خطبة عن الاضاحي والعيد
إن الحمد له نحمده ونستعينه .................
أما بعد:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله تعالى وتقرَّبوا إليه بذبح الأضاحي؛ فإنها سنَّة أبيكم إبراهيم الذي أُمرتم باتِّباع ملّته، وسنَّة نبيّكم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يضحّي منذ هجرته إلى المدينة عن محمد وآل محمد حتى توفي، فكانت الأضحية مشروعة بكتاب الله وسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين، وبها يشارك أهل البلدان حجّاج البيت في بعض شعائر الحج، فالحجاج يتقرَّبون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقرَّبون إليه بذبح الضحايا، وهذه من رحمة الله بعباده؛ حيث لم يَحْرم أهل البلدان الذين لم يُقدّر لهم الحج من بعض شعائره .
واعلموا أن الواحدة من الغنم تجزئ عن الرَّجل وأهل بيته أحيائهم وأمواتهم، والسُبع من البعير أو البقرة يجزئ عمّا تجزئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهل بيته الأحياء والأموات .
ومن الخطإ أن يضحّي الإنسان عن أمواته من عند نفسه ويترك نفسه وأهله الأحياء، وأشد خطأً مِن ذلك مَن يضحّي عن الميت أول سنة يموت يسمّيها: «أضحية الحفْرَة» ويعتقد أنها واجبة وأنه لا يُشَرّك فيها أحد وهي في الحقيقة - أي: أضحية الحفْرَة - بدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم، وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمّته من البدع وقال: «كل بدعة ضلالة» .
إن الأضحية عن الأموات – أيها الاخوة - تكون على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن تكون أضحية أوصى بها الميت فهذه تضحّى عمّن قال الميت، لا يُزاد فيها ولا يُنقص .
الثاني: أن تكون أضحية عن الميّت تبعًا للأحياء فهذه لا بأس بها ؛ لأن الظاهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذا عن محمد وآله»، الظاهر أنه يشمل أحياءهم وأمواتهم .
أما القسم الثالث: فهي الأضحية عن الميت وحده تبرّعًا، فهذه قال ابن عثيمين رحمه الله : لم ترد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم فيما نعلم - ولا عن أصحابه ؛ لذلك ينبغي للإنسان ألا يقتصر على الميت في التبرّع له بالأضحية بل يضحّي عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء والأموات، وقال الشيخ رحمه الله : ونحن لا نقول إن الأضحية عن الميت حرام ولكنّنا نقول: إن الأَوْلَى اتّباع السنَّة وألا يُضحّى عن الميت وحده ولكنْ يضحي الرَّجل عنه وعن أهل بيته، وفضل الله واسع .
أيها الاخوة المسلمون، إن الأضحية لا تجزئ إلا من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم ضأنها ومعزها، لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ ولا تجزئ الأضحية إلا بِما بلغ السن المعتبر شرعًا وهو: ستة أشهر في الضأن , وسنة في المعز وسَنَتان في البقر وخمس سنين في الإبل، فلا يُضحّى بِما دون ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تذبحوا إلا مسنّة» وهي: الثَّنِيَّة - «إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» أخرجه مسلم .
ولا تجزئ الأضحية إلا بِما كان سليمًا من العيوب التي تمنع من الإجزاء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ ماذا يُجتنب من الأضاحي ؟ فأشار بيده وقال: «أربع: العرجاء البَيِّن ضَلَعُها , والعوراء البَيِّن عورها , والمريضة البَيِّن مرضها , والعجفاء التي لا تُنقي» فقيل للبراء بن عازب وهو راوي هذا الحديث: إني أكره أن يكون في الأذن نقص، أو في القرن نقص، أو في السن نقص ؟ فقال البراء: ما كرهتَ فدَعْهُ ولا تحرّمه على أحد .
فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء دَلَّ على ذلك الحديث وقال به أهل العلم، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا يضحّى بالعمياء ولا بمقطوعة إحدى اليدين أو الرِّجلين ولا بالمبشومة حتى يزول الخطر عنها، ولا بِما أصابها أمر تموت به كالمجروحة جرحًا خطيرًا والمنخنقة والمتردِّية من جبل ونحوها مِمَّا أصابها سبب الموت حتى يزول عنها الخطر، لأن هذه العيوب الأربعة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - مانعة من الإجزاء فما كان مثلها أو أولى منها كان مانعًا من الإجزاء .
فأما العيوب التي دون هذه فإنها لا تمنع من الإجزاء، فتجزئ الأضحية بمقطوعة الأذن وبمشقوقة الأذن مع الكراهة لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «أَمَرَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن وألا نضحّي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء» وهذه الصفات شقوقٌ في الأذن، وتجزئ الأضحية بمكسورة القَرْن مع الكراهة لحديث عُتبة بن عبدٍ السلمي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المستأصلة» وهي: التي ذهب القَرْن من أصله .
وتجزئ الأضحية بمقطوعة الذنب من الإبل والبقر والمعز مع الكراهة قياسًا على مقطوعة الأذن؛ ولأن في بعض ألفاظ حديث علي - رضي الله عنه - «أَمَرَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا نضحّي ببتراء ومِمَّن مقطوعة الذنَب»(8).
ومن مقطوعة الذنَب: هذه الغنم التي ترد من استراليا فإنه ليس لها ألية في أصل الخلقة وإنما لها ذيل كذيل البقر وهي مقطوعة الذَّيل، فمَنْ ضحّى بها أجزأت، ولكنْ الأفضل ألا يضحي بها؛ لأنها ناقصة الخلقة، أما مقطوعة الألية من الضأن فلا تجزئ في الأضحية وإن كانت من نوع لا ألية له من أصل الخلقة فلا بأس بها، وتجزئ الأضحية بِما نشف ضرعها من كِبَرٍ أو غيره إذا لم تكن مريضة مرضًا بيِّنًا، وتجزئ التضحية بِما سقطت ثناياها أو انكسرت، وكلّما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها وأحسن منظرًا فهي أفضل .
فاستكملوها - عباد الله - واستحسنوها وطيبوا بها نفسًا، واعلموا أن ما أنفقتم من المال فيها فإنه ذخر لكم عند الله عزَّ وجل، ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ واعلموا أن الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، لأنها شعيرة من شعائر الله، وليس المقصود منها مجرّد اللحم الذي يؤكل ويفرّق بل أهم مقصود فيها ما تتضمنه من تعظيم الله - عزَّ وجل - بالذبح له وذكْر اسمه عليها .
ولقد أصاب الناس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة من السنين أصابهم مجاعة وقت الأضحى ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بترك الأضحية وصرف ثمنها إلى المحتاجين بل أقرَّهم على الأضاحي وقال لهم: مَنْ ضحَّى منكم فلا يُصبحنَّ بعد ثالثة في بيته شيء، فلمّا كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلوا وأطعِموا وادخروا؛ فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها» رواه البخاري ومسلم .
واعلموا- ايها الاخوة - أن الأضحية في البلد أفضل، وكون الإنسان يتولاها بنفسه أفضل إذا كان يحسن الذبح , وإلا وَكِّلْ مَن يذبحها وحضرها؛ فإن ذلك أفضل وأطيب وأقوم لشعائر الله، يقال ذلك – أيها الاخوة – خصوصا في هذا الزمان الذي يتولى الذبح في المسالخ أناس لا تعلم عقائدهم فربما صار عند بعضهم شركيات وبدع وخرافات , فالذي ننصح فيه ان تتولى انت الذبح بنفسك ولا بأس أن يتولى الجزار بعد ذلك السلخ , واعلموا إذا توليتم أضاحيكم بأنفسكم فما أصابكم من الجهد والعناء والتعب في توليها وتوزيعها فإن ذلك كلّه أجر لكم، فالاضحية إنّما هي عبادة عظيمة مقرونة في كتاب الله بالصلاة ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
أيها المسلمون، لا تذبحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاء صلاة العيد وخطبتيها الثنتين؛ فإن ذلك أفضل وأكمل اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان يذبح أضحيته بعد الصلاة والخطبة، قال جندب بن سيفان البجلي رضي الله عنه: «صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ثم خطب ثم ذبح» رواه البخاري، ولا يجزئ الذبح قبل تمام صلاة العيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدَّمه لأهله وليس من النسك في شيء» وفي حديث آخر: «مَن ذبح قبل أن يصلي فلْيعد مكانها أخرى».
