والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير , هو ربنا وإلهنا ومولانا فنعم الْمولى ونعم النصير ، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه أزكى صلاة وأتم سلام إلى يوم المصير ، أما بعد
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) .
أيها المؤمنون : ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟
( بلى والله ) كل واحد منا يحب أن تغفر ذنوبه , وتكفر سيئاته , وتستر زلاته .
عباد الله : أنتم في شهر الغفران الذي تفتح فيه أبواب الجنان وينادي منادي الرحمن يا باغي الخير أقبل , (( وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ )) ورسولكم صلى الله عليه وسلم يقول : ( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ) [حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وغيرهم ] .
دعاءٌ بالذلة والمهانة والصغار على من لم يحصل على المغفرة في رمضان , لأن أسباب الغفران كثيرة في رمضان . غبنٌ والله وحسرةٌ وندامةٌ وخزيٌ وخسران أن يخرج رمضان ولم تنل الغفران .
عباد الله : احمدوا ربكم ، فربكم غفور وغفار ، وعفو وتواب , يحب أن يغفر لكم , ويريد أن يتوب عليكم (( يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ )) لا يريد أن يعذبكم ، بل يريد نجاتكم وسعادتكم وفوزكم ، (( يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ )) ، لذا تفضل عليكم برمضان وفضائله ورحماته ، وجعله فرصة ذهبية سنوية لتحصيل الغفران .
فيا باغي الغفران أقبل ، ويا طالب الجنان سارع وسابق (( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ )) (( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ )) (( وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً )) ، في الحديث القدسي يقول الله تعالى : (( يَا عِبَادِي, إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا, فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ )) رواه مسلم , ( فَاسْتَغْفِرُونِي ) أي : اطلبوا مغفرتي بأسبابها . وفي الحديث القدسي الحسن : (( يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ))
عباد الله : عيشوا أيام وليالي شهركم بقلوب التائبين المنيبين المستغفرين. واجعلوا أكبر همومكم تحصيل الغفران والعتق من النار .
اجعلوا رمضان أواناً للاعتذار من الزلل والتقصير والإسراف في الأمور .
فيا من أطلت البعد عن الله , رمضان شهر التوبة والرجوع إلى الله
يا مسرفاً على نفسه بالمعاصي , رمضان أوان الندم والإقلاع وهجر السيئات .
يا من هجرت الطاعة رمضان أوان المصالحة وتجديد العهد مع الله .
يا مبتلاً بالمعصية ، اطلب العون من الغفور التواب للتوبة , وابذل الأسباب .
يا كل عباد الله المؤمنين : رمضان شهر الصبر , فصبّروا النفس عن المعاصي , وصوموا عن شهوات النفس المحرمة وهواها , لتدركوا عيد فطر مُختلف عند لقاء ربكم , فذلكم والله هو الفوز العظيم (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، وصبّروا النفوس على الطاعة وأكثروا من الصالحات فـ (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )) (( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ))
رمضان كنز من كنوز الآخرة , وفرصة لا تقدر بالأثمان قد لا تعود للبعض منا , فيا من ترجون الله والدار الآخرة , لا تكونوا كمن قاله الله فيهم : (( كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ )) فلا تذروا الآخرة بتضييع موسم رمضان وعدم تحصيل الغفران ، فذل وصغُر وهان ، من لم يحصل الغفران في رمضان .
صوموا رمضان بشرطيْه : ( الإيمان والاحتساب ) لتنالوا الغفران وقوموا رمضان وليلة القدر كذلك ، لتغسلوا أجسادكم من الآثام ، ولله عتقاء من النار كل يوم وليلة من رمضان فلا تفتروا عن طلب العتق والفكاك للرقاب في ليلكم ونهاركم وربكم واسع المغفرة , واسع الرحمة عفو يحب العفو ويقبل المعذرة والتوبة (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ )) .
اللهم إنا نعوذ بك من الذل والهوان والحرمان والنقصان . اللهم اجعلنا من طلاب الآخرة ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
|