وَصايا لِلصائِمِ في شَهْرِ رَمَضانَ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عِبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالى،
واحْمَدُوه عَلَى أَنْ هَداكُمْ لِلْإسْلامِ، وَبَلَّغَكُمْ شَهْرَ رَمَضانَ،
واسأَلُوه الإِعانَةَ عَلَى صِيامِهِ وَقِيامِهِ، واسْتِغْلالِ أَوْقاتِهِ،
والثَّباتِ عَلى ذلكَ، واحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِمَّن يَجْتَهِدُ عِنْدَ
دُخُولِ الشَّهْرِ، ثُمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يُصِيبَهُ الفُتُورُ والكَسَلُ حَتَّى
عَن الواجِباتِ، فَإنَّ التَّثْبِيطَ عَن الطَّاعَةِ، مِنْ أَعْظَمِ مَقاصِدِ
الشَّيْطانِ،
ثُمَّ اعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ، أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَقاصِدِ
الصّيامِ: التَّقْوَى، وَتَهْذِيبَ النَّفْسِ وَتَزْكِيَتَها،
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ( والصِّيامُ
جُنَّةٌ، فَإذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ،
فَإِنْ سابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صائِمٌ ).
وَشَرَعَ اللهُ الصِّيامَ لِيَكُونَ تَذْكِرَةً لِلْعَبْدِ، وَعِظَةً لَه،
وَسَبَبًا لِإِقْبالِهِ عَلَى طاعَةِ اللهِ، واسْتِنْقاذِهِ مِنْ غَفْلَتِهِ،
وَلِيَكُونَ هذا الصَّوْمُ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِن الذُّنُوبِ بِإِذْنِ اللهِ.
فَالصِّيامُ جُنَّةٌ، وحاجِزٌ بَيْنَ
العَبْدِ وَبَيْنَ الْمَعاصِي، كُلَّمَا هَمَّ بِخَطِيئَةٍ، ذَكَّرَ نَفْسَهُ
أَنَّه صائِمٌ، فَدَعاه ذلكَ إلى الإِعْراضِ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ. فَمَنْ لَمْ
يَحْجِزْهُ الصَّوْمُ عَن الوُقُوعِ في الحَرامِ، وَلَمْ يَحُثَّهُ عَلى الْمُحافَظَةِ
عَلى الواجِباتِ التي مِنْ أَعْظَمِها الصلاةُ مَعَ الجَماعَةِ، فَلْيَعْلَمْ
أَنَّ صِيامَهُ ناقِصٌ، وأَنَّه عَلَى خَطَرٍ، لِأَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عَلَيْهِ
وسلم قال: ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ
والعَمَلَ بِهِ والجَهَلَ، فَلَيْسَ للهِ حاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعامَه وَشَرابَه
).
فَيا أيُّها
الْمُسلمُ: اغْتَنِمْ رَمَضانَ: فإنَّه قَدْ يَكُونُ آخِرَ رَمَضانَ في
حَياتِكَ، وَلَعَلَّكَ لا تُدْرِكُهُ مَرَّةً أُخْرَى. لَقَدْ صامَ مَعَكَ
إِخْوانٌ لَكَ في العامِ الْمَاضِي، وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُمْ أَنْ يَصُومُوا مَعَكَ
هذا العامَ.
اغْتَنِمْ
رَمَضانَ: بالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ والْمَعاصِي،
فَإنَّ اللهَ أَرْحَمُ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِن الوالِدَةِ بِوَلَدِها، وَمِنْ
رَحْمَتِهِ أَنْ فَتَحَ لَهُ بابَ التَّوْبَةِ مَهْمَا بَلَغَتْ ذُنُوبُهُ
وَعَظُمَتْ. وَبَيَّنَ سُبْحانَهُ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَه، فَلَا
تُفَوِّتِ الفُرْصَةَ.
اغْتَنِمْ
فَتْرَةَ الصِّيامِ: بِالدُّعاءِ، فَإنَّ الصائِمَ دُعاؤُهُ مُسْتَجابٌ،
ولا تَنْسَ والِدَيْكَ وأَقارِبَكَ وَإِخْوانَكَ الْمُسْلِمينَ، وَوُلاةَ
أَمْرِكَ.
اغْتَنِمْ
رَمَضانَ: بِكَثْرَةِ التِّلاوَةِ، والذِكْرِ والاسْتِغْفارِ
والصَّدَقَةِ، وَبِتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَرْبِيَتِها عَلَى الأَخْلاقِ
الفاضِلَةِ والسُّلُوكِ القَوِيمِ.
