صِفَاتُ أَوْلِيَاء الله
خطبة جمعة بتاريخ / 19-5-1440 هـ
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيُّه
وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغُ الناس شرعه ، ما ترك خيراً إلا دل الأمة عليه
، ولا شراً إلا حذرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما
بعد :
أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن في تقوى الله خلفًا من
كل شيء وليس من تقوى الله خلف ، وفي تقوى الله عوضًا عن كل شيء وليس عن تقوى الله
عوض ، وتقوى الله: أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وأن تترك
معصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون: لقد ذكر الله
جل وعلا في مواطن عديدةٍ من كتابه العظيم أوصاف أوليائه المتقين ؛ ذكرها جل وعلا
في مقام التعلية لشأنهم ، وبيان رفيع مكانتهم وعلو منزلتهم ، وعظم ما لهم عند الله
من جميل الثواب وطيِّب المآب، من ذلكم -عباد الله- في أوائل سورة البقرة وفي وسطها
آية البر ، وفي أوائل سورة الأنفال ، وأوائل سورة المؤمنون ، وفي وسط سورة المعارج
، وغيرها من آي الذكر الحكيم .
أيها المؤمنون : وفي وقوف
المؤمن على صفات أولياء الله وما أعد الله لهم من الثواب العظيم فوائد عظيمة أهمها
فائدتان :
v الأولى : أن يجاهد المؤمن
نفسه على أن يتحلى بتلك الصفات وأن يتصف بتلك النعوت ؛ ليفوز بعالي المقامات ورفيع
الدرجات وعظيم الثواب .
v والثانية عباد الله : أن
يكون محبًا مواليًا لمن يُرى أنه متصفٌ بصفات الأولياء ، فلا يكون معاديًا لهم ولا
مبغضا، فإن من عادى أولياء الله فقد آذنه الله تبارك وتعالى بالحرب .
أيها المؤمنون : وفي صفات
الأولياء يكفي أن تتأمل آيةً عظيمة في سورة يونس ، وحديثا عظيمًا مخرًجا في صحيح
البخاري ؛ أما الآية فقول الله جل شأنه: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس:62-64] ، فمن كان مؤمنًا تقيا فهو ولي من أولياء الله ؛ ولهذا -عباد الله- يتفاضل
المؤمنون في الولاية بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى زيادةً ونقصا ، قوةً وضعفا ،
فمن كان أكملُ إيمانًا وتقوى كان أمكن في الولاية وأوفر حظًا ونصيبًا من عظيم
الثواب الذي أعده الله لأهلها .
عباد الله : والإيمان هو
الإيمان بالله وبكل ما أمر جل وعلا بالإيمان به وفي مقدمة ذلك: أصول الإيمان
العظيمة؛ الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
والتقوى -عباد الله- أن يجعل المؤمن بينه وبين ما يخشاه من عذاب الله وعقابه وقايةً
تقيه ؛ وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي .
أيها المؤمنون : وأما الحديث
فقد خرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((قَالَ اللَّهُ تعالى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ
بِالْحَرْبِ)) ، وكأنه قيل على إثر هذا : من هم أولياؤك يا الله؟ فجاء البيان : ((وَمَا
تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ،
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي
يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ
سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي
يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ
، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)) ، والمراد بقوله «كُنْتُ سَمْعَهُ...» إلى آخره : أي
أن الله عز وجل يكون معه حافظًا ومسددًا ومعينا وموفقا ، يكلؤه الله برعايته
ويحفظه بما يحفظ به عباده الصالحين .
أيها المؤمنون : وقد حصر النبي عليه الصلاة والسلام
في هذا الحديث الذي يُعرف عند أهل العلم بحديث الأولياء حصر صفات الأولياء في
صفتين :
1. التقرب لله بالفرائض ؛ فإنه ما تقرب متقرب إلى الله
بمثل ما افترض الله على عباده .
2. والثانية: العناية بالنوافل والرغائب والمستحبات
استكثارًا منها وعنايةً بها وتنافسًا في الإتيان بها ؛ فإن العبد كلما زاد حظه من
ذلك زاد حظا ونصيبًا من مقام الولاية الرفيع ومنزلتها العلية .
أيها المؤمنون : الولاية والأولياء ليست مجرد دعاوى فجة
تُدَّعى أو زيًّا يُلبس ويكتسى ، الولاية جدٌ واجتهاد ، طاعةٌ وعمل ، تقربٌ إلى
الله سبحانه وتعالى ، مجاهدةٌ للنفس على عمل الصالحات والبعد عن الآثام والمنكرات ،
مجاهدةٌ للنفس على طلب مرضاة الله وحُسن التقرب إليه جل في علاه . أولياء الله مع
جدِّهم واجتهادهم في طاعة ربهم وتقربهم إليه لا يزكون أنفسهم بل يرون أنفسهم مع
الجد والاجتهاد لا يزالون في تقصير وتفريط كما قال الله عز وجل في صفة المؤمنين الكُمَّل في سورة المؤمنون: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60) ﴾ أي خائفون مع ما يقدِّمون
من أعمال صالحات وطاعات زاكيات ؛ فالولي حقا من يجاهد نفسه على الطاعة ولا يزكي
نفسه ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم:32]
أقول هذا القول ؛ وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ
فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيراً ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد أيها
المؤمنون : اتقوا الله ؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .
أيها المؤمنون : الولاية سلَّمٌ
مبارك ومرتقًى عظيم ، سبيله ميسره وطريقه مهيأة للسالكين ، تحتاج من العبد إلى
أمرين إن وُفق لتحقيقهما نال الولاية وفاز بها :
الأول : الدعاء والاستعانة
بالله جل وعلا؛ فإن الأمر بيده وهو جل وعلا الهادي إلى صراطه المستقيم يهدي من
يشاء ويزكي من يشاء ويهب من يشاء ، والفضل كله بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو
الفضل العظيم .
والثانية : أن يجاهد نفسه
على التحلي بصفاتهم والتشبه بهم والاتصاف بنعوتهم بمجاهدةٍ للنفس ومداومةٍ على
العمل عاملًا بقول الله جل في علاه: ﴿ وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69] .
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك
في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56] ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ
صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين ،
الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن
التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا
أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك
وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين
المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظا ومؤيدا ، اللهم وعليك
بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من
شرورهم . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن
خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك وأعِنه على
طاعتك ، وسدده في أقواله وأعماله ، اللهم وفقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد
الأقوال وصالح الأعمال .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت
وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . اللهم أعنا ولا تُعن
علينا ، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى
لنا ، وانصرنا على من بغى علينا . اللهم اجعلنا لك ذاكرين ، لك شاكرين ، إليك
أواهين منيبين ، لك مخبتين ، لك مطيعين . اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت
حجتنا ، واهد قلوبنا ، وسدد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا . اللهم اغفر لنا
ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء
منهم والأموات ، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ
عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125 |