زكاة النخيل وفضل النفقة
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ
باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا
اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد
الله: اتقوا الله تعالى، واشكروه على نِعَمِهِ، فإنَّ اللهَ تعالَى وَعَدَ
الشاكِرينَ بالزِّيادَةِ فقال: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
لَشَدِيدٌ ). واعلموا أَنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِه: أَنْ
يُؤَدِّيَ الْمُسْلِمُ زكاةَ مالِهِ، طَيِّبَةً بِها نَفْسُه. وَمِنَ الأَمْوالِ الزَّكَوِيَّةِ التي يَحْسُنُ الكلامُ
عنها هذِهِ الأيام: الثِّمار. فإنَّ كَثيرًا مِنَ الناسِ في هذِهِ الأيامِ
يَجْنُونَ ثِمارَ نَخِيلِهِمُ، وَلَكِنَّهُم قَدْ يَغْفَلُونَ عَنْ نِصابِها،
فَتَبْلُغُ عندَ بَعْضِهِمُ النصابَ وهو لا يَشْعُر، فَيَتْرُكُ الزكاةَ التي
جَعَلَها اللهُ رُكْنا مِنْ أركانِ الإسلام.
ونِصابُ
التمورِ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، والوَسَقُ ستُّونَ صاعًا، فيَكونُ النصابُ
ثَلاثَمائةِ صاعٍ. والصاعُ كِيلُوَين وأربَعُونَ غُرَامًا، فيكونُ مجموعُ النصابِ: سِتَّمِائَةٍ واثْنَيْ
عَشَرَ كِيلُوًا. فَمَن مَلَكَ هذا الْمِقْدارَ، فَقَدْ وَجَبَتْ عليه الزكاةُ.
فإذا كانَ نَخْلُهُ يُسْقَى مِنَ الأمطارِ والعُيُون
فإنه يُخْرِجُ العُشْرَ.
وإذا كانَ نَخْلُهُ يُسْقَى مِنَ الآبارِ والْمَكائِنِ
كما هي حالُ الناسِ اليومَ، فإنَّه يُخْرِجُ نِصْفَ العُشْرِ.
وَوَقْتُ
وُجُوبِ الزكاةِ إذا بَدَا صَلاحُ الثَّمَرِ. ولكنَهُ لا يُخْرِجها إلا
عندَ الجَذاذِ.
ولا يَجوزُ أنْ يُخْرِجَ الْمسْلِمُ زكاتَهُ
مِنَ الرَّدِيءِ عَنِ الجيدِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ( وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ
تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ).
ومَنْ كانَ
عندَهُ نَخْلٌ مُتَفَرِّقٌ، بَعْضُهُ في مَزْرَعَتِهِ، وبَعْضُهُ في
استِراحَتِهِ، وبَعْضُهُ في بَيْتِه، فإنَّهُ يَضُمُّ ثِمارَها إلى بَعْضٍ، كَيْ
يَعْرِفَ قَدْرَها، فَيُخْرِجُ الزكاةَ إذا بَلَغَ المجموعُ نِصابًا.
وأحيانًا يَكونُ عِنْدَ الشَّخْصِ نَخْلٌ في استراحَتِهِ أَوْ
بَيْتِهِ، وقَدْ بَلَغَتْ نَصابًا وَهُوَ لا يَشْعُر، بِحُجَّةِ أَنَّ الزَّكاةَ
لا تَكُونُ إلا عَلى أصحابِ الْمَزارِعِ، وَهذا فَهْمٌ قاصِرٌ، لِأَنَّ العِبْرَةَ
بِالنِصابِ، وَهُوَ سِتُّمِائَةٍ واثْنَا عَشَرَ كِيلُوًا.
وتُضَمُّ أيضًا
الأنواعُ بَعضُها إلى بعضٍ في تَكْمِيلِ النصاب، فالحُلْوَةُ مَثَلاً
تُجْمَعُ مَعَ الخْلاصِ أو الْمِسْكانِي أو السُّكَّرِي، لأنها أنواعٌ تَدْخُلُ
تَحْتَ جِنْسٍ واحدٍ وَهوَ التَّمْرُ.
وإِذا كانَ
صاحِبُ النَخْلِ لا يُحْسِنُ طَريقَةَ إخراجِ الزكاةِ، فإِنه يُقَدِّرُ
قيمَتَها بالفُلُوس، ثُمَّ يُخْرِجُ نِصْفَ العُشْرِ مِن قِيمَتِها.
وكَذلكَ إذا
باعَ ثَمَرَهُ عَلَى رُؤُوسِ النخلِ، وقَدْ بَلَغَت نِصابًا، فإنَّهُ
يُخْرِجُ الزكاةَ مِنْ قيمَتِها.
وَيَجُوزُ
للبائِعِ أن يَشْتَرِطَ على المشتري إِخْراجَ الزكاةِ لأنَّ المسلمينَ على
شُروطِهِم.
ثُمَّ اعلَمُوا
يا عبادَ الله: أنَّ الزكاةَ في الخارِجِ مِنَ الأرضِ خاصَّةٌ في الحُبُوبِ
والثمارِ، مِمّا يُكالُ ويُدَّخرُ وكانَ قُوتًا، كالبُرِّ والشَعِيرِ والأَرُزِّ
والنخيلِ والعِنَبِ. لأنَّ العِنَبَ يُجْعَلُ زَبيبًا.
وأما
الفَواكِهُ والخُضْراواتُ، كالبُرْتُقالِ والْمِشْمِشِ والتِّينِ والرُّمَّانِ
والطَّمَاطِمِ والبَصَلِ والبِطِّيخِ والكُراثِ والخَسِّ والبَقْدُونُسِ
والجَرْجِيرِ والبَطاطِسِ وما شابَهَها فإنه لا زكاةَ فيها. وأَفْتَتْ اللَّجْنَةُ
الدائِمَةُ لِلْإفْتاءِ أَنَّه لَيْسَ في الزَّيْتُونِ والعَسَلِ زكاةٌ.
ثُمَّ اعلَمُوا
يا عبادَ اللهِ أنَّ ما أنفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ سواءً كانَ مِنَ الزكاةِ
الواجِبَةِ أو الصَّدَقَةِ المستَحَبَّةِ، فإنَّه لا يَضِيعُ عِندَ الله، بَلْ
يَزُيدُكَ بِسَبَبِهِ ويُباركُ لَكَ في الدنيا، ويَدَّخِرُهُ لكَ عنده يومَ
القيامة، قال تعالى: ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ
فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ).
ويَكْفي
في ذلكَ قَوْلُ اللهِ تعالى في الحديثِ القُدْسي: ( يا
بنَ آدمَ: أَنْفِقْ، أُنْفِقْ عَلَيك ). فَيَا لَهُ مِنْ ضَمانٍ يَأْتِيكَ
مِمَّنْ بِيَدِهِ خَزائِنُ السَّمَواتِ والأَرْضِ، ما دُمْتَ تُنْفِقُ في
مَرْضاتِهِ، فلا تَخْشَ على نَفْسِكَ ولا علَى عِيالِكَ الضَّيْعةَ، فإنَّ اللهَ
تَكَفَّلَ لَكَ بالنَّفَقَةِ ما دُمْتَ تُنْفِقُ في وُجُوهِ الخيرِ مُخْلِصًا
بِذلِكَ لِوَجْهِ الله.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي
وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا
تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ
ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة
الثانية
الحمدُ
للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا
إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ،
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عبادَ
اللهِ: ثَبَتَ في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ
اللهُ صلى الله عليه وسلم: ( بَيْنا رَجُلٌ بِفَلاةٍ
مِنَ الأرض، فَسَمِعَ صَوتًا في سَحابَة: اسْقِ حديقةَ فُلان. فَتَنَحَّى ذلكَ
السحابُ، فَأَفْرَغَ ماءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإذا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّراجِ
قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّه، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ
في حديقتِه يُحَوِّلُ الماءَ بِمِسْحاتِه. فقال له: يا عَبْدَالله، ما اسمُك؟ قال:
فلان. لِلاسمِ الذي سَمِعَ فِي السحابة. فقال له: يا عبدَالله، لِمَ تَسأَلْنِي عن
اسمِي؟ فقال: إني سمعتُ صَوتا في السحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حديقةَ
فُلان، لاسمِك. فما تصنعُ فيها؟ قال: أَمَا إِذْ قُلْتَ هذا، فَإِنِّي أَنْظُرُ
إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فَأَتَصدَّقُ بِثُلُثِه، وآكلُ أنا وعِيالِي ثَلُثًا، وَأَرُدُّ
فيها ثُلُثَه ).
فانْظُرُوا
رَحِمَكُمُ اللهُ كيفَ نَزَلَت البَرَكَةُ مِنَ اللهِ على حديقةِ هذا الرجلِ،
واعْلَمُوا أَنَّ مِثْلَ هذِهِ البَرَكةِ لَيسَت خاصةً بِحدِيقَةِ هذا الرجلِ،
بَلْ هي عامةٌ لِكُلِّ مَنْ يَقومُ بِمِثْلِ هذا العَمَلِ، سَواءً كانَ زراعةً أو
تجارةً، أَوْ مُرَتَّبًا يَتَقاضاهُ المُوَظَّف.
اللهُمَّ لَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ
عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا، اللهُمَّ خّلِّصْنا من
حقوقِ خلقِك، وباركْ لنا في الحلالِ من رزقِك، وتوفَّنَا مسلمين وألحقْنا
بالصالحين، اللهُمَّ أصلحْ قلوبَنا وأعمالَنا وأحوالَنا، اللهُمَّ حَبِّبّ إلينا
الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبِنا وكرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلنَا مِن
الراشدين، اللهُمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمين، اللهُمَّ اجمعْ كلمةَ المسلمين على كتابِك
وسنَّةِ نبيِّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهُمَّ اجعلْ كلمتَهم واحدةً ورايتَهم
واحدةً، واجعلْهم يداً واحدةً وقوةً واحدةً على من سُواهم ، ولا تجعلْ لأعدائِهم مِنَّةً
عليهم يا قويُّ يا عزيزُ، اللهُمَّ احقنْ دماءَ المسلمين، اللهُمَّ احقنْ دماءَ
المسلمين، اللهُمَّ انصر المجاهدين في سبيلِك في كلِّ مكان، اللهُمَّ احفظْ
بلادَنا من كيدِ الكائدين وعدوانِ المعتدين ، اللهُمَّ احفظْ بلادَنا مما يكيدُ
لها ، اللهُمَّ احفظْ لهذه البلادِ دينَها وعقيدتَها وأمنَها وعزتَها وسيادتَها،
وأصلحْ أهلَها وحكَّامَها يا أرحمَ الراحمين، اللهُمَّ اغفرْ للمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ. (وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |