الزواج وأهميته
}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ { أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيمِ سُلطَانِهِ ، } فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ ، وَلَاْ نِدَّ وَلَاْ ضِدَّ وَلَاْ ظَهِيْر .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، الْبَشِيْرُ الْنَّذِيْرُ ، والْسِّرَاْجُ المُنِيْرُ ، صَلَى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً إِلَى يَوْمِ الْدِّيْنِ .
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
اَلْزَّوَاْجُ آيَةٌ مِنْ آيَاْتِ اللهِ U ، اَلَّتِيْ تَدُّلُ عَلَىْ عَظَمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ : } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { ، وَلِأَهْمِّيَتِهِ ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ وَشِدَّةِ حَاْجَةِ اَلْمَرْءِ لَهُ ، وَعَدَمِ اِسْتِغْنَاْئِهِ عَنْهُ ، جَعَلَهُ اللهُ U سُنَّةً مِنْ سُنَنِ أَنْبِيَاْئِهِ وَرُسُلِهِ ، يَقُوْلُ U مُخَاْطِبَاً نَبِيِهِ مُحَمَّدٍ r : } وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً { وَفَيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلإِمَاْمُ أَحْمَدُ وَاَلْتِّرْمِذِيُ ، عَنْ أَبِيِ أَيُّوْبَ اَلأَنْصَاْرِيِّ t ، يَقُوْلُ r : (( أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِيْنَ : التَّعَطُّرُ ، وَالْحَيَاْءُ ، وَالْسِّوَاْكُ ، وَالْنِّكَاْحُ )) اَلْنِّكَاْحُ يَعْنِيْ اَلْزَّوَاْج ، بَلْ تَبَرَأَ اَلْنَّبِيُ r ، مِمَّنْ يَسْتَغْنِيْ عَنْهُ ، فِفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَاْلِكٍ t قَاْلَ : جَاْءَ ثَلَاْثَةُ رَهْطٍ إِلَى نِسَاْءِ الْنَّبِيِّ r يَسْأَلُوْنَ عَنْ عِبَاْدَةِ الْنَّبِيِّ r فَلَمَّاْ أُخْبِرُوْا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوْهَا فَقَالُوْا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ الْنَّبِيِّ r قَدْ غُفِرَ لَهُ مَاْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَاْ تَأَخَّرَ؟ فَقَاْلَ أَحَدُهُمْ : أَمَّاْ أَنَاْ فَإِنِّيْ أُصَلِّيْ الْلَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَاْلَ آخَرُ : أَنَاْ أَصُوْمُ الْدَّهْرَ , وَلَاْ أُفْطِرُ , وَقَاْلَ آخَرُ : أَنَاْ أَعْتَزِلُ الْنِّسَاْءَ , فَلَاْ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا , فَجَاْءَ رَسُوْلُ اللَّهِ r فَقَاْلَ : (( أَنْتُمُ الَّذِيْنَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَاْ وَاللَّهِ إِنِّيْ لَأَخْشَاْكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاْكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُوْمُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّيْ وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ الْنِّسَاْءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِيْ فَلَيْسَ مِنِّي )) ، أَيْ مَنْ تَرَكَ طَرِيْقَتِيْ وَأَخَذَ بِطَرِيْقَةِ غَيْرِيْ فَلَيْسَ مِنِّيْ ، يَقُوْلُ شَاْرِحُ صَحِيْحِ اَلْبُخَاْرِيِ : وَطَرِيْقَةُ اَلْنَّبِيِ r اَلْحَنِيْفِيَةُ اَلْسَّمْحَةُ ، يُفْطِرُ لِيَتَقَوَّىْ عَلَىْ اَلْصُّوْمِ ، وَيَنَاْمُ لِيَتَقَوَّىْ عَلَىْ اَلْقِيَاْمِ ، وَيَتَزَوَّجُ لِكَسْرِ اَلْشَّهْوَةِ ، وَاِعْفَاْفِ اَلْنَّفْسِ ، وَتَكْثِيْرِ اَلْنَّسْلِ . وَقُوْلُهُ فَلَيْسَ مِنِّيْ : أَنْ كَاْنَتِ اَلْرَّغْبَةُ بِضَرْبٍ مِنَ الْتَّأَوُيْلِ ، يُعْذَرُ صَاْحِبَهُ فِيْهِ ، فَمَعْنَىْ فَلَيْسَ مِنِّيْ : أَيْ عَلَىْ طَرِيْقَتِيْ ، وَلَاْ يَلْزَمُ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ اَلْمِلَّةِ ، وَأَنْ كَاْنَ اِعْرَاْضَاً وَتَنَطُّعَاً ، يُفْضِيْ إِلَىْ اِعْتِقَاْدِ اَرْجَحِيَةِ عَمَلِهِ ، فَمَعْنَىْ فَلَيْسَ مِنِّيْ : لَيْسَ عَلَىْ مِلَّتِيْ لِأَنَّ اِعْتِقَاْدَ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ اَلْكُفْرِ .
