اَلْنَّاْسِفُ لِأَهْلِ اَلْنَّوَاْسِف
} الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا { ، } لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا { أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا { وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، أرسله } شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا { صَلَّىْ اَللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَاْبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوْا اللَّهَ {، فَلْنَتَقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِيْ اَللهُ وَإِيَّاْكُمْ مِنْ عِبَاْدِهِ اَلْمُتَقِيْنَ .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
لَاْ يَخْفَىْ عَلَيْكُمْ ، مَاْ حَدَثَ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ ، مِنْ أَصْحَاْبِ اَلْفِكْرِ اَلْمُنْحَرِفِ، اَلْتَّكْفِيْرِيِّينَ اَلْخَوَاْرِجِ ، اَلْمُنْتَمِيْنَ لِجَمَاْعَاْتِ إِرْهَاْبِ اَلْمُسْلِمِيْنَ: مِنْ غَدْرٍ وَتَرْوِيْع، وَقَتْلٍ وتَفْجِيْرٍ، بِهَدَفِ تَمْزِيْقِ وُحْدَتِنَاْ، وَتَفْرِيْقِ صَفِّنَاْ، وَإِثَاْرَةِ اَلْفِتَنِ فِيْ بِلَاْدِنَاْ، وَإِنَّهُ لَأَمْرٌ أَقَضَّ مَضَاْجِعَ اَلْصَّاْلِحَيْنَ، وَأَزْعَجَ اَلْمُؤَمِّنِيْنَ، وَكَدَّرَ صَفْوَ اَلْحَرِيْصِيْنِ عَلَىْ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ وَفِيْ غَيْرِهَاْ مِنْ بُلْدَاْنِ اَلْعَاْلَمِ، وَلَعَلَّ آخِرَ أَفْعَاْلِهِمْ اَلْسَّيِّئَةِ: تَفْجِيْرُ مَسْجِدِ قُوَّاْتِ اَلْطَّوَاْرِئِ بِعَسِيْرِ، وما حدث في محافظة الشملي اَلَّذِيْ مَاْتَ بِسَبَبِهِ عَدَدٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِيْنَ. فَمَاْ مَنْ مُسْلِمٍ كَمُلَتْ أَرْكَاْنُ إِسْلَاْمِهِ، إِلَّاْ وَسَاْءَهُ ذَلِكَ. لِأَنَّ هَذِهِ اَلْبِلَاد ، لَيْسَتْ كَغَيْرِهَاْ مِنْ اَلْبُلْدَاْنِ ، فَأَمْنُهَاْ وَاِسْتِقْرَاْرُهَاْ ، وَخُلُوُهَاْ مِنْ اَلْقَلَاْقِلِ وَاَلْفِتَنِ، مَطْلَبٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ عَاْقِلٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَهِيَ حَاْضِنَةُ قِبْلَتِهِمْ ، اَلْحَاْمِيَةُ لِمُقَدَّسَاْتِهِمْ، وَفِيْهَاْ حَجُّهُمْ وَعُمْرَتُهُمْ، وَاَلْصَّلَاْةُ فِيْ بَيْتِ رَبِّهِمْ U، وَمَسْجِدِ نَبِيِّهِمr . وَهِيَ اَلْبِلَاْدُ اَلْوَحِيْدَةُ، اَلَّتِيْ فِيْهَاْ يُعَظَّمُ وَيُحَكَّمُ شَرْعُ خَاْلِقِهِمْ ، فتُقَاْمُ عَلَىْ أَرْضِهَاْ اَلْحُدُوْد ، وَيُمْنَعُ فِيْ مُجْتَمَعِهَاْ مَاْ حَرَّمَ اَللهُ U، وَغَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّاْ يَجْعَلُهَاْ جُزْءًا لَاْ يَتَجَزَّأَ مِنْ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْدِّيْنْ، وَاَلْاِعْتِدَاْءُ عَلَىْ أَمْنِهَاْ ، خَطٌ اَحْمَرٌ فِيْ نُفُوْسِ اَلْمُؤَمِّنِيْنَ اَلْصَّاْدِقِيْنَ . وَإِنْ كَانَ فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ ، شَيْءٌ يُعْجَبُ مِنْهُ، وَيُسْتَغْرَبُ مِنْ فِعْلِهِ ، فَهُوَ مِمَّاْ يَفْعَلُهُ أُنَاسٌ، يَزْعُمُوْنَ اَلْحِرْصَ عَلَىْ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْدِّيْنَ، وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَمَّدُوْنَ قَتْلَ اَلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ مَسَاْجِدِهِمْ وَفِيْ ثُغُوْرِهِمْ، وَاَللهُ U يَقُوْلُ: } وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَلَعَنَهُ ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا { ، يَسْتَحِلُّوْنَ دِمَاْءَ اَلْمُسْلِمِيْنَ اَلْمَعْصُوْمِيْنَ ، وَاَلْنَّبِيُ r يَقُوْلُ - فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ - : (( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيْبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارَقُ لِلْجَمَاعَةِ )) . فَيَاْ لِلْعَجَبِ ، مِمَّنْ يَقْتُلُ اَلْمُسْلِمِيْنَ - مَعْصُوْمِ اَلْدِّمَاْءِ - بِاِسْمِ اَلْدِّيْنِ ، وَيَزْعُمُ إِقَاْمَةَ دَوْلَةٍ إِسْلَاْمِيَّةٍ فِيْ دَوْلَةِ اَلْمُسْلِمِيْنَ. } وَاَلَّذِيْنَ اِتَّخَذُوْا مَسْجِدًا ضِرَارًا ، وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، عَنْ أُسَاْمَةَ بْنِ زَيْدٍ t قَاْلَ: بَعَثَنَاْ رَسُوْلُ اللَّهِ r إِلَىْ الْحُرَقَةِ ، فَصَبَّحْنَاْ الْقَوْمَ ، فَهَزَمْنَاْهُمْ ، وَلَحِقْتُ أَنَاْ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَاْرِ رَجُلًا مِنْهُمْ ، فَلَمَّاْ غَشِينَاْهُ - أَيْ أَدْرَكْنَاْهُ - قَاْلَ : لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللَّهُ ! فَكَفَّ الْأَنْصَاْرِيُّ ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّىْ قَتَلْتُهُ ، فَوَقَعَ فِيْ نَفْسِيْ مِنْ ذَلِكَ ، فَلَمَّاْ قَدِمْنَاْ ، بَلَغَ النَّبِيَّ r، فَقَاْلَ : (( يَا أُسَامَةُ ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ ! )). قُلْتُ : كَاْنَ مُتَعَوِّذًا - أَيْ قَاْلَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ - قال r: (( أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ ؟! أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ، حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا ؟! )) ، يَقُوْلُ أُسَاْمَةُ : فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ، أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
فَهَذِهِ الحَادِثَةُ تَبَيَّنُ اَلْجُرْمَ اَلْشَّنِيْعَ اَلْخَطِيْرَ، وَاَلْذَّنْبَ اَلْمُوْبِقَ اَلْكَبِيْرَ، اَلَّذِيْ يَرْتَكِبُهُ كِلَاْبُ أَهْلِ اَلْنَّاْرِ ، اَلَّذِيْنَ صَدَقَ بِحَقِّهِمْ ، وَصْفُ نَبِيِّنَاْ r لَهُمْ: (( يَقْتُلُوْنَ أَهْلَ اَلْإِسْلَاْمِ ، وَيَدْعُوْنَ أَهْلَ اَلْأَوْثَاْنِ )). خَوَاْرِجُ اَلْعَصْرِ ، اَلَّذِيْنَ يُكْفِّرُوْنَ مَنْ لَاْ يَكُونَ عَلَى مَنْهَجِهِمْ، وَمِنْ لَاْ يَنْضَمَّ إِلَىْ مُعَسْكَرِهِمْ، وَلَاْ يَرَوْنَ مُسْلِمًا عَلَىْ وَجْهِ اَلْأَرْضِ غَيْرَهُمْ .
