الإرهاب الفكري
والإشارة إلى بيان وزارة الداخلية
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
أيها الناس:
اتقوا الله تعالى حق التقوى .
عباد الله: إن دين الإسلام دين الخير والعدل والإحسان ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ )
دين الصلاح والإصلاح، يدعو إلى الخير, وينهى عن الشر والفساد, قال تعالى: ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا )،
إن الفساد في الأرض إجرام , نهى عنه ربنا تبارك وتعالى وتتابعت رسل الله وأنبياؤه ينهون عن الفساد في الأرض .
عباد الله:
إن الفساد في الأرض أنواع؛ ومن أنواعه :
ترويع الآمنين ,
وقتل النفس التي حرم الله بغير حق ،
وزعزعة أمن الأمة .
لقد سمع المسلمون ورأوا ما جرى في الأيام الماضية من حادث التفجير في الرياض , وإحباط بعض العمليات الإرهابية في المدينة ومكة ،
نسأل الله سبحانه أن يحفظ لهذا البلد دينه وأمنه، وأن يوفق ولاة أمرنا للقبض على كل من يسعى في أرضنا بالفساد، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
والسؤال الذي يطرح نفسه :
ما الذي أدَّى بهؤلاء إلى هذا العمل ؟
إن مما يؤسف له, أن أكثر ما يُذْكَرُ من الأسباب إنما هي أسباب مشتركة. كالظلم , والبطالة , وقلة العلم , وما أشبه ذلك .
دون التركيز على الأسباب الرئيسية التي تعتبر هي الأصل في ذلك .
إن المظلوم إذا أراد أن ينتقم, إنما ينتقم ممن ظلمه , ولا يتعدى في انتقامه إلى الأبرياء! فكيف يقال إن السبب ذلك هو الظلم ؟
إن العاطل إذا قلَّ دينه وعلمه؛ فإنه قد يقع في الغفلة , وشغل الوقت في المعاصي. أو في غير فائدة .
وقد يصدُّرُ منه بعضُ الأذى: كالسرقة , والرشوة , وقد يلجأ إلى التفحيط واستعمال المخدرات. وهذه كلها جرائم .
لكنه يستحيل أن يلجأ إلى ما نسمع في هذه الأيام من أعمال إرهابية!
لأن هذه الأعمال الإرهابية ناتجة فكر منحرف , له أصولٌ وجذور .
إن الإرهاب الحِسِّي من قتل وتفجير, سبَبُه الأول :
هو الإرهاب الفكري .
وإن الدولة مهما بذلت من الأسباب في قمع هؤلاء المجرمين ؛ فلتعلم أنها لن تستطيع القضاء عليه ؛ إلا بعد تجفيف منبعه الأصلي، ألا وهو ( الإرهاب الفكري ) .
عباد الله :
ليس كل منْ طالب بالعدل يكون مُحِقّاً. فلا تغتروا بكل من يطالب بذلك .
فإن شيخَ الخوارج ذا الخويصرة ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " اعدل يا محمد، " ، وفي رواية: قال: " اتق الله " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أو لستُ أحقَّ أهل الأرض أن يتقي الله ))، وفي رواية: (( ويلك, من يعدِل إن لم أعدل؟ )) ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (( فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم , وصيامه مع صيامهم..... )) الحديث، وقال في آخره: (( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود )) .
وأصحاب ذو الخويصرة باقون إلى يوم القيامة ، كما في الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( سيخرج في آخر الزمان قومٌ أحداث أسنان , سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية, يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة, فإذا لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم, عند الله يوم القيامة ))، وعند ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( كلما ظهر فرقٌ انقطع حتى يخرج بين ظهرانيهم الدجال )) .
إن العدل هو المبني على الكتاب والسنة والنظر في المصالح والمفاسد .
أيها المسلمون :
إن الحكم بما أنزل الله من أوجب الواجبات على الناس , خصوصا الحكام . لكن ليس كل من يُدَنْدِنُ حول هذه المسألة يكون محقاً .
فإن الخوارج كَفَّروا علياً رضي الله عنه لما حَكَّمَ الرجال , من أجل الإصلاح وحقن دماء المسلمين، فقالوا: مادام قد حكَّم الرجال فقد كفر, لأن الله يقول : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ )، غرَّتهم غيرتهم وكثرة عبادتهم فظنوا أنهم أصلح الناس وأغير الناس .
عباد الله:
إن الجهاد ذرة سنامه الإسلام. وإن من أعظم أسباب ضعف المسلمين ترك الجهاد في سبيل الله، ولكن الجهاد له مفهوم في الإسلام , ولا يُقَرِّرُه إلا العلماء وولاة الأمر، فليس كل من رفع راية الجهاد يُتَابَعُ على ذلك، فإن بعض من يُنادي بالجهاد في هذه الأيام يفعل بالأمة ما لم يفعله أعداؤها، ويجُرُّ لها من المصائب والفتن ما لم يستطع أن يفعله الأعداء .
فاتقوا الله عباد الله, وألزموا شرع الله، والتـفُّـوا حول علمائكم وولاة أمركم، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم ترحمون .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:-
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد:
عباد الله:
نحن في هذا البلد الطيب, يوجد علماء عاملون صالحون مصلحون ربانيون، أهل سنة وعلم وتقى وحلم وصبر وتؤدة وروية وبعد نظر فمن أولئك :
سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، وفضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان، وفضيلة الشيخ صالح اللحيدان، وهيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة في الإفتاء ، وكثير من إخوانهم وأبنائهم من المشايخ وطلبة العلم، وأفاضل القضاة في المملكة، وغيرهم كثير ولله الحمد والمنة .
فالتهوين من شأنهم والتقليل من علمهم، والطعن في ولائهم لدينهم وربهم، أكبر سبب في نشوء بُؤَرِ الإرهاب ومحاضنه.
فمنْ قال إنهم علماء سلطان أو علماء الطواغيت ، أو قال : إنهم لا يفقهون الواقع ، أو قال : إنهم علماء حيض ونفاس ، أو إنهم علماء سُنَّة طيِّبُون ولكنهم مضطهدون مُكْـرَهون على القول بما يوافق الحكام الطواغيت ، أو إنهم كبار سن لا يستطيعون البحث والتنقيب، ولا يمكنهم الجلوس للشباب لمعرفة أحوالهم والإجابة عن تساؤلاتهم واستفساراتهم وحل مشاكلهم والنظر فيها ، أو أنهم يعيشون في أبراجٍ عاجية .
فقد أعظم عليهم الفرية وطعن فيما يحملونه من الشريعة السمحة ، ونَفّر الشباب منهم، وصرفهم بهذا الكلام السيِّئ إلى منْ يقودهم إلى الهلاك.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تلبسه علينا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين .
|