فَشَأْنُ اَلْزَّوَاْجِ ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ فِيْ اَلإِسْلَاْمِ شَأْنٌ عَظِيْمٌ، وَلِفَوَاْئِدِهِ وَمَنَاْفِعِهِ وَحَاْجَةِ الْمُسْلِمِ لَهُ، ذَكَرَ اَلْنَّبِيُ r أَنَّهُ مِنْ مَحْبُوْبَاْتِهِ فِيْ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ ، فِفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ r : ((حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاْكُمْ : اَلْطِّيْبُ ؛ وَاَلْنِّسَاْءُ ؛ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِيْ فِيْ اَلْصَّلَاْةِ )) فَمَحَبَّةُ اَلْنَّبِيِ r لَهُ فِيْ هَذَاْ اَلْحَدِيْثِ ، لَيْسَتْ مِنْ بَاْبِ الْتَّرَفِ أَوْ اَلْنَّشْوَةِ وَاَلْفَرَاْغِ ، إِنَّمَاْ هِيَ لِجَعْلِهِ فِيْ أَوْلَوُيَاْتِ اَلْمُسْلِمِ ، فَلَاْ يُقَدَّمَ عَلِيْهِ شَيْئٌ مِنْ أُمُوْرِ هَذِهِ اَلْدُّنْيَاْ، فَهُوَ أَهَّمُ مِنْ اَلْسَّيَّاْرَةِ اَلْفَاْرِهَةِ ، وَأَهَّمُ مِنْ اَلْشَّهَاْدَةِ اَلْعَاْلِيَةِ ، وَأَهَّمُ مِنْ اَلْوَظِيْفَةِ الْمُنْتَظَرَةِ ، وَوَ اللهِ اَلَّذِيْ لَاْ إِلَهَ غَيْرُهُ ، لَأِنْ يَتَزَوْجَ اَلْمُسْلِمُ أَوْ اَلْمُسْلِمَةُ ، فَيُعِفَّ نَفْسَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ رُكُوْبِ سَيَّاْرَةٍ تَنْقُلُهُ ، يَصِيْرُ بِسَبَبِهَاْ عَبْدَاً مِنْ عَبِيْدِ بَنْكٍ مِنْ اَلْبُنُوْكِ ، أَوْ شَرِكَةٍ مِنْ شَرِكَاْتِ اَلْتَّقْسِيْطِ ، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهَاْدَةٍ يُبَاْهِيْ بِهَاْ اَلْسُّفَهَاْءَ ،أَوْ يَتَطَاْوَلُ بِهَاْ عَلَىْ اَلْجُهَلَاْءِ ، وَلَوْ سَكَنَ فِيْ خَيْمَةٍ مَعَ زَوْجَةٍ ، يَوُدُهَاْ وَتُوِدُّهُ ، وَيَرْحَمُهَاْ وَتَرْحَمُهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ عَلِيْهِ يَوْمٌ وَاْحِدٌ أَوْ لَيْلَةٌ وَاْحِدَةٌ ، عَاْزِبَاً يُصَاْرِعُ غَرِيْزَتَهُ ، وَيُعَاْنِيْ مِنْ فَرَاْغٍ يُمَثِّلُ نِصْفَ دِيْنِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ اَلْنَّبِيُ r فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ : (( إِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ فَقَدْ كَمُلَ نِصْفُ الدِّينِ ، فَلْيَتَّقِ اللهَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي )) يَقُوْلُ اَلْقُرْطُبِيُ : وَمَعْنَىْ ذَلِكَ أَنْ اَلْنِّكَاْحَ يُعِفُّ عَنْ اَلْزِّنَيْ ، وَاَلْعَفَاْفُ أَحَدِ اَلْخَصْلَتِيْنِ اَلْلَّتِيْنِ ضَمِنَ رَسُوْلُ اللهُ r عَلِيْهِمَاْ اَلْجَنَّةَ فَقَاْلَ r: (( مَنْ وَقَاْهُ اللهُ شَرَّ اَثْنَتِيْنِ وَلَجَ اَلْجَنَّةَ، مَاْ بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَاْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ )) .اَلَّذِيْ بَيْنَ اَلْلَحْيَيْن: اَلْلِّسَاْنُ ، وَاَلَّذِيْ بَيْنَ اَلْرِّجْلَيْن : اَلْفَرْجُ .
فَقَضِيَّةُ اَلْزَّوَاْجِ ، هِيَ اَلْقَضِيَّةُ اَلْأُوْلَىْ فِيْ حَيَاْةِ اَلْمُسْلِمِ ، لَاْ يَنْبَغِيْ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَاْ شَيْئٌ ، وَخَاْصَةً فِيْ هَذَاْ اَلْزَّمَاْن ، اَلَّذِيْ نَعُوْذُ بِاْللهِ مِنْ شَرِّهِ ، لِاْمْتِلَاْئِهِ بِالْفِتَنِ وَاَلْمُغْرِيَاْتِ ، وَمَاْ يُثِيْرُ اَلْغَرَاْئِزَ وَاَلْشَّهَوَاْتِ ، وَاَلَّتِيْ ـ مَعَ اَلْأَسَفِ ـ لَاْ يُدْرِكْ خَطَرَهَاْ ، وَلَاْ يَسْتَشْعِرْ عَظِيْمَ ضَرَرَهَاْ ، إِلَّاْ مَنْ عَاْنَىْ وَيْلَاْتِهَاْ ، وَتَجَرَّعَ غُصَصَ تَبِعَاْتِهَاْ ، وَإِنْ تَعْجَبْ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ ، فَاعْجَبْ مِنْ رَجُلٍ يَأْوِيْ إِلَىْ زَوْجَتِهِ فِيْ كُلِّ لَيْلَةٍ ، وَلَكِنَّهُ إِذَاْ جَاْءَ خَاْطِبٌ لِابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ ، أَخَذَ ـ اَلْظَّاْلِمُ ـ يَشْتَرِطُ وَيَضَعُ اَلْعَرَاْقِيْلَ مِنْ عُمُرٍ وَشَهَاْدَةٍ وَوَظِيْفَةٍ وَرَاْتِبٍ وَحَسَبٍ وَنَسَبٍ ، وَاعْجَبْ مِنْ إِمْرَأَةٍ تُعْلِنُ حَاْلَةَ اَلْطَّوَاْرِئِ فِيْ بَيْتِهَاْ ، عَنْدَمَاْ يَحِيْنُ مَوْعِدُ مَجِيْئِ زَوْجِهَاْ ، إِسْتِعْدَاْدَاً لَهُ ، وَتُقِيْمُ اَلْدُّنْيَاْ وَتُقْعِدُهَاْ ، لَوْ أَرَاْدَ أَنْ يَحْضَىْ زَوْجُهَاْ بِشَرِيْكَةٍ لَهَاْ ، تُشَاْرُكُهَاْ فِيْ غَرِيْزَتِهِ ، وَلَكِنَّهَاْ ـ اَلْظَّاْلِمَةُ ـ تَكُوْنُ سَبَبَاً رَئِيْسَاً ، فِيْ تَعْقِيْدِ وَتَأْخِيْرِ زَوَاْجِ اِبْنَتِهَاْ أَوْ اِبْنِهَاْ أَحْيَاْنَاً .
فَهَؤُلَاْء اَلْظَّلَمَة ، وَمَاْ أَكْثَرُهُمْ فِيْ اَلْمُجْتَمَعِ ، هُمْ اَلَّذِيْنَ جَعَلُوْا اَلْزَّوَاْجَ ، أَمْرَاً مُعَقَّدَاً وَصَعْبَاً بَلْ وَمُسْتَحِيْلَاً عَنْدَ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْفِتْيَاْنِ وَاَلْفَتَيَاْةِ . وَتَسَبَبُوْا فِيْ اِنْحِرَاْفِ وَشُذُوْذِ وَفَسَاْدِ بَعْضِهِمْ .