وَلِلْعَاْقِلِ أَنْ يَعْرِفَ وَيُدْرِكَ مَقَاْصِدَ هَؤُلَاْءِ الخُبَثَاءِ اَلْأَنْجَاْسِ اَلْأَرْجَاْسِ، وَمَنْ جَعَلَهُمْ أَدَاْةً قَذِرَةً ، لِلْوُصُوْلِ لِأَهْدَاْفٍ سَيِّئَةٍ، وَمَئَاْرِبَ خَبِيْثَةٍ، مَنْ أَبْرَزِهَاْ وَأَخْطَرِهَاْ : اَلْقَضَاْءُ عَلَىْ اَلْدِّيْنِ، وَإِضْعَاْفُ شَوْكَةِ اَلْمُسْلِمِيْنَ، وَلَكِنْ كَمَاْ قَاْلَ U : } يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ { .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
إِنَّ خَطَرَ هَؤُلَاْءِ ، اَلَّذِيْ حَلَّ فِيْ بِلَاْدِنَاْ، يُوْجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَاْ، وَكَمَاْ قَاْلَ U: } أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ، قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا ، قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { وَكَمَاْ قَاْلَ سُبْحَاْنَهُ : } وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{، فَهَؤُلَاءِ وَأَفْكَاْرُهُمُ اَلْمُنْحَرِفَةُ ، وَمَنْهَجُهُمُ اَلْبَاْطِلُ ، لَمْ يَأْتِ مِنْ فَرَاْغٍ ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ اَلْسَّمَاْءِ فِيْ ظَرْفِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، إِنَّمَاْ هُوَ حَصِيلَةُ تَقْصِيْرٍ وَإِهْمَاْلٍ وَسُكُوْتٍ ، وَتَرْبِيَةٍ سَيِّئَةٍ ، نَتِيْجَتُهُ وَثَمَرَتُهُ: غُصَّةٌ فِيْ مُجْتَمَعِ طَاْهِرٍ آمِنٍ، وَاَلْمَسْؤُلِيَّةُ اَلْأُوْلَىْ، وَاَلْذَّنْبُ اَلْكَبِيْرُ، وَمَاْ أُزْهِقَ مِنْ أَنْفُسٍ، وَمَاْ خُرِّبَ مِنْ مُمْتَلَكَاْتٍ، فِيْ أَعْنَاْقِ مَنْ كَاْنُوْا سَبَبًا فِيْ ذَلِكَ، اَلَّذِيْنَ سَمَّمُوْا عُقُوْلَ شَبَاْبِنَاْ، وَلَوَّثُوْا أَفْكَارَهُمْ، وَغَرَّرُوْا بِهِمْ فِيْ دُرُوْسِهِمْ وَمُحَاْضَرَاْتِهِمْ، وَفِيْ حِلَقِهِمْ وَرَحْلَاْتِهِمْ، وَفِيْ أَشْرِطَتِهِمْ وَنَشَرَاْتِهِمْ، وَفِيْ لِقَاْءَاْتِهِمْ وَبَيَنَاْتِهِمْ، وَفِيْ مُنْتَدَيَاْتِهِمْ وَقَنَوَاْتِهِمْ، اَلَّذَيْنَ اِنْكَشَفَ عَوَاْرُهُمْ، وَهَتَكَتِ اَلْأَحْدَاْثُ أَسْتَاْرَهُمْ، وَأَذَاْعَ مَاْ يَعْتَقِدُهُ وَيَقُوْمُ بِهِ طُلَّاْبُهُمْ أَسْرَاَرَهُمْ ، فَمَاْ نُعَاْنِيْ مِنْهُ فِيْ هَذِهِ اَلْأَيَّاْمِ ، مَاْ هُوَ إِلَّاْ نَتِيجَةُ أَفْكَارِ كَذَبَةٍ أَفَّاْكِيْنَ، وَمُجَاْهِدِيْنَ دَجَّاْلِيْنَ، وَعُلَمَاْءَ مَزْعُوْمِيْنَ، وَمُفْتِيْنَ مُفْسِدِيْنَ ، يُبَطِنُوْنَ مَاْ لَاْ يُظْهِرُوْنَ، وَيُخْفُوْنَ مَاْ يَعْتَقِدُوْنَ ، } وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ، قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{، اَلَّذِيْنَ خَرَجُوْا عَلَىْ أَئِمَّتِنَاْ بِأَلْسِنَتِهُمْ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْضُ شَبَاْبِنَاْ بِأَفْعَاْلِهُمْ، وَاَلَّذِيْنَ كَفَّرُوْا مُجْتَمَعَنَاْ وَهُمْ بَيْنَنَاْ، قَبْلَ أَنْ يُكّفُّرُنَاْ تَلَاْمِيذُهُمْ ، فَقَدْ آنَ لَهُمْ أَنْ يَتُوْبُوْا إِلَىْ اَللهِ U ، وَيَعْتَذِرُوْا، وَيُصْلِحُوْا وَيَتَدَاْرَكُوْا، مَاْ أَفْسَدُوْهُ بِسُوْءِ أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَاْلِهِمْ، وَكَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَى : } إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ، مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ، أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ، فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { .
لَقَدْ طَفَحَ اَلْكَيْلُ ، وَبَلَغَ اَلْسَّيْلُ اَلْزُّبَىْ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - فَمَاْذَاْ بَعْدُ تَفْجِيرِ اَلْمُصَلِّيْنَ فِيْ مَسَاْجِدِهُمْ، وَقَنْصِ رِجَاْلٍ يَعْمَلُوْنَ عَلَىْ حِفْظِ أَمْنِ مُقَدَّسَاْتِهِمْ، وَيَذُوْدُوْنَ عَنِ اِسْتِقْرَاْرِ بِلَاْدِهِمْ ؟ وَمَاْذَاْ بَعْدُ تَهْوُيْنِ شَأْنِ عُلَمَاْءٍ، شَهِدَ لَهُمْ اَلْعَاْلَمُ بِفَضْلِهِمْ وَتُقَاْهُمْ، وَعَمِلَ اَلْعُقَلَاْءُ بِفَتْوَاْهُمْ. وَمَاْذَاْ بَعْدُ صَمَتٍ عَجِيْبٍ غَرِيْبٍ مُرِيْبٍ، عَنْ أُمُوْرٍ عِظَاْمٍ، وَأَخْطَاْرٍ جِسَاْمٍ، كَاْنُوْا يَهْتَمُّوْنَ بِأَشْيَاْءٍ لَاْ تُقَاْرَنُ بِمَاْ يَحْدُثُ فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْنِ !! فَأَيْنَ اَلَّذِيْنَ أَجَّجُوْا حَمَاْسَ شَبَاْبِنَاْ، بِتَصَيُّدِ أَخْطَاْئِنَاْ، وَتَجْمِيْعِ زَلَّاْتِنَاْ، وَتَعْظِيْمِ هَفَوَاْتِنَاْ، وَمَاْ يَحْدُثُ فِيْ مُجْتَمَعِنَاْ بِسَبَبِ بَشَرِيَّتِنَاْ وَعَدِمِ كَمَاْلِنَاْ ؟
أَيْنَ هُمْ، وَمَاْ أَخْرَسَهُمْ، أَيْنَ حِرْصُهُمْ عَلَىْ اَلْإِسْلَاْمِ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ، أَيْنَ بَيَاْنَاْتُهُمْ وَاَلْمُصَلُّوْنَ يُقَتَّلُوْنَ فِيْ مَسَاْجِدِهِمْ ؟ أَيْنَ هُمْ اَلْيَوْمَ ، وَاَلْمُسْلِمُوْنَ يُكَفَّرُوْنَ إِنْ لَمْ يَخْرِجُوْا عَلَىْ وُلَاْةِ أَمْرِهِمْ ؟ لِمَاْذَاْ لَاْ يُبَيِّنُوْنَ كَمَاْ كَاْنُوْا يَنْعِقُوْنَ، وَلِمَاْذَاْ لَاْ يُحَذِّرُوْنَ كَمَاْ كَاْنُوْا يُؤَجِّجِوْنَ ؟ وَيَمْنَعُوْنَ مَنْ كَاْنُوْا يُرْسِلُوْنَ، مِنْ حُدَثَاْءِ اَلْأَسْنَاْنِ، سُفَهَاْءِ اَلْأَحْلَاْمِ ؟ فُهُمْ اَلْمَسْؤُلُوْنَ، عَلَيْهِمْ مِنْ اَللهِ مَاْ يَسْتَحِقُّوْنَ .
