أعمال قلبية بين يدي رمضان
29/ شعبان/ 1435هـ
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) ، أما بعد:
أيها المسلمون : ( أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ) [حديث صحيح . أخرجه النسائي ].
بهذه الكلمات بشّر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بقدوم رمضان ، ليفرح القلوب ويدخل البِّشر على النفوس ، فافرحوا عباد الله واستبشروا بقدوم شهر الفضائل والرحمات (( قُلْ بًفَضْلً اللّهً وَبًرَحْمَتًهً فَبًذَلًكَ فَلْيَفْرَحُواْ )) ، فضل عظيم ، بل فضائل وأفضال ، ورحمة واسعة بل رحمات ونفحات متنوعة في رمضان :
( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) .
( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) .
(( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )) .
في كل ليلة من رمضان لله عتقاء من النار .
للصائم دعوة لا ترد .
الصوم لله الجواد الغني الكريم ويجزي عليه بغير حساب .
تفتح أبواب السماء والجنة والرحمة ، وتغلق أبواب النار .
تُغل الشياطين ومردة الجن من أول دخوله فيضعف سلطانهم على عباد الله المؤمنين .
أفلا يَفرَحُ عبادُ الله بمثل هذه الفضائل والنفحات ، بلى والله ، قلوب المؤمنين تمتلئ فرحا ، وتفرح أشد الفرح ، وهذا الفرح هو عنوان إعمالِ القلوب وأعمالٍها بين يدي رمضان .
أيها المسلمون : ، لننظر يا عباد الله ما الذي سيُرفع إلى رب العالمين من أعمالنا القلبية في آخر أيام شعبان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العباد ، وربنا ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا ، وأعمال القلوب أساس صلاح أعمال الجوارح ومَبْعثُها .
أيها الناس : من أعمال القلوب التي يرضاها الله لنا ، وترفع إليه ضِمن أعمالنا بين يدي رمضان : الإيمان بفريضة الله (الصيام) على عباده (( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )) ، ( مَنْ صَامَ رَمَضانَ إِيِمَاناً ) ، الإيمان بكونِ صيام رمضان ركناً من أركان الإسلام لا يتمّ الإسلام إلا به .
فيا أيها الذي آمنوا : استشعروا هذا الإيمان الذي في قلوبكم ، وحدّثوا به النفس ليتجدد ويقوى .
ومن مقتضيات هذا الإيمان تسليم القلب واستسلامه وانقياده لهذه الفريضة الربانية ، وانشراحه بها .
ومن مقتضيات الإيمان أيضا : محبته لهذه الفريضة ، فالمحبة من أركان التعبّد ، ومن شروط صحة الإيمان ، والله يُحب الصيام ، فأحبّوا فريضة الصيام وأحبّوا رمضان يا أهل الإيمان .
ومن ثمرات هذه الأعمال القلبية ( الإيمان والتسليم والمحبة ) ، قوة الفرح برمضان والفرح به يحبه الرحمن .
عباد الله : ومن الأعمال القلبية التي نقدمها بين يدي رمضان وفي آخر أيام شعبان: النية الصادقة الصالحة الجازمة العازمة على أداء فرض الله كما يحب الله ، وعلى الاجتهاد في العمل الصالح ونيل الفضائل والرحمات . النية الصادقة على مجاهدة النفس في النهار على مشاق الصيام دون ضجر ، مجاهدة النفس في الليل على القيام دون استثقال وملل ، النية الصادقة على الإكثار من تلاوة القران ومن ختماته مع ترتيل وتدبر وعمل ، فالنية عباد الله في أحايين تكون أبلغ من العمل ، فإن كانت صادقة جزى الله عليها فتحا لأبواب التوفيق ، وزيادة في الهدى ، وربما بلغ الله العبد بنيته من الفضائل ما لم يبلغه بعمله .
أيها المسلمون : ومن أعمال القلوب التي نقدمها بين يدي رمضان : تعظيم هذه الفريضة وتعظيم زمانها (( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )) ، ومَنْ عَظَّم الله ، عَظَّم شعائره ، ورمضان من شعائره العظام ، ولعظمة شرف نهار رمضان جُعلت الكفارة المغلّظة على منتهك حرمته بالجماع .
