قد أفلح من هُدِيَ إلى الإسلام
( أول الخطبة وفكرتها اقتبسته من خطب الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله)
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أيها الناس, اتقوا الله تعالى, واعلموا أن للفلاح عنواناً، لابد وأن يعلمه العبد إذا كان يريد الخير والسعادة والنجاح. وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم في أمور ثلاثة. قال صلى الله عليه وسلم: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ ). فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الثلاث عنوانَ الفلاح، فإنّ من جمع الله له هذه الثلاث، فقد جمع خير الدنيا والآخرة, وتمت عليه النعم الباطنة والظاهرة، وبها الحياة الطيبة في هذه الدار، والسعادة الأبدية في دار القرار.
الأولى: هي الهداية للإسلام الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه, والإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد, والانقياد لله بالطاعة, والبراءة من الشرك وأهله. فهو توحيد الله بجميع أنواعه, وامتثال طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم, واجتناب المحرمات. وكذلك: البراءة من الشرك, والبراءة أيضاً من أهل الشرك, وهذا أصل عقيدة الولاء والبراء, وهو مِن أركانِ شهادةِ أن لا إله إلا الله. وهو مِن أعظمِ ما يَجْمَع القلوب, ويُقَوِّي أوَاصِرَ المحبة, بين المؤمنين, ويجعلُ العِزَّة للمؤمنين, إِذْ بِهِ يكون المؤمنون بعضُهم أولياء بعض, فلا مكان معه لِلعقائِدِ الباطلة, سواء كانت عقائدَ كفرية, أو بدعية, ولا مكان معه لِلقَوميَّات, ولا العصبية القبلية, ولا الحزبيات المَقِيتَة.
وَمِن أَعْظَمِ أخطارِ العَوْلَمَةِ الفكرية في العالم اليوم: مُحَاربتها لهذا الركن العظيم, الذي سَرَا إلى نفوسِ كثيرٍ من المسلمين اليوم فضاع بسببه ميزان الولاء والبراء, والحب في الله والبغض في الله. فالوِحْدَة المباركة التي يحبُّها الله ويَنْصرُ أهلَها وَيُمَكِّن لهم, ويَجْمَع قلوبَ أهلِها, هي وِحدة العقيدة, وَوِحدة التوحيدِ والسنة, لا الوحدة القومية أو الوطنية, ولا العولمة الفكرية. وقد أمر الله بهذا الركن العظيم, ومدح إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام ومن معه بسبب قيامهم به أتم قيام, وتَبَرُّئِهِم من قومهم.
الثانية التي يحصل بها الفلاح: الكفاف من الرزق, وهو ما يكفي العبد من الرزق, ويكفُّ قلبه عن الطمع, ويكف لسانه عن سؤال المخلوقين والإبتذال لهم، فإنَّ ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ). ومن أعظم حسنات الدنيا أن يكون عندك رزق يكفيك, وبيت يؤويك، وزوجة ترضيك، وفوق ذلك سالم من المظالم والدين الذي يثقل كاهلك ويقض مضجعك ويؤذيك.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً . أَمّا بَعدُ،
عباد الله: الثالث من الأمور التي يحصل بها الفلاح: القناعة: وهي إحدى مقومات السعادة وراحة البال, وهي دواء الطمع والحسرة على فوات حطام الدنيا. بل هي الغنى الحقيقي للإنسان, لأن العبد إذا تعلّق قلبه بالدنيا والاستكثار منها, قسى قلبه وغفل.
ومن أعظم ما يعين على القناعة: أن يتذكّر المسلم كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم, كما قالت عائشة رضي الله عنها لابن أختها عروة بن الزبير: ( إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ، فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبْيَاتِهِمْ فَيَسْقِينَاهُ ).
ومن أكثر ما يعين على القناعة: تذكّر هوان الدنيا وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة.
ومن أكبر ما يعين على القناعة: أن يتذكّر العبد حال من هم دونه في مستوى المعيشة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ). كثير من الناس قد حمَّلٌوا أنفسهم ما لا يطيقون وأثقلوا كواهلهم بالديون والالتزامات بسبب النظر إلى مَنْ هم فوقهم في المسكن والمركب والملبس, ولو أنهم قنعوا بما آتاهم الله, وعاشوا على قدر كفايتهم وطاقتهم لكان خيرا لهم, ولا يُعَدُّ ذلك عيباً, بل هو عين ما أمر الله به.
فاتقوا الله, وأجملوا في الطلب, فإنَّ ما عند الله لا ينال بمعصيته، وإنما ينال بطاعته، واحمدوا الله على الهداية للإسلام، واشكروه على الكفاية من الرزق.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آتنا في الدنيا حسنة واجعلنا في الآخرة من الصالحين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
|