الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله: اتقوا الله تعالى،
يقول الله تعالى: ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )، يأمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الآية, أن يقول للأحمر والأبيض والأسود والعربي والعجمي،( إني رسول الله إليكم جميعاً )، وما ذاك إلا لشرفه وعظمته صلوات الله وسلامه عليه, وأنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة. ولأن شهادة أن محمداً رسول الله, أصل من أصول الإيمان بل هي الأصل الأول مع شهادة ألا إله إلا الله.
ومقتضيات هذه الشهادة سبعة:
أولها: أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبدٌ لله, ليس له شيءٌ من خصائص الإلهية والربوبية كما قال تعالى: ( سبحان الذي أسرى بعبده )، وقال تعالى: ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده )، وقال تعالى: ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا )، وقال تعالى: ( قل إنما أنا بشر مثلكم )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ).
وكل هذه الأدلة تدل على أنه عبدٌ لله صلوات الله وسلامه عليه, فلا يجوز لنا أن نعطيه شيئاً من خصائص الرب, فلا يُدْعَى من دون الله, ولا يُستغاث به, ولا يُحلَف به, ولا يجوز الاعتقاد بأنه يعلم الغيب, أو ينفع أو يضر، ( قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ).
الثاني: أنه خاتم النبيين لا نبي بعده صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لي خمسة أسماء أنا أحمد وأنا محمد وأنا الحاشر وأنا الماحي وأنا العاقب الذي لا يعقبه نبي )، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الثالث: تصديقه فيما أخبر.
لأنه مبلغ عن ربه فيجب تصديقه ولذلك قال الله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( ألا أني أُوتيت الكتاب ومثله معه ) رواه أبو داود والترمذي .وقال حسان ابن عطية: كان جبرائيل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما كان ينزل عليه بالقرآن. وهذا يدل على: أن السنة وحي كما أن القرآن وحي, إلا أن القرآن لفظه ومعناه من الله.
وأما السنة فإن لفظها من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من الله عز وجل. الرابع: طاعته فيما أمر.
فإن نصوص الكتاب والسنة تدل على أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله, قال تعالى: ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ).
الخامس: اجتناب ما نهى عنه وزجر.
لقوله تعالى : ( وما نهاكم عنه فانتهوا ).
السادس: أن لا نعبد الله إلا بما شرع, لا بالأهواء والبدع.
لأن الأصل في العبادات هو المنع, إلا إذا جاءت من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
السابع: حبه صلى الله عليه وسلم.
وحب النبي صلى الله عليه وسلم إيمان, بل أصل من أصول الإيمان, لكن هذه المحبة تأتي تابعة لمحبة الله وليست مساوية, لأن الشخص إذا ساوى مع الله أحداً في المحبة وأشرك معه غيره في هذه المحبة فقد كفر, لقوله تعالى عن المشركين بعد دخولهم النار: ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين )، وقال تعالى: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) .
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تكتمل حتى تكون أكثر من محبة النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين, لما رواه البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: والله يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي . قال: حتى من نفسك يا عمر. قال: حتى من نفسي يا رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر ). أي: الآن يَكْتَمِلُ الإيمان, عندما تُقَدِّمُ محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس, وثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
والمراد أنه: لا يؤمن الإيمان الكامل التام حتى توجد في قلبه هذه الخصلة العظيمة, وإلا فأصل المحبة لا بد أن يوجد في قلب العبد.
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس, ليست مجرد دعوى تقال باللسان،
وإنما لها علامات لابد من تحققها في العبد:-
أولها: تقديم مراد النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره على هوى النفس، وعلى مراد وأوامر أي أحد كائناً من كان.
الثانية: دراسة السنة وتطبيقها.
الثالثة: الحرص على نشر السنة وبيانها والدعوة إليها.
ومن الدعوة إليها:-
الدفاع عنها وعن صاحبها, ونصرته في الأحوال والمواطن التي تتطلب الدفاع والنصر، فإن ذلك من أوجب الواجبات, بل هو من الجهاد في سبيل الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:-
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ).
والمراد بالرؤية في الحديث:
هي رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بأوصافه المنقولة إلينا, وأما من رأى شخصاً على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن على خلاف صفاته المعروفة, فإنه لم يره.
وعلى هذا فينبغي للمسلم:-
أن يعرف صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلقية المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم, وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة: أنه كان رِبْعَة من الرجال، أي متوسطاً: ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وأنه أبيض مُشْرَبٌ بِحُمْرَة كالقمر مستديرا، وله شعر يضرب إلى شحمة أذنه, أو ما بين شحمة أذنه وعاتقه، وأنه عريض المنكبين، وكان ضليع الفم، أي: عظيم الفم، طويل المسربة، أي: أن شعر صدره دقيق وطويل إلى سُرَّته، وكان إذا مشى أسرع كأنما ينْحَطُّ مِن صَبَب، وكان كََثَّ اللحية, وتُوُفِّيَ وليس في شعر رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. صلوات الله وسلامه عليه.
نسأل الله أن يجعلنا من أتباعه ظاهراً وباطنا، ونسأله أن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا ممن يَرِدُ حوضه فنشرب منه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا. |