أهلاً بك يا رمضان
الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأحمد ربي خير حمد وأوفاه، حمدا متتابعا ما تتابع الليل والنهار كلما حمده الحامدون وغفل عن حمده الغافلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أمّا بعد:
فها نحن - عباد الله - في آخر أيام شهر شعبان قد هبّت تباشير رمضان وأقبلت نسائمه وأخذت النفوس تلمس مشاعر الفرحة والسرور بمقدم هذا الضيف الحبيب إلى نفس كـل مؤمن ومؤمنة.. وحُقَّ لكل مسلم أن يفرح بشهر رمضان فإن الفرح بنعمة الله وبفضله هو الفرح المشروع الذي أمر الله به (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)..
إن المؤمن يفرح بشهر رمضان لكونه أعظم الشهور عند الله من حيث مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات والعتق من النار واختصاصه بليلة هي خير من ألف شهر إذ هي خير من ثلاث وثمانين سنة ليس فيها ليلة قدر..
أما الفرح به لكونه شهر المطاعم والمشارب ونوم النهار وسهر الليل على المكروهات والمحرمات واللغو والسيئات فذلك فرح أهل الغفلة والقلوب المريضة..
لذلك يختلف الناس في استقبال رمضان وطريقة استعدادهم له بحسب نوعية نظرتهم إليه، فالذين عظُم إيمانهم وعظمت رغبتهم فيما عند الله واستحضروا الرحلة إلى الدار الآخرة هؤلاء هم الذين وطّنوا أنفسهم على استغلاله بما أوتوا من قوة وعزيمة على التقرب فيه إلى الله بأنواع القُرَب الصالحة..
لذلك يُحدّثون أنفسهم بصيام نهاره إيماناً واحتساباً وبقيام ليله إيماناً واحتساباً لأنهم يتذكّرون قوله عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، ومَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) . ولا يغيب عنهم ذلك الحديث العظيم حينما صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: " آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ "، ثَلاثًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَنَزَلَ ، ذَكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ ، فَقُلْتُ: آمِينَ " . دعاء عظيم مستجاب، معناه إن لم يغفر له في رمضان، ومع هذه الرحمات والمكرمات فمتى يغفر له.
ويُحدّثون أنفسهم بالاستكثار من قراءة القرآن وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار مع تدبّر وتفهّم لأنهم يتذكرون أن رمضان شهر القرآن ؛ كيف لا واللهُ يقول: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
يُحدّثون أنفسهم أن يكونوا من المحسنين بتفطير الصائمين وإعانة المساكين وإغاثة الملهوفين فهو شهر البر والعطاء والصدقات والإحسان تأسياً بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، حيث يكون في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة صلوات الله وسلامه عليه..
يُحدّثون أنفسهم بأن يتوبوا ويصلحوا ما بينهم وبين ربهم فمن لم يتب في رمضان فمتى يتوب ؟! لقد هيّأ الله فرصة التوبة والإنابة في هذا الشهر ليسرع إليه عبادُه صالحُهم وطالحهم بَرُّهم وفاجرهم لذلك يصفد اللهُ سبحانه مردةَ الشياطين ويفتح أبواب الجنة ويغلق أبواب النار كل ذلك ليكون عوناً للعباد على أنفسهم وأهوائهم..
يُحدّثون أنفسهم أن يحفظوا شهرهم كله من المعاصي والفسوق ويقلعوا عنها سواء في ليلهم أو نهارهم لأنهم يعلمون ويتذكرون ويستحضرون أن الصوم لا يقف معناه عند ترك الأكل والشرب والمفطرات وإنما يتجاوز ذلك إلى يَنْضمّ إليه ترك المعاصي والآثام كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ, وَالْجَهْلَ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) ، فصيام الجوارح مما يغفل عنه بعض الصائمين وهو لاشك يُنقص أجر الصائم، كما تقدم في الحديث، وقال جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولتصم جوارحك". فصائمٌ انشغل بالقنوات الهابطة، وصائمٌ انشغل بتويتر والواتساب والفيس بوك، ومواقع النت، وأخذ يستهزئ فيها بمسلم، ويسخر من آخر ويسب عالما، ويغتاب آخر فأيُّ صيام هذا.
عباد الله: أقبلوا إلى ما ينفعكم ويفيدكم، واتركوا ما يضركم، فإنما هي أياما معدودات، وتذّكروا حكمة الصوم وسره الأكبر حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ؛ فشرع الصوم ليكون مدرسة من مدارس التقوى بفعل الأوامر واجتناب النواهي في العلن والإسرار وفي الليل والنهار وفيما يوافق النفوس أو يعارض شهواتها، فاتقوا الله تعالى حق تقواه وراقبوه واحرصوا على نجاتكم ومن تعولون من ذرياتكم، وأحسنوا في صيامكم وقيامكم ليبقى لكم مدخرا عند ربكم .
اللهم أعنا على أنفسنا ووفقنا للعمل الصالح ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، فإنك أنت سبحانك مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وكفى. أَمَّا بَعْد: فيا أيها المسلمون:
إن شهراً بهذه المثابة وموسماً بهذا القدر حريٌ بأن نستعِـدّ له أحسن استعداد ، ومن خير ما يُستعَدّ به لهذا الشهر بتعلم أحكام الصيام والقيام والتفقه فيها ، فإن العبادة لا ينتفع بها صاحبها إلا إذا كانت خالصة لوجه الله وكانت موافقة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: يجب على المسلم أن يعلم بأن الأعمال التي حرَّمها الله في غير الصيام يتضاعف إثمها حال الصيام ، فكل شهر فاضل أو مكان فاضل فإنه تضاعف فيه الحسنات ، وتعظم فيه إثم السيئات ، فسيئة في رمضان أعظم إثماً من سيئة في غيره .
ثالثاً: على المسلم أن يتقي الله وأن يجاهد نفسه وأن لا يسترسل مع شهوة النفس وتزيين الشيطان ، وليحذر من جماع أهله، فإن الجماع في نهار رمضان كبيرة ، وليحذر من ذلك من كان زواجه قريبا، فجعل الشارع فيها كفارة مغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً..
رابعاً: ارحموا نساءكم فما أكثر ما تذهب أوقاتهنّ في رمضان في المطابخ طلباً لتنوّع الأصناف ومبالغة في إرضاء البطون ؛ فارفقوا بهنّ وحثّوهنّ على التلاوة وأنواع الطاعة وأعينوهُنّ..
وفي المُقابِل: عليكم بالأخذ على أيديهن حتى لا يكثرن الخروج إلى الأسواق في ليالي هذا الشهر إلا لحاجة ، فإنه إذا لم يحزم الرجل تفلّتتِ المرأة وذهبت أوقاتها في الأسواق شراء وتبديلاً أو ذهاباً وجيئة دون غاية نافعة ؛ وإنْ خرجنَ فليخرجن غير متطيبات ولا متبرجات بزينة ، فما أكثر المناظر التي تبكي لها الفضيلة وتذرف لها عيون العفة والحشمة..
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك أن تبلغنا رمضان وأن ترزقنا صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم ارزقنا صيامه وقيامه إيمانا واحتساباً يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا فيه من المقبولين، وافتح لنا أبواب الخير والرحمة يا رحمن يا رحيم، اللهم أعنا على عمل الخيرات ولا تكلنا إلى أنفسنا يا رب العالمين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنّا في الأوطان والدور، واصرف عنا الفتن والشرور، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم مَنْ أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين. اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ وليد الشعبان تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|