لا عِـزَّ إِلَّا بِالإِسْلَامِ
خطبة جمعة بتاريخ 9-4-1433 هـ
الحمد لله الذي جعل أمتنا أمة الإسلام خير أمة ، وبعث إلينا رسولاً يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلِّمنا الكتاب والحكمة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكمل لنا الدين وأتمَّ علينا النعمة ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله المبعوث للعالمين هدًى ورحمة ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
أيها المؤمنون عباد الله : إن أمَّتنا أمة الإسلام أمةٌ أعزها الله بالإسلام فلا عزَّ لها إلا به ، ومن رام عزًّا وسعادةً وفلاحاً بغير هذا الدين لم ينل إلا الحرمان ولم يغْنم غير الخسران ، قال الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : «إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله» رواه الحاكم في مستدركه .
أيها المؤمنون عباد الله : لقد أغنانا الله عزَّ وجل - أمة الإسلام - بهذا الدين العظيم بشرائعه الكاملة وأحكامه العادلة وأخلاقه الفاضلة ووفائه بمطالب الدنيا ومصالح الآخرة ، فلا هدى ولا سعادة إلا به قال الله تعالى : ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه:123] ، وقال تعالى : ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة:38] .
أيها المؤمنون عباد الله : وكيف يليق بمسلمٍ ينتمي إلى هذا الدين ونشأ في أحضانه وترعرع على آدابه وقيَمه وأخلاقه أن يتشبَّه بأعداء الدين وأن يضاهيهم في أفعالهم أو أوصافهم أو غير ذلكم من خصائصهم ؟! وهم - أعني أمة الكفر - حياتهم كلها ضياع ، وأعمالهم كلها ضلال ، ومساعيهم كلها باطلة ، ومآلاتهم كلها إلى هلاك ، قال الله تبارك وتعالى : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور:39] ، وقال الله تبارك وتعالى : ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم:18] ، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان:23] .
أيها المؤمنون عباد الله : ولقد تضافرت النصوص وتظاهرت الأدلة في تحريم وتجريم التشبه بالكفار ومضاهاتهم وبيان ما يترتب على هذا التشبه من أخطارٍ عظيمة وأضرارٍ جسيمة ، والمحاكاة في الظاهر تورثُ المشاكلةَ في الباطن ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ )) أي فمن الناس إلا أولئك !! .
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ )) .
وهذان الحديثان - أيها المؤمنون - وما جاء في معناهما خرجا مخرج التحذير والإنذار وبيان المغبَّة الوخيمة والعاقبة الأليمة لمن يتشبه من أمة الإسلام بأعداء الدين ، قال ذلكم عليه الصلاة والسلام محذراً ومُنذرا ، ومخبراً بأن هذا الأمر سيقع وسيوجد ، وها هو شاهد الحال يصدِّق المقال ويبرهن على صدق ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه . وليس هذا شاملاً لجميع الأمة بل جاءت أحاديث أخبر فيها عليه الصلاة والسلام بأن من أمته في كل عصر وزمان من يبقى على العافية والسلامة ، وقد ورد في هذا أحاديث كثيرة منها ما رواه ابن ماجة في سننه عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ)) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
أيها المؤمنون : إن الناصحَ لنفسه الطالبَ لسعادتها وفلاحها ونجاتها في الدنيا والآخرة يربأ بنفسه أن تكون نفساً خسيسة دنيئة حقيرة متشبهةً بأعداء الدين مضاهيةً لخصوم الإسلام ؛ وهذه غاية الحقارة والخِسَّة . وإذا كان الإنسان بهذا الوصف وبهذه الحال ؛ نفسه ميَّالةٌ إلى أعمال الكفار وخصائصهم ، حريصةٌ على أن تفعل مثل أفعالهم فإن الخطر على نفسٍ هذه حالها جسيم . روى البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : ((مَنْ بَنَى بِأَرضِ المُشْرِكِين وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) ، ومَن ذاك الذي يرضى أن يكون يوم القيامة محشوراً جنباً إلى جنب مع اليهود والنصارى وغيرهم من أعداء دين الله !! وقد قال الله تعالى : ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [الصافات:22] .
أيها المؤمنون وفي زماننا هذا - زمن العولمة والانفتاح - اتسع الخَرْق وعظُم الخَطْب وتوجَّب على كلِّ عاقل أن يعمل على ما فيه نجاة نفسه من مغبة هذا التشبه ، سواءً في نفسه خاصة أو في أهله وولده ، والله تعالى يقول : ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:6] .
اللهم يا ربنا ويا خالقنا ومولانا ويا من قلوبنا بيدك نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت أن تعيذنا أجمعين وأهلينا وذرياتنا من أعمال الجاهلين وأخلاق الكافرين وأوصاف أعداء الدين ، وأن تثبتنا على دينك القويم وأن تهدينا جميعاً إليك صراطاً مستقيما .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى صراط الله المستقيم ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه جل في علاه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
عباد الله : إن أعظم الدعاء وأجلَّه وأرفعه شأناً وأكبره عائدة على المؤمن في دنياه وأخراه وهو دعاءٌ جمع الخير كله: هو ذلكم الدعاء الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى علينا في كل ركعة من كل صلاة ، وقد قال العلماء الناصحون: ينبغي أن ينبَّه العوام إلى أنه دعاء ، إذ كثير من الناس يغفل عن ذلك ؛ ذلكم قولك أيها المسلم في كل ركعة من كل صلاة : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة:6-7] فأنت أيها المسلم تدعو ربك ومولاك دعوةً تتكرر تكرراً واجبا في اليوم والليلة سبع عشرة مرة ، وهذا لم يقع في شيء من الدعاء المأثور ؛ ولهذا قال أهل العلم إن أعظم الدعاء هو هذا الدعاء وأجلّه على الإطلاق .
فعليك أن تصدُق مع الله جل وعلا في دعائك وسؤالك وطلبك للهداية والإعاذة من سبيل المغضوب عليهم وسبيل الضالين ، وإذا صدقتَ مع الله لم يخيِّب جل وعلا رجاءك ، وأعطاك سُؤلك ، وهداك إليه صراطاً مستقيما، وأعاذك من سبيل المغضوب عليهم وسبيل الضالين .
والكيس -أيها المؤمنون- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وصَلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم يا ربنا انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان يا حي يا قيوم ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم يا ربنا من أراد أمْنَنَا وبلادنا وديننا وأعمالنا وعباداتنا بسوءٍ فاجعل كيده في نحره يا رب العالمين ، واجعل تدميره تدبيره يا ذا الجلال والإكرام . اللهم آمنِّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر . اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقَّه وجلّه ، أوله وآخره ، سرَّه وعلنه . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
|