تنظيم الإسلام لأحوال المجتمع مع الإشارة لأحداث تونس
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أمََّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: لقد نَظَّمَ الإسلام أحوالَ المجتمع وعالجها أحسنَ عِلاج حيث بيّن الله سبحانه ما يجب على الحاكم تجاه مجتمعه, وما يجب على المجتمع تجاه حاكِمِه, وما يجب على المجتمع فيما بينهم.
فالحاكم يجب عليه إخلاص النية لله تعالى, وإقامة العدل, وإزالة الظلم, وتحكيم الشريعة, وأن يكون رحيما رفيقا برعيته.
وأما ما يجب على المسلم تجاه حاكمه المسلم: فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر في المَنْشَطِ والمَكْرَه والعُسْرِ واليُسْر, وأمر بالصبر على جُوْرِهِ ما لم يأمر بمعصية الله، ونهى الشارع الحكيم عن مُنابَذَةِ ولِيِّ الأمر ونَزْعِ يد الطاعة والخروج عليه.
وأما بالنسبة لما يجب على المسلم أن يفعله مع مجتمعه: فقد جعل الله تعالى على المسلم حقوقاً تجاه مجتمعه الخاص، وحقوقاً بين أفراد المجتمع العام وما يجب أن يتعاملوا به فيما بينهم,
فأما المجتمع الخاص: فقد أوجب الله تعالى على المسلم بر الوالدين وصلة الرحم. ومن ذلك ما يجب عليه تجاه زوجته وأولاده قال تعالى: ﴿ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾. وقال عليه الصلاة والسلام: ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ).
وأما ما يجب على أفراد المجتمع فيما بينهم فقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة بوجوب إقامة العدل, والوفاء بالعهود, وتحريم الغش والغدر والخيانة, والأمر بإكرام الجار وتحريم أذيته وخيانته, وأن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه, وتحريمِ السخرية والغيبة والنميمة والكذب وكل ما يثير العداوة والبغضاء بين المسلمين, ونهى عن التهاجر والقطيعة ما لم يكن ذلك لِلَّه, حيث قال عليه الصلاة والسلام: ( لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار ).
عباد الله: تذكّروا دائما أن الله أعزنا بالإسلام, فإن ابتغينا العزة بغيره أَذلَّنا الله, وتذكروا دائما ما يعيشه العالم الإسلامي اليوم من تكالب أعدائه عليه سواء في الداخل من أبنائه وبني جلدته أو في الخارج. وتذكّروا أيضاً ما يعيشه كثير من المسلمين اليوم من فرقة واختلاف وحيرة, فإن ذلك يعتبر من همومنا التي ينبغي أن لا تغيب عنا, ولأن ذلك من أكبر دوافع بذل أسباب النهوض بالأمة, وإصلاحها.
واعلموا أنه مهما بذل المسلمون حكاما وعلماء وشعوباً من جهود فإنهم لن ينصروا دينهم إلا بالتوحيد والسنة والسير على منهج سلف هذه الأمة, لأن سُنَنَ الله لا تتبدل ولا تتغير, وَمِن سُنَنِه في ذلك: أن المسلمين لا يُمَكَّنُ لهم إلا بذلك, وأن دينه لا يظهر إلا بمثل ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العلم والعمل. فلا يظهر بالإنقلابات العسكرية, ولا ثورات الجياع, ولا التجمعات الحزبية التي لا تراعي إلا مصالحها حتى ولو كان على حساب عقيدتها.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعدُ عباد الله:
إذا نصح المسلمون وَلِيَّ أَمْرِهِم فيما يخص دين الله فلم يستجب لهم, فليس لهم بعد ذلك إلا التسلح بالصبر والتقوى, مع تكرار النصيحة إن أمكن والدعاء له بالصلاح. هذا إذا كان الأمر يتعلق بدين الله, فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأمور الدنيا؟!!! فمن باب أولى أن يصبر الناس, لأن اللجوء إلى القوة مع مخالفته للشرع لا يزيدهم إلا شراً وبلاءً. ولقد قص الله تعالى في كتابه ما جرى للمستضعفين وَمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عليهم لقاء صبرهم وإيمانهم, ومن ذلك ما جرى لبني إسرائيل عندما أمرهم موسى عليه السلام بالإستعانة بالله والصبر, ردوا عليه بما أخبر الله بقوله: ﴿ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾. وهذه عادة رسل الله مع أتباعهم, هو أمرهم بالصبر والتقوى. فقال الله تعالى في آخر الأمر: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ﴾. قال أهل العلم: لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَلِ السلطان صبروا لأوشك الله أن يرفع عنهم, ولكنهم يلجؤون إلى السيف فَيُوكَلُون إليه. وهذا إذا كانت مَطَالِبُهُم سامِيَة, تَتَعلق بعقيدتهم ودينهم, ومع ذلك لا يُوَفَّقون لأنهم خالفوا المنهج الشرعي في صلاح أَمْرِهِم. فكيف إذا كانت مطالبهم تتعلق بأمر الدنيا؟!!! فكيف إذا كانت مطالبهم تتعلق بتحكيم شريعة غير شريعة الله؟!!! كما هي حال كثير من الثائرين فإنهم يطالبون بالديمقراطية.
إن ما يحدث في تونس وغيرها أمر خطير, لا يجوز الفرح به ولا تأييده, ولن يجني منه أهل تونس إلا زعزعة الأمن وعدم الإستقرار, واقتتال المسلمين فيما بينهم, وسفك الدماء بغير حق. ولقد فرح به أعداؤنا أيما فرح وبادروا بتأييده, وجاء المتربصون من أهل النفاق يركضون ليصبوا الزيت على نار هذه الفتنة خشية أن تنطفئ لأنها فرصة لهم قد لا تتكرر, فَنَصَرُوها بِبَياناتِهم وخطاباتهم, حرصاً منهم على أن لا يقتصر الأمر على تونس فقط, بل يتعدى إلى غيرها من بلاد المسلمين. ولن يجني منها هؤلاء المستضعفون إلا الندم الذي لا يفيد.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم قَيِّضْ لدينك من ينصرُهُ ويُظهرُهُ, واكْبِت أعداءَه وَسَلِّط عليهم جُندَك التي لا تُغْلَب ولا تُقْهَر يا قوي يا عزيز، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم ألّف بينَ قلوبِ المؤمنين، وأصلحِ ذاتَ بينِهم، واهدِهِم سُبَلَ السلام ونجِّهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوّك وعدوِّهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نُزُلَهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
|