر والرباط على الطاعة. وهي بيوت الأتقياء الذين لم تشغلهم الدنيا عن التعلقِ بها وكثرةِ الجلوس فيها. ومَن تَعَلَّق قلبُه بها فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
اللهم استعملنا في طاعتك واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا يا أرحم الراحمين ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، ، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابِك وسنةِ نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام يا قوي يا عزيز، اللهم أعذهم من شر الفتنة والاختلاف واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في سوريّا، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم ارفع الظلم والطغيان عنهم، اللهم اكشف كربتهم، اللهم اجعلهم من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية، اللهم اكسهم وأطعمهم، اللهم ارحم موتاهم واشف مرضاهم، وفك أسراهم وردهم إلى وطنهم رداً جميلاً يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ لبلادنا دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها واستقرارها يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم وفق حكامنا وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-119.html
|