اغْتَنِمْ
رَمَضانَ: بِمُحاسَبَةِ النَّفْسِ وتَذْكِيرِها بِوُجُوبِ
الاسْتِعْدادِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
اغْتَنِمْ
رَمَضانَ: بالاجْتِهادِ في أَنْواعِ العِباداتِ والإحْسانِ فِيها،
فإنَّ اللهَ قَدْ يَسَّرَ لَكَ في هذه البَلَدِ مَا لا يَجِدُهُ غَيْرُكَ، مِنْ
نِعْمَةِ الأَمْنِ وَوَسائِلِ الراحَةِ، وَتَهْيِئَةِ الأَجْواءِ التي تُعِينُ
عَلَى العِبادَةِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، فإنَّ كَثِيرًا مِن الناسِ اليَوْمَ لا
يَتَفَكَّرُونَ في هذه النِّعْمةِ، خُصُوصًا الشَّبابَ، مَعَ العِلْمِ أَنَّهُمْ
يَرَوْنَ وَيَسْمَعُونَ عَبْرَ وَسائِلِ التَّواصُلِ والإِعْلامِ ما يُعانِي
مِنْهُ كَثيرٌ مِن الْمُسلِمينَ حَوْلَهُمْ. فَإيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ بِأَنَّ الْمُعاناةَ
الشَّدِيدَةَ خاصَّةٌ بِبَعْضِ ما تَسْمَعُ بِهِ مِنْ قَصَصِ بَعْضِ الآباءِ
والأَجْدادِ. بِلْ إنَّها مَوْجُودَةٌ في بَعْضِ نَواحِي الْمُسْلِمينَ. فاحْمَدِ
اللهَ عَلَى ما أَنْتَ فِيهِ مِنْ نِعْمَةٍ، وَذَكِّرْ نَفْسَكَ وأَوْلادَكَ
وَأَصْحابَكَ بِها، فإنَّ ذلكَ مِن شُكْرِها، ( وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ).
أيُّها الْمُسلمُ:
اغْتَنِمْ رَمَضانَ بِبَذْلِ أسْبابِ العِتْقِ مِن النارِ، فَإِنَّ لِلهِ عُتَقاءَ
مِن النارِ كُلَّ لَيْلَةٍ. وإذا قَضَى اللهُ بِعِتْقِكَ مِن النارِ في هذه
اللَّيالِي الفاضِلَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ هذا القَضاءَ سَيَبْقى مَعَكَ إلى أَنْ
تَمُوتَ، تَمْشِي عَلَى ظَهْرِ الأَرضِ وأَنْتَ عَتِيقٌ مِن النارِ، لِأَنَّ قضاءَ
اللهِ نافِذٌ وَلَا يُرَدُّ، فَلَا تُفَوِّتِ الفُرْصَةِ الغالِيَةَ العَظِيمَةَ
في حَياتِكَ: ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ
وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم
فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ
وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم
وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الْـحمدُ للهِ ربِّ
العَالَمِين، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين،
وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ
مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد:
عباد الله: أَعْظَمُ الناسِ مسْؤُولِيَّةً
في هذا الشَّهْرِ، هُمْ الْمُؤَذِّنُونَ وأئِمَّةُ المَساجد. فأما الْمُؤَذِّنون: فإنهم أُمَناءُ المسلمينَ
على وَقْتِ الصَّلاةِ والسُحُورِ والإفْطارِ. فَيَجِبُ عليهِم أنْ يُخْلِصُوا
النيةَ للهِ، وأن يَتَّقُوه ويُراقِبُوه. فَيُواظِبُوا على الأذان بِأدائِه
بألفاظِهِ على الوَجْهِ الصحيح، وأن يَهْتَمُّوا بالوقتِ فلا يُؤَذِّنُوا قَبْلَهُ
ولا بَعْدَه، ولْيَعْلَمُوا أن الناسَ يُمْسِكُون على أذانِهِم، ويُفْطِرُونَ على
أذانِهِم، وأنَّ الناسَ قَدْ يَفْسُدُ صيامُهُم بِسَبَبِ بَعْضِ المؤْذِّنِين
المُضَيِّعِينَ لأمانَتِهِم.
وأما
الأئِمَّةُ: فيجبُ عليهِم أن يَتَّقُوا اللهَ، وأنْ يتَذَكروا أنهُم عَبِيدٌ
للهِ، خاضِعُونَ لِأَمْرِهِ، وَلَيْسُوا عَبِيدًا لِرغباتِ الناس، فإن ذلكَ مِنْ
أعظمِ ما يُعِينُهم على الإخلاص. ولْيَتَذَكَّرُوا أنَّ قُدْوَتَهُم هُوَ رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مِن أكبرِ ما يُعِينُهُم على مُوافقةِ السُّنَّةِ.
وينبغي للإمامِ أن يُوافِقَ السُّنَّةَ في الدعاء، فلا يُطِيلُ. ويحرصَ على
الأدعيةِ الثابِتَة، والأدعيةِ الجوامِع، السالِمةِ من التَكَلُّفِ والسَجْعِ.
وأنْ يَبْتَعِدَ عن الصُّراخِ والتَصَنُّعِ.
وَيَجِبُ
عَلى الإِمامِ والْمُؤَذِنِ: الْمُواظَبَةُ وَعَدَمُ الغِيابِ إلا لِضَرُورَةٍ،
خُصُوصًا في رَمَضانَ. وَلا يَجُوزُ لَهُمَا الذَهابُ إلى مَكَّةَ لَأَداءِ
العُمْرَةِ وَتَرْكُ مَساجِدِهِمْ، لِأَنَّ العُمْرَةَ في رَمَضانَ مُسْتَحَبَّةٌ،
فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الواجِبِ مِنْ أجْلِ النافِلَةِ.
رَبَّنا
تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ
أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، ووفقنا فيما بقي
من الليالي والأيام، وتجاوز عن التقصير والآثام يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعتق
رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار يا أرحم
الراحمين، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا
بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً
ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمة عامة وهداية عامة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم
وفق وُلاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصاراً
لدينك، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة وبصّرهم بأعدائهم يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم احفظ بلادنا ممن يكيد لنا ويتربص بنا الدوائر واجعل تدبيره في
تدميره ورُدّ كيده في نحره يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).
وللمزيد من الخطب السابقة عن شهر رمضان تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=132
|