الصلاة الصلاة
الحمد لله واسع الفضل جزيل الهبات، المتفرد بكمال الذات والصفات، } الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {. أحمده حمدا يليق بكريم وجهه، وبعظيم سلطانه، وأشكره على سوابغ نعمه المتوافرات .
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وما له من الأسماء والصفات .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين الهادي إلى طرق الخيرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { ، } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
أي كارثة، وأي مصيبة حلت بالمسلمين ، أعظم من استهانة بعضهم بالصلاة، التي هي ثاني ركن من أركان إسلامهم ، وأي جفاء وبعد عن الدين ، أن تجد مسلما يعيش بين المسلمين، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ولكنه يحتاج إلى من يذكره بأهمية الصلاة، ويحتاج إلى من يأمره بأن يصلي مع المسلمين، ويحتاج إلى من يرغبه ويحثه على هذا الركن العظيم، الصلاة التي هي أهم شعيرة في هذا الدين ، ومبنى الأعمال، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ؛ التي إذا صلحت، صلح سائر عمل الإنسان، وإذا فسدت فسد عمله كله ـ نسأل الله العافية.
يقول النبي r في الحديث الصحيح عن أنس t : (( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله )) .
سبحان الله ـ أيها الأخوة ـ كيف يستهين مسلم بشأن الصلاة ، ونبيه r وهو في سكرات الموت ، يودع الدنيا ؛ يوصي أصحابه بها ويقول : (( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم )) أي حافظوا علي الصلاة ، أوصيكم بها ، أقيموها اهتموا بها إياكم والتكاسل عنها أو التقصير بما يجب لها .
أخي المسلم :
ماذا عندك في هذا الزمن ، وماذا يطلب منك غير هذه الصلاة ، التي لا تستغرق إلا بضع دقائق من وقتك، هل طلب منك الذهاب إلى جبهات القتال في الثغور؟ هل طلب منك أن تسافر لطلب العلم؟ هل طلب منك أن تنفق ثلث مالك كما فعل عثمان t في سبيل الله؟ هل طلب منك أن تقوم كل ليلة ثلثا من الليل؟
نعم لو فعلت ذلك فإنك على خير عظيم.
ولكن ذلك بعيد كل البعد على نفسك ! إذا كانت نفسك الأمارة بالسوء، جعلتك تترك الصلاة، فكيف بأمر أشق عليها من ذلك، فهلا ضغطت على نفسك وحافظت على صلاتك، هلا جعلت للصلاة نصيبا من ساعاتك الطوال، التي تقضيها من أجل شهواتك وملذاتك .
إننا نجدك تجلس في استراحتك، أو أمام مباراة، أو مسرحية أو فلم، دقائق بل ساعات كثيرة، ولكنك تبخل بعشر دقائق، في بيت من بيوت الله لتأدية الصلاة، بل نجدك تتابع مسلسلا تحرص على موعده بالدقيقة والثانية ، تمضي وقتا طويلا لمشاهدته، وتتابع حلقاته التي قد تبلغ أكثر من ثلاثين حلقة، ولكنك تعجز عن نفسك لتصلي خمس أوقات باليوم والليلة، بها تمسح سيئاتك وتقال عثراتك وترفع درجاتك ، وتغسل أدرانك ، ففي الحديث الذي رواه مسلم يقول أبو هريرة t سمعت رسول الله r يقول : (( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )) وفي حديث أخر رواه أحمد بإسناد جيد ، يقول r عن الصلاة : (( من حافظ عليها ، كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها ، لم تكن له نورا ولا برهانا ولانجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف )) نسأل الله السلامة والعافية
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الدين في حياة أي إنسان، يمثل جوانب كثيرة، هذه الجوانب ، كلما ضعف الدين عند هذا الإنسان، فقدت بعض تلك الجوانب، وليكن في الحديث شيء من الوضوح ، الدين ـ أيها الأخوة ـ يتلاشى من حياة بعض الناس ، وهذا أمر واضح ؛ فقد تجد مسلما بلا أمانه ، ومسلما بلا صدق ، وآخر بلا إخلاص، وآخر بلا حياء، وآخر بلا وفاء، وهم مسلمون، ولكن قل دينهم وضعف في نفوسهم فذهبت من حياتهم هذه الأشياء، فقدت، وآخر ما يفقد من الإنسان، هو الصلاة، يقول r : (( أول ما يرفع من الناس الأمانة ، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة ، ورب مصل لا خلاق له عند الله تعالى )) .