أَعُوْذُ بِاَللهِ مِنْ اَلْشَّيْطَاْنِ اَلْرَّجِيْمِ :
} وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ { .
بَاْرَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤمِنُوْنَ :
مِمَّاْ لَاْ شَكَّ فِيْهِ وَلَاْ رَيْبَ، أَنَّ وُجُوْدَ اَلْتَّكْفِيْرِ، اَلْمُؤَدِّيْ إِلَىْ اَلْتَّفْجِيْرِ، مِنْ أُنَاْس اَلْأَوْلَىْ بِهِمْ ، اَلْإِعْتِزَاْزُ وَاَلْإِفْتِخَاْرُ فِيْ بِلَاْدِهِمْ، اَلَّتِيْ تَذُوْدُ عَنْ مُقَدَّسَاْتِهِمْ: مَاْهُوَ إِلَّاْ اِبْتِلَاْءٌ وَاِخْتِبَاْرٌ مِنَ اَللهِ U ، لَهُمْ وِلِغَيْرِهِمْ: } أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ { ، } وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا { ، } مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ { فَهُوَ اَلْإِخْتِبَاْرُ وَاَلْإِمْتِحَاْنُ إِذَاً .
وَهَذِهِ اَلْأَحْدَاْثُ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - وَإِنْ كَاْنَ فِيْ جِمْلَةِ ظَاْهِرِهَاْ، شَرٌّ وَخَطَرٌ وَضَرَرٌ، إِلَّاْ أَنَّهَاْ كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ: } فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {، فَمِنَ اَلْخَيْرِ: إِلْتِفَاْفُنَاْ حَوْلَ وُلَاْةِ أَمْرِنَاْ عُلُمَاْءَ وَأُمَرَاْءَ، وَمِنْهُ تَمَسُّكُنَاْ بِبَيْعَتِنَاْ اَلَّتِيْ عَرِفْنَاْ أَحْكَاْمَهَاْ ، وَأَدْرَكْنَاْ أَهَمِّيَّتَهَاْ .
وَمِنَ اَلْخَيْرِ، اَلْإِعْتِرَاْفُ بِفَضْلِ عُلَمَاْئِنَاْ، اَلَّذِيْنَ كَاْنُوْا يُهَوِّنُوْنَ مِنْ شَأْنِهِمْ ، وَيَسْتَهْزِؤُنَ بِفَتَاْوَاْهُمْ، وَيَتَّهِمُوْنَهُمْ بِمَاْ لَاْ يَلِيْقُ بِهِمْ .