وهذا التعظيم لرمضان يُثمر الاحترام لزمانه ، والأدب مع المعبود العظيم سبحانه الذي من أجله عظم المؤمن رمضان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان تعظيماً لرمضان كما رُوي ، لكن هذا التعظيم لا يحملنا على صيام يوم الشك احتياطاً لرمضان ، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر ، فصيام يوم الشك حرام وعصيان قطعاً لمادة الغلو في الدين ، وكذلك ينهى عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين احتاطاً لرمضان ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه جرياً على عادته لا احتياطا لرمضان .
ومن تعظيم هذا الشهر ، تعلُّم أحكام الصيام والقيام , ليؤدّي الفريضة ويقوم بالنافلة على بصيرة .
ومن تعظيم الشهر الاحتساب في ترائي الهلال لمن له القدرة على ذلك ، فقد كان الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يتعاونون على ترائي الهلال .
اللهم زدنا إيماناً وتسليماً وانقياداً ومحبة وتعظيماً لفريضتك ، اللهم ارزقنا نيةً للخير صادقة صالحة عازمة ، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الدَّائمِ توفيقُه, المتواترِ عطاؤُه وتسديدُه, وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيماً لشأنه، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي لِرِضْوَانِهِ، وَالْهَادِي إِلَى إِحْسَانِهِ، صَلّى اللهُ عَلْيِهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسلّمَ تَسْلِيماً كَثِيْراً إِلَى يِوْمِ لِقَائِهِ . أما بعد:
عباد الله : من الأعمال القلبية التي تقدمونها بين يدي رمضان وتختمون بها أيام شعبان فيرفع إلى ربكم من أعمالكم القلبية ما يحبه ويرضاه : الرجاء والخوف ، الرغبة والرهبة .
رجاء نيل شرف إدراك رمضان , والرغبة في نيل فضائله وهذا الرجاء والرغبة إذا عظما في القلب أثمرا اجتهاداً في الدعاء ببلوغ رمضان والتوفيق فيه للصيام والقيام . ويثمر أيضاً إعداد النفس وتهيئتها للاجتهاد والعمل الصالح ، كالإعداد لتفريغ النفس جزئيا أو كليا للطاعة ، أو بترتيب الوقت بطريقة مناسبة يكون معها الالتزام والإنجاز.
أما الخوف عباد الله ، فيخاف المؤمن من أن يُحرم خير رمضان وفضائله بعائق من العوائق ، إما بحضور أجل أو بحدوث مانع من أقدار الله ، فيحمله هذا الخوف على مزيد من الدعاء والتضرع والبكاء ألا يكون من المحرومين .
يقول الله تعالى حاكيا صورة مشابهة لبكائين على فوات طاعة الله : (( وَلاَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ )) ، فاضت أعينهم بالدموع وحزنت قلوبهم لأنهم لن يشاركوا في الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن الله أنالهم أجراً عظيماً بنيتهم الصادقة وحزنهم على فوات الخير .
اللهم بلغنا رمضان ، اللهم بلغنا رمضان، اللهم أنلنا شرف إدراكه ونعوذ بك أن نكون من المحرومين خيره وبركته يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم ارزقنا صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، اللهم وفقنا لاستغلال أيامه ولياليه بالعمل الصالح الذي ترضاه يا حي يا قيوم، واجعلنا فيه من المقبولين يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل شهرك هذا شهر نصر للإسلام والمسلمين وشهر عزة وتمكين للمسلمين في كل مكان، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام وفي بورما وفي العراق، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم تولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم احقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك ويسعون في إطفاء نورك، وأنت المتم لنورك ولو كره الكافرون، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق.
اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ صلاح العريفي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=121
وللمزيد من الخطب السابقة في مناسبة استقبال شهر رمضان تجدها هنا
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=164 |