إذا رأيت إنسانا لا يصلي ، إذا رأيته مضيعا للصلاة ، فاعلم بأنه لما سواها أضيع . إياي وإياك أن تأمنه على عرضٍ أو على مالٍ ! إياي وإياك أن تظن به خيراً أبداً؛ أين الخير من تارك للصلاة ؟ هل يرتجى خير من كافر ؟ كلا . يقول r : (( بين الرجل وبين الكفر والشرك : ترك الصلاة ))، ويقول r : (( العهد الذي بيننا وبينهم : الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر )) .
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلاة بأوقاتها وأماكنها وفروضها وواجباتها .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يفقهنا في هذا الدين إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ولكي ندرك مكانة الصلاة ، ونستشعر أهميتها ، نتأمل في حياة سلفنا الصالح ، كيف كانوا مع هذه الصلاة ، إلى أي درجة كانوا يهتمون بها ، ماذا كانت تمثل في حياتهم ؟ هذه الصلاة التي يضحي بها بعض الناس من أجل مباراة أو مسلسل أو من أجل ضيف ثقيل ليس عنده لشعائر الدين قيمه ، كيف كانت في حياة السابقين من سلفنا الصالح ؟
النبي r ، وهو يعالج سكرات الموت يوصي بالصلاة . عمر بن الخطاب t وهو مطعون ، أمعاؤه في حجره ، يسأل : هل صلى المسلمون ؟
المريض منهم ، الذي أقعده المريض ، لا يستطيع المشي على رجليه ، يؤتى بها يهادى بين رجلين ، حتى يقام في الصف ، ليؤدي الصلاة مع المسلمين .
سأل أحدهم : هل يفكر في صلاته ، يعني هل يفعل كما يفعل كثير منا في الصلاة ، حيث صارت الصلاة متنزها للأفكار ، حتى يخرج أحدنا ما يدري ماذا قال وكم صلى ! فسألوه : هل تفكر في صلاتك ؟ قال : وهل عندي أحب من الصلاة لأفكر فيه ! الله أكبر ـ أيها الأخوة ـ ما أعظم هذه الصلاة في نفوس الصالحين .
أحدهم مر عليه أربعون عاما ، لم تفته تكبيرة الإحرام . أربعون سنة وهو من أهل المسجد ، من أهل المسجد في الظهر ومن أهل المسجد في العصر وفي المغرب وفي العشاء ، ومن أهل المسجد في الفجر أيضاً .
يقول شاعرهم :
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم
والحرب تسقي الأرض جاما أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا
في مسمع الروح الأمين فــــــكبرا
أيها الأخوة المؤمنون :
هي دعوة لهذه الوجوه ، التي اسأل الله أن لا تمسها النار ، لنحافظ على هذه الصلاة ، ولنهتم بها ، ولنحذر من إضاعتها ، أو التهاون بها ، فقد قال تبارك وتعالى : } فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً { أتدرون ما هو غي ـ أيها الأخوة ـ واد في جهنم ، يقول عنه عبدالله بن مسعود : بعيد القعر خبيث الطعم . ويقول تبارك وتعالى متوعدا الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها : } فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ { توعدهم الله بويل ، والله ـ أيها الأخوة ـ لو توعد أحدهم مسئول من ذوي السلطة ، بالسجن ، لحافظ على الصلاة ، ولما تأخر عنها ، ولكن الله يتوعدهم بويل ، ولا يحرك بهم وعيد الله ساكنا ! وويل ليس محضرا يكتب ، أو دفترا يقفل ، أو راتبا يخصم ! هو واد في جهنم ، لو سيرت فيه جبال الدنيا ، لذابت من شدة حره . وقيل هو شدة العذاب . لمن ؟ لمن يؤخر الصلاة عمدا عن وقتها !
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في اوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تحفظ لنا أمننا، اللهم من أرادنا في بلادنا بسوء، اللهم اشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين . اللهم ألف على الحق قلوبنا، واجعلنا أخوة متحابين متآلفين، اللهم اجمعنا على طاعتك، وانشر بيننا رحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله: } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|