خطبة عيد الفطر 1437هـ
الحمد لله الشكور الحليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لاإله إلا هو إليه المصير نحمده حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ويرضى؛ مد في أعمارنا فصمنا شهرنا، وحضرنا عيدنا، ووسّع لنا في أرزاقنا فوسّعنا على أنفسنا وأولادنا، وأمَّنَنا في أوطاننا فلم نخش شيئًا ونحن نخرج إلى مصلانا، وعافانا في أبداننا فلم نشكُ علَّة ولم نجد ألمًا؛ فله الحمد، لا نحصي ثناءً عليه، كما أثنى هو على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال؛ حكيم الفعال، كثير النوال، شديد المحال؛ لا يلوذ به عبد فيخيب، ولا يناكفه مستكبر فيطيب (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ)
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أمينه على وحيه وخيرته من خلقه, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلام الأمة وسادتها، وفخرها وقدوتها، سادوا الأرض فما تكبروا، وحكموا البشر فما ظلموا، بل تواضعوا وعدلوا، لا يوقّرهم إلا مؤمن، ولا يحقرهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان. أما بعد :
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله احمدوا ربكم على وافر مننه ونعمه , ومن أعظمها نعمة الهداية للدين الإسلامي الذي قد حُرمه غيركم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) واحمدوه اخرى على أن يسر لكم صيام رمضان وقيامه بأمن وأمان وطاعة الرحمن واسألوه وألظوا عليه بالقبول فهذا ابراهيم خليل الرحمن يبني بيت الرحمن بأمر من الرحمن ويخاف ألا يقبل منه (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) واياكم والمنة على الله فلله المنة والفضل على ذلك كله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: صمتم في حَرٍّ شديد، ونهار طويل، وريح سموم، وشمس حارقة غلت منها الرؤوس، ووجدتم عطشًا أيبس الأكباد، وجفف الشفاه، وكان أثر الصوم باديًا على الوجوه.
وهذا كله من إعانة الرحمن جل وعلا , واليوم تحضرون عيدكم بعد تمام صومكم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم .
هذا اليوم عيدنا أهل الاسلام وفيه للمسلمين مقصدين عظيمين :
أهمها أنهم يحمدون الله على تمام رمضان وصيامه وقيامه فالحمد لله اولاً وآخراً, ظاهراً وباطناً. والأخرى الفرح بما أباحه الله وأطلقه لعباده من التمتع بالطيبات من المآكل والمشارب والنعم المتنوعات , أمرهم بالصيام فامتثلوا راغبين وصبروا , وأباح لهم الفطر فحمدوا ربهم على فضله وشكره
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: خلق الله الخلق ليفردوا في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته فكم لله من اسمٍ بلغ في الحسن منتهاه ومن هذه الأسماء الحسنى اسم (الشكور والشاكر) فقد سمى الله به نفسه كما في قوله تعالى: [ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ]، وقوله : [ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً] وقال: [ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ]، وورد إثبات صفة الشكر لله في السنة فقد روى البخاري في صحيحه عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّة).
والشكر هو الثناء الجميل على الفعل الجليل حتى لو كان قليلا، والله شاكرٌ يجازي العباد على أعمالهم ويزيد لهم في أجورهم، فيقابل شكرهم بزيادة النعم في الدنيا وواسع الأجر في الآخرة.
والله سبحانه شاكر فيرضى بأعمال عباده، وإن قلت وهذا تكريم لهم حيث يقبل منهم أقل من حقه عليهم، ويتفضل بمضاعفة مالهم من أجر ويمحو بمشيئته ما عليهم من وزر.
ليس من شكرِ الله تعالى على نعمه التنكبُ عن أمره والابتعاد عن طاعته وارتكاب كل ما يغضبه ويجلب سخطه، بل هو مدعاة إلى زوال النعمة وذهابها أو انعدامها واضمحلالها، وقد ذكر الله سبحانه لنا في القرآن قصة قرية لم تقابل النعم بالشكر فقال: [ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ]
عباد الله: ومما يعين على شكر نعم الله ما يلي:
أولاً: القناعة بما قسم الله لك من رزق روى الترمذي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ) وهو حديث حسن
ثانياً: العلم بأن الله سائله عن شكره لنعمه، قال الله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ }، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم: حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟! )، رواه أحمد إسناده على شرط مسلم.
ثالثاً: العلم بأن النعمة تدوم بالشكر، وتزول وتضمحل بالجحود والكفر، قال الله تعالى: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .
رابعاً: شكر الناس على معروفهم، ففي سنن أبي داود وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) وهو حديث صحيح.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
علِّقوا بالله -تعالى- قلوبكم في رد أعدائكم، وعلقوا به قلوبكم في حفظ أوطانكم، وعلقوا به قلوبكم في أمنكم واستقراركم، وعلقوا به قلوبكم في أرزاقكم، وعلقوا به قلوبكم فيما تؤملون في مستقبلكم وما تخافون. قال تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) أي كافيه , وكفى به فضلا وشرفاً وكفاية وعوناً ونصيرا فالتوكل من أجل وأشرف العبادات القلبيه وهو صدق الاعتماد والتفويض لله مع فعل الأسباب (إياك نعبد وإياك نستعين).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على الصيام والقيام والعيد، والحمد لله على ما شرع من الشرائع، وما هدانا إليه من العبادات والشعائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد... أما بعد:
عيدنا عيد عظيم مبني على التوحيد والايمان , عيدنا ليس فيه ولله الحمد شيء من شعائر الشرك والكفران, عيدنا في بلاد الحرمين سلم من الشرك والمزارات والأضرحة التي تعبد من دون الله عيدنا في بلاد الحرمين مودة بين الراعي والرعية والحاكم والمحكوم وإن ارجف المرجفون المارقون ولكن كما قال المولى عز وجل: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فاحمدوا الله واشكروه على ما حباكم وإياكم ان تظنوا أن شكر النعم يكفي فيه قولا باللسان بل هذا خطأ شنيع ولكن أكثروا من الطاعات فكلما زاد المسلم طاعة زاد شكراً لله .
أيها الناس: عيدنا هذا عيد يملأ القلب فرحا وسرورا فأظهروا فيه الفرح وجودوا وأوسعوا على أهليكم بالمباحات وليس من الفقه استجلاب الحزن واستذكار البؤس في يوم العيد مهما كانت بؤس الأحوال حولنا فإن هذا اليوم هو يوم مخصوص أراد الله للمسلمين أن يظهروا الفرح والسرور بما أباح الله . وإياكم والإسراف, تفرقوا من صلاتكم بقلوب سليمة من الضغائن والأحقاد؛ أطيعوا الوالدين واخفضوا لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا, وصلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم؛ فالعيد عيد الود والصفاء، ونقاء القلوب، واجتماع الأرواح. حافظوا على صلاتكم مع الجماعة في المساجد , أفشوا السلام وأطعموا الطعام , وصلوا بالليل والناس نيام ,تدخلوا الجنة بسلام , أجلّوا أهل العلم الراسخين في بلادنا ادعوا لهم ذبوا عن أعراضهم انشروا فتاويهم خذوا عنهم العلم, مروا بالمعروف بالمعروف وانهوا عن المنكر بالمعروف, كون نعم المعين لأهل الحسبة أدعوا لهم بالسداد والتوفيق ولا تصدقوا الشائعات المحاكة ضدهم والتمسوا لهم الأعذار إن أخطأوا وناصحهم بالحسنى عند النقص والخلل لو حصل
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
فيا أيتها المرأة المسلمة ، يا أيتها الصائمة القائمة : اتقِ الله -تعالى- في نفسكِ، واتقيه في دينكِ، وعلقي به -سبحانه- قلبكِ؛ وارجِ الله وخافيه وحده .أطيعي الزوج بالمعروف كوني له مطيعة صابرة , إذا رأيتي منه خلل أو نقص فقوميه بالحسنى واخفضي له القول .املأي قلبكِ وقلوب أولادكِ بمحبة الله -تعالى- وتعظيمه، وشدة التعلق به، وحسن التوكل عليه، وسرعة الإنابة إليه.
ولن تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا تمسكت بدينه، وحافظت على أوامره، واجتنبت نواهيه، ودعت غيرها إليه، وصبرت على الأذى فيه, لا تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا صانت عفافها، وتفقدت حياءها، وسترت جسدها، وتلفعت بجلبابها، وجانبت مخالطة الرجال، ولو أوذيت في ذلك وحوربت عليه، وسُخر منها لأجله، ومنع عنها الرزق بسببه؛ فإن تعلقها بالله -تعالى- يدفعها إلى ما يرضيه، ولو سخط البشر أجمعون.
من تمام شكرك لنعم الله: التزام الحجاب الشرعي الساتر للجسم والوجه وتأملي قول الله تعالى(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة) نهى الله عن التبرج وقرنه بالصلاة لكي تعلمي أن الحجاب وهو غطاء الجسم والوجه هو عبادة ! نعم هو عبادة وطاعة لله لا مجرد عادة اعتدتي عليها فانتبهي واحذري وربي نفسك ومن تحت يديك على هذا الأصل واستعيني بالله.
الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
اللهم أعتق رقابنا من النار ورقاب والدينا وأزواجنا وذرياتنا والمسلمين من النار يا حيّ يا قيّوم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها صغيرها وكبيرها علانيتها وسرها أولها وآخرها، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم نسألك يا أرحم الراحمين ويا خير الحافظين أن تحقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم انتصر للمستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم أنزل عليهم سكينتك ورحمتك وأمدهم بجند من عندك وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، للهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلهم وزلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم فرّق كلمتهم وشتت شملهم وسلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب، اللهم لا تجعل لهم منة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة سائغة للمؤمنين يا قوي يا متين يا رب العالمين، اللهم من أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء، اللهم وفق وُلاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلّهم عليه يا رب العالمين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها ويتربص بها وبأهلها الشر والفتن، اللهم احفظها من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ومن كل شر وفتنة يا رب العالمين يا قوي يا عزيز، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا ونسائنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم انصر جنودنا، اللهم اربط على قلوبهم واخلف على أهليهم، وأنزل السكينة عليهم وثبت أقدامهم اللهم اشف مريضهم وألف بين قلوبهم وتقبل شهداءهم، واجزهم خير الجزاء وأعظمه، يا أكرم الأكرمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة لعيد الفطر تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=127 |