وَأَنَاْ أَقُوْلُ ظَلَمَةٌ وَأُؤَكْدُ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُمْ فِعْلَاً ظَلَمَةٌ بِمَعْنَىْ اَلْكَلِمَةِ ، وَهَلْ هُنَاْكَ ظُلْمٌ أَعْظَمُ مِنْ اَلْحَيْلُوْلَةِ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِ وَحَقٍ مِنْ حُقُوْقِهِ ، بَلْ ظُلْمِهِمْ ظُلْمٌ عَظِيْم ، وَهُمْ عَلَىْ خَطَرٍ أَكِيْدٍ ، يَقُوْلُ U: } وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ { وَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ r : (( اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
أَيْهَاْ اَلْإِخْوَة :
يَقُوْلُ r فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( عُذِّبَتْ امْرَأةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْهَاْ حَتَّىْ مَاْتَتْ فَدَخَلَتْ فِيْهَاْ اَلْنَّاْرَ ؛ لَاْ هِيَ أَطْعَمَتْهَاْ وَسَقَتْهَاْ إِذْ حَبَسَتْهَاْ ، وَلَاْ هِيَ تَرَكَتْهَاْ تَأْكُلُ مِنْ خَشَاْشِ اَلأَرْضِ )) فَكَيْفَ بِمَنْ عَذَّبَ فَلِذَةَ كَبِدِهِ ، وَثَمَرَةَ فُؤَاْدِهِ ، وَتَسَبَّبَ فِيْ أَمْرَاْضٍ نَفْسِيَّةٍ ، وَانْحِرَاْفَاْتٍ أَخْلَاْقِيْةٍ ، وَمُخَاْلَفَاْتٍ دِيْنِيْةٍ :
أَبَتَـاْهُ مَــاْ ذَنْـبِـيْ وَمَاْ اَلاِجْــرَاْمُ
وَبِــأَيْ ذَنْـــبٍ تُـقْطَـعُ اَلْاَرْحَـــاْمُ
أَبَتَـاْهُ إِنَّ اَلْشَّيْـبَ قَـاْرَفَ مَفْـرِقِـيْ
وَتَتَاْبَعَـتْ مِـنْ عُـمْـرِيَ الاَعْـوَاْمُ
أَبَتَـاْهُ مَـاْبـِيْ جَـوْعَــةٌ فَتـَسُــدُهَـاْ
كَـــلَّاْ وَمَـاْبــِي عِــلَّــةٌ وَسِـقَـاْمُ
لَـكِـنَّ لِـيْ اَمَـلَاً إِلـَـىْ مُسـتـَقْـبـَلٍ
مِــنْ قَـبـْلِ أَنْ تـَتـَـصَـرَّمَ اَلاَيـــَّاْمُ
أَرْنُوْ إِلـَىْ زَوْجٍ يُوَاْسِـيْ رَوْعَـتِـيْ
وَيَكُوْنُ لـِيْ فِـيْ الْنَّاْئِبـَاْتِ حُسَـاْمُ
أَرْنُوْ إِلـَىْ طِـفْـلٍ أُقَـبـِّـلُ ثـَغْـرَهُ
وَإِذَاْ اِشْتَكَـىْ بَيـْنَ اَلْضُّلُـوْعِ يَنـَاْمُ
إِنَّ اَلْـشَّـبَـاْبَ إِذَاْ تـَوَلـَّـىْ غَـــدْوَةً
عِـنــْدَ اَلْـــرَّوَاْحِ تـُبـَدَّدُ اَلاَحْلَاْمُ
وَيَكُوْنُ حَقَّاً مَـاْ خَشِيْـتُ وَيَنْثَنـِيْ
عُـوْدُ اَلْشَّـبـَاْبِ وَتَكْـثـَرُ اَلاَوْهَـاْمُ
مَـاْلــِيْ أَرَىْ لِلْجَاْهِـلِـيْـةِ صَــوْلَــةً
وَلَـهـَاْ بـِأَيـْدِيْ اَلْوَاْئِـدِيـْنَ زِمَـاْمُ
أَوَمَاْلُنـَاْ فِـيْ اَلْعَاْلَمِيـْنَ شَــرِيـْعَـةٌ
يـَهْـدِيْ إِلـَـىْ تَطْبِيْقِـهَـاْ اَلاِسْـلَاْمُ
يَاْمَنْ تَسُوْقُوْنَ اَلْبَنَاْتِ إِلَىْ اَلْرَّدَىْ
وَأْدُ اَلْبـَنـَاْتِ وَعَضْـلـُهـُنَّ حَرَاْمُ
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ ضَاْلَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَيُصْلِحَ شَأْنَنَاْ أَجْمَعِيْنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
وَمِمَّاْ يَدُلُ عَلَىْ أَهَمِيَّةِ اَلْزَّوَاْجِ ، اِعْتِنَاْءُ اَلْدِّيْنِ فِيْهِ ، وَأَمْرُهُ بِهِ ، وَبَيَاْنُ آدَاْبِهِ وَأَحْكَاْمِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ ، قَوْلُ اللهِ U : } وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { يَقُوْلُ أَبُوْ بَكْرٍ اَلْصِّدِيْق t : أَطِيْعُوْا اللهَ فِيْمَاْ أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ اَلْنِّكَاْحِ ، يُنْجِزُ لَكُمْ مَاْ وَعَدَكُمْ مِنْ اَلْغِنَىْ ، وَيَقُوْلُ اِبْنُ مَسْعُوْدٍ t : إِلْتَمِسُوْا اَلْغِنَىْ فِيْ اَلْنِّكَاْحِ ، وَكَمَاْ جَاْءَ عَنْهُ r فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ : (( ثَلاَثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ U عَوْنُهُمُ : الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) .
وَلِأَهَمِّيْةِ اَلْزَّوَاْجِ ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ تَحْدِيْدُ شُرُوْطِ اَلْمُوَاْفَقَةِ عَلِيْهِ ، وَبَيَاْنُ اَلْمَفَاْسِدِ اَلْمُتَرَتِّبَةِ عَلَىْ عَرْقَلَتِهِ وَتَعْقِيْدِهِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْحَسَنِ ، يَقُوْلُ r : (( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )) .
فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ وَلْنُدْرِكْ أَهَمِّيَةَ اَلْزَّوَاْجِ وَنَتَعَاْوَن عَلَىْ تَيْسِيْرِهِ ، وَاَلْقَضَاْءِ عَلَىْ أَسْبَاْبِ تَعْقِيْدِهِ وَتَأْخِيْرِهِ ، يَقُوْلُ U : } وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { .
أَسْأَلُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً ، وَعَمَلَاً لِوَجْهِهِ خَاْلِصَاً ، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ، وَتَوْبَةً نَصُوْحَاً إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
الْلّهُمَّ تَوْلَّنَاْ أَجْمَعِيْنَ بِحِفْظِكَ ، وَمُنَّ عَلَيْنَاْ بِعَفِّوْكَ وَعَاْفِيَتِكِ ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَاْدَةً لَنَاْ مِنْ كُلِ خَيْرٍ ، وَالمَوْتَ رَاْحَةً لَنَاْ مِنْ كُلِ شَرٍ ، وَآتِ نُفُوْسَنَاْ تَقْوَاْهَاْ ، وَزَكِّهَاْ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاْهَاْ ، أَنْتَ وَلِيُّهَاْ وَمُوْلَاهَاْ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاحِمِيْن
اَلْلَّهُمَّ اَنْصُرِ الإِسْلَاْمَ وَأَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ وَاحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنِ ، اَلْلَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَاْ اَلْبَلَدِ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ أَنْ تَنْصُرَ عِبَاْدَكَ اَلْمُؤْمِنِيْنَ ، وَأَنْ تُذِلَّ اَلْشِّرْكَ وَاَلْمُشْرِكِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُوْدِ اَلْمُعْتَدِيْنَ ، وَأَذْنَاْبِهِمْ اَلْحَاْقِدِيْن ، وَمَنْ كَرِهَ اِلإِسْلَاْمَ وَاَلْمُسْلِمِيْنَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |