الأسباب المعينة على الخلاص من
الذنوب
خطبة جمعة بتاريخ / 3-6-1440 هـ
الحمد
لله ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلِل فلا هادي له ، وأشهدُ أن
لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ؛ بلَّغ
الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ،
فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا شرًا إلا حذرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه
عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما
بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله ربكم ، وراقبوه في جميع أعمالكم ، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[النور:31].
عباد
الله : كثيرًا ما يسأل من كبَّلتهم الذنوب وأرَّقتهم الخطايا والمعاصي وأعاقتهم عن
سلوك سبيل طاعة الله جل وعلا عن الأسباب المعينة لهم على الخلاص من الذنوب والفكاك
منها ، وكذلك -عباد الله- مثل هؤلاء من تنازعهم نفوسهم لفعل الذنوب والمعاصي بسبب
كثرة المغريات وتنوّع دواعي الشهوات . وهذه وقفة -عباد الله- فيها بيان لبعض
الأمور المعينة لعبد الله المؤمن على الخلاص من الذنوب والفكاك منها .
k أيها المؤمنون: من أعظم المعينات : الحياء من الله جل في علاه ؛ فإن العبد
إذا علم بنظر الله إليه واطلاعه عليه، وأنه من الله بمسمع ومرآى ، وأن الله عز وجل
لا تخفى عليه خافية ، استحيا من الله أن يراه حيث نهاه، وأن لا يراه حيث أمره .
k ومن المعينات
عباد الله : محبة الله جل وعلا الذي يجب أن تعمر بها القلوب ؛ فإن هذه المحبة من
أعظم الروادع وأشدها دفعًا للذنوب ، فإن المحب لمن أحب مطيع .
k أيها
المؤمنون: ومن المعينات على الخلاص من الذنوب : الخوف من الله جل وعلا ، ويحرك هذا
الخوف في القلب : أن يكون على معرفة بالله وعظمته جل في علاه ، وشدة انتقامه ، ووعده
ووعيده ، ودار جزائه ، وما أعد فيها من أنواع العقوبات .
k أيها
المؤمنون: ومن الأمور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب : معرفة نعم الله عز وجل
؛ فإن نعم الله جل وعلا تتتالى على العبد وتتوالى عليه في كل وقت وحين ، فلا يليق
بعبدٍ نعم الله عليه تتتالى أن يقابل هذه النعم بذنوبٍ تسخط المنعَم وتزيل النعم .
k أيها
المؤمنون: ومن الأمور المعينات على الخلاص من الذنوب: النظر في عواقبها الوخيمة
ومآلاتها الأليمة وأضرارها المتنوعات في الدنيا والآخرة .
k ومن المعين
على الخلاص من الذنوب : شرف النفس وزكاءها ورفعتها وعلوها ؛ فلا يليق بصاحب نفسٍ
شريفة أن يدنِّسها ويحقرها ويلوثها بأوضار الذنوب والمعاصي {
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}[الحجرات:11] .
k أيها
المؤمنون: ومن الأمور المعينة على الخلاص من الذنوب : قصر الأمل ، وأن يستحضر
العبد أن مدة المقام في هذه الحياة الدنيا لا يطول ، فإن الآخرة مقبلة والدنيا
مدبرة ، فلا أنفع للعبد من قصر الأمل ، ولا أضر عليه من التسويف وطول الأمل .
k أيها
المؤمنون : ومن الأمور المعينة للعبد على الخلاص من الذنوب : تجنب الفضول ؛ فضول
المطعم والمشرب والمأكل والملبس وغير ذلك ، فإن كثرة الفضول تمرض القلب وتعيق عن
الوصول .
k أيها
المؤمنون: ومن الأمور المعينات على الخلاص من الذنوب والفكاك منها : تجديد الإيمان
؛ فإن الإيمان بحاجة إلى أن يُجدد ، وفي الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : ((إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا
يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي
قُلُوبِكُمْ)) . نعم -عباد الله- إذا تجدد الإيمان في القلب أبعد عن النفس تعلقها
بالذنوب وإقبالها على المعاصي ، ودعاها إلى ما يقرب من الله ويدني من رحمته جل في
علاه .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه
يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على نعمائه ، والشكر له على فضله ومنِّه وعطائه ، وأشهد أن لا
إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلّم عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين . أمَّا بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : هذه المذكورات
إنما هي وسائل وأسباب تعين العبد على الخلاص من الذنوب والنجاة منها ، وهي لا تكفي
وحدها بل لابد مع هذه الأسباب وبذل الوسع في الإتيان بها أن يستعين بالله وأن يطلب
المد والعون منه جل في علاه ، وأن يصدق في الدعاء وأن يحسن في الالتجاء ، وأن يكثر
من الإلحاح على الله جل في علاه ، ومن عظيم الدعاء المأثور : «اللهم إنا نسألك
الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو
عمل» .
أيها المؤمنون: مطرنا بفضل الله ورحمته ، نسأل الله جل في علاه أن يجعله
صيبًا نافعا ، وأن يجعله قوًة لنا وبلاغًا إلى حين .
هذا ؛ وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد ابن عبد الله كما أمركم
الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم:
((مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) . اللهم صلِّ
على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ،
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ
مجيد . وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين ؛ أبي بكرٍ وعمرَ
وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى
يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم انصر من نصر دينك
وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم . اللهم انصر إخواننا المسلمين
المستضعفين في كل مكان ، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا ، وحافظًا ومؤيدا .اللهم
آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك
واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك ، وأعِنه على طاعتك وسدِّده
في أقواله وأعماله ، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال
وصالح الأعمال .
اللهم إنا نسالك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه
وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، اللهم
إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها
من قول أو عمل ، اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله
عليه وسلم ، ونعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن
تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا.
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت
وليُّها ومولاها . ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
، اللهم اغفر لنا ووالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار .
وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ
عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125 |