وَمِنَ اَلْخَيْرِ شِفَاْءُ صُدُوْرِ دُعَاْتِنَاْ، اَلَّذِيْنَ كَاْنُوْا يُقْصُوْنَهُمْ وَيَقْدَحُوْنَ فِيْ مَقَاْصِدِهِمْ، وَلَاْ يُمَكِّنَهُمْ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُمْ، وَيَنْسِبُوْنَهُمْ إِلَىْ مَاْ لَاْ يَنْتِسِبُوْنَ إِلَيْهِ. فَقَدْ شَفَّىْ اَللهُ صُدُوْرَهُم، بِبَرَاْئَتِهِمْ مِنَ اَدِّعَاْءَاْتِهِمْ ، وَصَدْقِهِمْ فِيْ أَقْوَاْلِهِمْ ، وَإِخْلَاْصِهِمْ لِوُلَاْةِ أَمْرِهِمْ ، وَنُصْحِهِمْ لِأُخْوَاْنِهِمْ ، وَإِصْلَاْحِهِمْ لِمُجْتَمَعِهِمْ .
وَمِنَ اَلْخَيْرِ: دُعَاْؤُنَاْ لِمُؤَسِّسِ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ وَمُوَحِّدِهَاْ، اَلَّذِيْ وَقَفَ سَدَاً مَنِيْعَاً فِيْ وُجُوْهِ اَلْتَّكْفِيْرِيِّنَ، فَلَمْ يَسْمَحْ أَنْ يَكُوْنَ لَهُمْ مَوْطِئَ قَدَمٍ فِيْ هَذِهِ اَلْبِلَاْدِ. كَجَمَاْعَةِ اَلْإِخْوَاْنِ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَمَنَعَ اَلْصُّوْفِيِّيْنَ، كَجَمَاْعَةِ اَلْأَحْبَاْبِ اَلْتَّبْلِيْغِيِّيْنَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ اَلْفَاْسِدِيْنَ اَلْمُفْسِدِيْنَ .
نَعَمْ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - يُوْجَدُ بَيْنَنَاْ مَنْ تَأَثَّرَ بِهَؤُلَاْءِ، وَهُنَاْ يَأْتِيْ دَوْرُنَاْ نَحْنُ ، بِتَطْبِيْقِ شَرْعِ رَبِّنَاْ، وَاَلْسَّمْعِ وَاَلْطَّاْعَةِ - فَيْمَاْ لَاْ يُغْضِبُ اَللهَ U - لِوُلَاْةِ أَمْرِنَاْ، وَاَلْرُّجُوْعِ إِلَىْ عُلُمَاْئِنَاْ فِيْمَاْ يُشْكِلُ عَلَيْنَاْ ، وَاَلْأَخْذِ عَلَىْ أَيْدِيْ مَنْ تَأَثَّرَ، أَوْ أَيَّدَ أَوْ نَاْصَرَ هَذِهِ اَلْجَمَاْعَاْتِ كَاْئِناً مَنْ كَاْن، وَلْنَتَذَكَّرَ قَوْلَ اَللهِ U : } الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ، أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ { .
أَسْأَلُهُ U أَنْ يَحْفَظَ دِمَاْءَنَاْ وَأَعْرَاْضَنَاْ وَ بِلَاْدَنَاْ وَأَمْنَنَاْ وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ بِحِفْظِهِ ، وَأَنْ يَكْلَأَنَاْ بِعِنَاْيَتِهِ وَرِعَاْيَتِهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَاْ اَلْفِتَنَ مَاْ ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ. اَلْلَّهُمَّ مَنْ أَرَاْدَنَاْ بِسُوْءٍ أَوْ مَكْرٍ أَوْ مَكْرُوْهٍ، فَاَلْلَّهُمَّ اَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَاَجْعَلْ كَيْدَهُ فِيْ نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيْرَهُ سَبَبَاً فِيْ تَدْمِيْرِهِ يَاْقَوِّيُ يَاْ عَزِيْز. وَاَلْلَّهُمَّ اِرْزِقْنَاْ اَلْهُدَىْ، وَاَلْتُّقَىْ، وَاَلْعَفَاْفَ وَاَلْغِنَىْ، وَأحْيِنَاْ سُعَدَاْءَ، وَتَوَفَّنَاْ شُهَدَاْءَ، وَاَحْشُرْنَاْ فِيْ زُمْرَةِ اَلْأَتْقِيَاْءِ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَاْدَ اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |