القضاء بين العباد يوم القيامة
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أنكم ملاقوه, ولا تغفلوا عن الحساب والمجازاة على الأعمال وقضاء الله بين عباده, ثبت في مسند الإمام أحمد عن أشياخ من التابعين, عن أبي ذر رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تنتطحان, فقال: ( يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان? ". قلت: لا, قال: " و لكن ربك يدري, و سيقضي بينهما يوم القيامة ). في هذا الحديث العظيم, موعظة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, ففيه دليل على حشر البهائم, وقصاص بعضها من بعض, قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴾, وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾. فيحشر الله الخلق يوم القيامة, والبهائم والطير والدواب وكل شيء, فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء, ثم يقول: " كوني ترابا ". فذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾.
فإذا تقرر أن الله عز وجل سيحشر البهائم يوم القيامة, ويسأل الشاة القرناء فيما نطحت صاحبتها, فينبغي أن يعتبر بنو البشر, فإن حشرهم وسؤالهم وحسابهم, أشد وأعظم من هذه الكائنات التي لم تُطالب بتكليف. ومن ذلك ما يتعلق برد المظالم إلى أهلها, فإن العبد إذا مات قبل رد المظالم, أحاط به خُصماؤه, فهذا يقول ظلمتني, وهذا يقول شتمتني, وهذا يقول: استهزأت بي, وهذا يقول: إغتبتني, وهذا يقول: جاورتني فأسأت جواري, وهذا يقول: بعتني السلعة الفلانية فغبنتني. وهذا يقول: استعملتني فلم تعطني أجري. قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾. فاتقوا الله عباد الله في مظالم العباد, وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه ).
وتذكّروا أن العبد قد يُتعب نفسه في جمع الحسنات, ثم يأتي يوم القيامة وقد أُخِذَت حسناته, فيقول: أين حسناتي؟! فيقال: نُقِلَت إلى صحيفة غيرك. وتذكّروا أن العبد قد يأتي يوم القيامة وقد مُلِئَت صحيفته بالسيئات, فيقول: يارب, هذه سيئات ما عملتها؟! فيقال: هذه سيئات من ذكرتهم بسوء, أو قلت فيهم ما ليس فيهم, أو غششتهم, أو ظلمتهم. فما أشد فَرَحَكَ في الدنيا وأنت تقع في مثل هذه المظالم, وما أشَدَّ حسرتك في ذلك اليوم العظيم وأنت بين خُصمائك على بساط العدل.
إن هذا هو الإفلاس الحقيقي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. بل حتى لو كان ظلمك لبهيمة أو حيوان لا يجوز قتله أو أذيته فإنك تؤاخذ بمظلمتك له, فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صاحبة الهرة, التي حبستها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض. فكيف بظلم المسلم؟!.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من الظلم, المماطلة في سداد الديون مع القدرة على الوفاء, لقوله عليه الصلاة والسلام: ( مطل الغني ظلم ). ومن ذلك: الظلم في الأراضي, لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من ظلم شبرا من الأرض خسف به إلى سبع أراضين ). ومن ذلك: أن يظلم المسلم المرأة في حقها من مهر أو نفقة أو كسوة, قال ابن مسعود رضي الله عنه, في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ﴾. قال: " يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة, فيُنادَى به على رؤوس الخلائق, هذا فلان بن فلان, مَنْ كان له عليه حق فلْيَأتِ إلى حقه, فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها, أو زوجها. ثم قرأ: ﴿ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ﴾". ومن ذلك عدم قيام الطبيب بمهمته على الوجه المطلوب, وعدم النصح في عمله وعلاجه للمريض مما قد يضر بصحته, أو حياته. ومن ذلك: أن يحرص التاجر على الكسب بأي طريقة حتى ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالمستهلك في ماله أو صحته أو بيئته. ومثل ذلك تجاوزات بعض المزارعين وتسببهم في التلوث الكيماوي لمحاصيلهم ومنتجاتهم, بسبب استخدامهم الخاطئ للمبيدات, أو عدم التزامهم بالتعاليم والإرشادات المتعلقة باستخدام تلك المبيدات, طمعا في سرعة إنزالها للسوق أو سرعة نمو المحصول, دون النظر لما تسببه هذه التصرفات من إضرار بالمستهلك, وهذا من أكبر ما يساهم في انتشار الأمراض وإفساد الحرث والقضاء على صحة الناس, وصاحب هذه التصرفات يظن أنه في مأمن من التبعة يوم القيامة, مع العلم أنه قد يلقى الله وقد تسبب في مرض الكثير من الناس, وربما تكون أمراضا مستعصية قاتلة, فيلقى الله وقد مات بسببه الكثير.
فاتقوا الله عباد الله, واحذروا ظلم العباد في أموالهم, وأعراضهم, ودمائهم. وتذكّروا ما حَلَّ بالظالمين وما صاروا إليه. وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الظلم ظلمات يوم القيامة ).
اللهم خلصنا من حقوق خلقك, وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسّرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وسوريا وفي بورما ، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، اللهم اربط على قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالرافضة والبعث العلويين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام، وعليك باليهود الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم اشدد وطأتك عليهم واطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم وخالف بين كلمتهم وشتت شملهم وفرق جمعهم ومكّن المؤمنين منهم وسلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا رب العالمين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حيّ يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|