إغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أمََّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الكلامِ كلامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدّثّةٍ بِدْعَة، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ. أَيُّها النَّاس:
لقد امتنَّ اللهُ علينا بأن أكملَ لنا الدين, وأتمَّ علينا النعمة, ورضيَ لنا الإسلام ديناً, فينبغي لنا أنَّ نعتز بذلك وأن نتشرف بالإنتساب لهذا الدين, ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾. ومِن مظاهر الإعتزاز بهذا الدين, إعلانُ شعائرِه الظاهرة, ودعوةُ الناسِ إلى القيامِ بها. ومن ذلك أمرُ الناس بإقامةِ الصلاةِ في المساجد, وبذلُ الأسبابِ التي تُعِينُهُم على ذلك, واحتسابُ وُلاةِ الأمر وَنُوَّابِهم من أجْلِ القيام بهذه المهمة العظيمة, كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾. وهذا ما مَيَّزَ هذه البلادَ ولله الحمد بقيام حُكَّامِها وفقهم الله بهذا العمل الجليل, وتعيينِ نُواباً ومحتسبين يأمرون الناس عَلَناً بأداء الصلاة, والإستعدادِ لها بإغلاق المتاجر وكلِّ ما يُشْغِلُ وَيُلْهِي عن التوَجُّهِ إلى بيوت الله قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ﴾.
وَمَعَ هذا التَّمَيُّز العظيم نَجِدُ شِرْذِمَةً آثِمَة لا تَأْلُوا جُهْداً في التنفير من كُلِّ ما فيه إظهارٌ لشعائرِ الإسلام وتطبيقِ تعاليمِه, فَهُم أصحابُ جُهُودٍ كثيرة في هذا الباب, فَتارَةً يحاربون عقيدةَ الولاءِ والبراء باسم التسامح مع الآخر وحقوق الإنسان. وتارةً يَسْخَرُون من أهل العلم وَيَتَنَقَّصُون جهودَهم وفتاواهم باسم التَّعَدُّدِية والتَّنْوير, وتارةً يَدْعُون إلى الإختلاط باسم الدفاع عن حقوقِ المرأة, وهاهُم اليومَ يُشْغِلُون المسلمين ويُؤذُون أَسماعَهُم عَبْرَ الصحفِ والفضائيات بِشُبَهٍ ماكِرَة في قالَب النظر إلى المصالح العامة والحرصِ على التقدم ومواكبة مَن سَبَقُونا في الحضارة, واستغلالِ الأوقاتِ فيما ينفع المجتمع, وذلك من خلال حَمْلَةٍ شَنِيعَة مَفادُها عَدَمُ جَدْوَى إغلاقِ المحلات التجارية وقت الصلاة. وهؤلاء لا يريدون لهذه الشعيرة أن تظهر, لأنهم لا يريدون فِعْلَ ما يُمَيِّزُ المسلمين عن غيرِهِم, بِحُجَّةِ أن التَّعايُشَ مع الآخر يأبى ذلك, ولأن إلزام الناس بذلك يقفُ أَمامَ الحُرِّيَّات, ويُعَطِّلُ عَجَلَة الحياة, وَيُفَوِّتُ على الناس مصالحَهم بِحُكْمِ حاجةِ الناس لبعضِ المتطلبات. وَكُلُّ ذلك مِن أَجْلِ التَّخَلِّي عن هذا العملِ العظيمِ.
إِن مِنْ أَعْظَمِ واجبات الحكام, أمرَ الناس بالصلاة, وإزالةَ العقبات التي تعيقُهُم أو تشغلُهُم عن حضورها ورفعِ بيوت الله بها. لقد اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك اهتماما بالغاً حتى قال: ( ليس صلاةٌ أثقلَ على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوا، ولقد هَمَمْتُ أَنْ آمرَ المؤذنَ فَيُقِيم ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شُعَلاً من نار، فَأُحَرِّق على من لا يخرج إلى الصلاة ). ففي هذا الحديث موعظةٌ بليغة لمن يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد, وموعظةٌ لمن وَلاَّهُ الله أمر المسلمين في عدمِ التهاونِ مع المتخلفين عنها. وَلَمَّا اتسعت المدينة النبوية, وكَثُرَ الناس, رأى عثمانُ بن عفانَ رضي الله عنه من الناس تَأَخُّراً عن صلاةِ الجمعة, فعرفَ أنهم بحاجةٍ إلى من يُنَبِّهُهُم بِقُرْبِ الصلاةِ بِوَقتٍ كافٍ كي يعودوا إلى منازلهم ويتأهبوا للصلاة, فَأَمَرَ بالأذان الأول, بعد أن كان الناس لا يعرِفُون للجمعة إلا أذاناً واحداً, وإن كان هذا الأمر خاصاً بصلاة الجمعة ولكن يؤخذ منه أن الإمام يجب عليه أن يتابعَ الناس في أمر الصلاة. وأما بعضُ الحالاتِ الحرجة أو الخاصة الفردية فلا يجوز إلغاء مصالح العبادِ من أجلها خصوصاً ما يتعلق بأمور الشرع, لأن الخاص له حكم يخصه, وكذلك ما يتعلق بالوقت الذي قد يُهدَر أو يَضِيع على الناس حينما يُغْلِقُون مَتَاجِرَهُم وقت الأذان, فالسؤال هنا: لماذا أُمِرَ الناس بالتخلي عن هذه المصالح؟ أليس قد تركوها لله؟ أَوَلَيْسَ السبب هو أن يكون أمرُ الآخرة مُقَدَّماً على أمرِ الدنيا؟ أَوَلَيسَ قد تُرِكَ هذا الوقتُ لله؟ فَلْيُبْشِر أهلُه بالعِوَض, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ عزَّ وَجَلّ إلاَّ بدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ ).
فما هي البركة التي تحصل لهم بسبب تضحيتهم بهذا الوقت؟ إن بركات السماء والأرض يا عباد الله لا تُفتَح على العباد إلا إذا ظهرَ منهم ما يدلُّ على تعظِيمِهم لشعائرِ الله وإظهارِها وتطبِيقِها حتى لو تسببت في نقصِ دُنياهم, ولكن المنافقين لا يفقهون.
أخرج بن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ﴾ كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد فصلوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود: أنه رأى ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة فقال: هؤلاء الذين قال الله ﴿ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعدُ عباد الله:
يجب علينا أن نعلم بأنَّه ما مِن عملٍ يُحِبُّه الله ويأمرُ بِفِعْلِه إلا ويحتاج إلى مجاهدة وتضحية. ففي الجهاد يخسر المسلمون بعضَ أبنائهم من أجل إعلاءِ كلمةِ الله. والمال إذا بَلَغَ نِصَاباً وَجَبَت فيه الزكاة وَوَجَبَ إِخراجُ النصيبُ المُقَدَّرِ شَرعاً, فهل نَمْتَنع من الزكاة لأنها تُنقِصُ المال؟!!! وهكذا الحج فإنه يحتاجُ إلى جهادٍ بالمالِ والبدنِ, وتُسَخِّرُ الدولة إمكاناتها كلَّها قبل الحج وقبل مجيءِ الحجيج بوقتٍ كافٍ في جميع القطاعات, فما هي الأوقات التي ستُهْدَر بسبب ذلك, وما هي المصالح التي ستتخلى عنها الدولة بسبب ذلك؟ كل ذلك من أجلِ تسهيلِ أمر الحج للمسلمين, فيا له من جهدٍ رابحٍ سَيُخْلِفُهُ الله, وإن حَصَل بسببه إهدارٌ للوقت وتعبٌ ماليٌ وبدنيٌ كبير. فهل تُتْرَك هذه الأعمال لأنها تُسبب مثل هذا النقص والخسائر؟.
اللهم احفظ لنا ديننا وَقَيِّضْ لَهُ من ينصرُهُ ويظهرُهُ, واكْبِت أعداءَه وَسَلِّط عليهم جُندَك التي لا تُغْلَب ولا تُقْهَر يا قوي يا عزيز، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ألّف بينَ قلوبِ المؤمنين، وأصلحِ ذاتَ بينِهم، واهدِهِم سُبَلَ السلام ونجِّهم من الظلمات إلى النور وانصرهم على عدوّك وعدوِّهم يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ووسع مدخلهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقّهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم أغثنا، غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً، سحاً غدقاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أنزل علينا من السماء ماء مباركاً تُغيث به البلاد والعباد وتعُمَّ به الحاضر والباد، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك من جميع ذنوبنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد .
|