أيها المسلمون، إذا ذبحتم ضحاياكم فإنه ينبغي أن تَطَؤوا صفحة العنق؛ أي: على عنقها، وأن تُمسكوا بإحدى اليدين رأسها وتذبحوا باليد الأخرى وأن تقولوا عند الذبح: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عنِّي وعن أهل بيتي، إذا كنتَ تضحي عنك وعن أهل بيتك، وإذا كانت وصية فلْتقل: اللهم هذه عن وصية فلان، هذه هي التسمية المشروعة: أن يسمِّي الإنسان عند الذبح وبعد البسملة والتكبير، أما ما يفعله العوام من إمرار اليد من رأسها إلى مؤخرها ومسح ظهرها فإن هذا لا أصل له في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن يُفعل .
وإذا ذبحتم فاتركوا يديها ورِجْليها ترفس؛ فإن ذلك أولَى وأحسن، قال العلماء: إن هذا أبلغ في إنهار الدم وأريح للذبيحة ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر أحدًا بإمساك يديها ورِجْليها، وغاية ما روي عنه أن كان «يضع رِجْله صلوات الله وسلامه عليه على عُنقها».
فعظِّموا شعائر الله – عباد الله - واعتنوا بها واذكروا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾
بارك الله لي ولكم في القرآن ........
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا ..........................
أيها الاخوة المسلمون :
أَكْثروا في هذه الأيام من ذكْر الله - عزَّ وجل - وتكبيره وحمده والثناء عليه؛ فإنها موضع ذكْر، أَكْثروا من الذكْر والتكبير والحمد في كل وقت، وأما بعد الصلوات فإنه لا يبدأ التكبيرُ على ما قاله أهل العلم إلا من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق، هذا هو موضع الذكر المقيّد الذي يكون أدبار الصلوات، وأما في هذه الأيام - أي: قبل فجر يوم عرفة - فإن المشروع أدبار الصلوات الأذكار المعروفة التي يذكرها الإنسان بعد صلاته كل وقت , والتكبير فيها مطلق في كل وقت , يبدأ من أول يوم من العشر إلى آخر يوم من أيام التشريق فهو ثلاثة عشر يومًا، أما التكبير المقيَّد: فإنه من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق، وفي يوم عرفة والأيام التي بعده يجتمع المطلق والمقيَّد جميعًا .
أيها الإخوة، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم عرفة فقال: «أَحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده»، فصوموا يوم عرفة ابتغاءً لهذا الأجر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، أما الحجّاج بعرفة فإنه لا يُسنّ لهم أن يصوموا يوم عرفة؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -«أنه كان مفطرًا» فيه؛ ولأن الناس في ذلك المكان ينبغي أن يكونوا أقوياء، وينبغي أن يكونوا نشيطين على الدعاء؛ لأنه وقت دعاء وابتهال لله عزَّ وجل .
أيها الاخوة : لتحرصوا على صلاة العيد أشد الحرص أنتم وابنائكم فقد قال بعض أهل العم إن صلاة العيد بفرضيتها على الاعيان , فاخرجوا إليها ولا يمنعنكم من حضورها مانع فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - «يأمر بالخروج إليها حتى النساء يشهدْنَ الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيَّضُ المصلى»، فاخرجوا إليها رجالاً ونساءً ولْيخرج الرجال مُتَجَمِّلين ومُتَطَيِّبين ومُتَنَظِّفين، أما النساء فلا يخرجْنَ متطيِّبات ولا متبرِّجات؛ لأن ذلك من الفتنة،
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ بنفسه ......