خطبة الاستسقاء بتاريخ 4 /12 /1432
هـ
الحمد لله الحكيم المجيد ، { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ
بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} ، بيده جلَّ وعلا الخفض والرفع ، والقبض والبسط ،
والعطاء والمنع ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، ولا رافع لما خفض ولا خافض
لما رفع ، ولا مباعد لما قرَّب ولا مقرِّب لما باعد ، بيده الأمر جل وعلا خفضاً
ورفعا ، عطاءً ومنعا ، قبضاً وبسطا ، عِزاً وذُلا { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] يعطي ويمنع ، يخفض ويرفع ، يقبض ويبسط ، { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ
خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [النجم:42-45] ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين ، وقيوم
السماوات والأرضين لا معبود بحقٍّ سواه ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وصفيه
وخليله وأمينه على وحيه ومبلِّغ الناس شرعه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
وأصحابه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنين ، أيها العباد : اتقوا الله
تعالى وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه .
ثم اعلموا - رعاكم الله - أن
من أعظم العبودية وأجلِّها شأناً وأرفعها مكانةً عبوديةَ الافتقار إلى الله عز وجل
وشعور العبد بحاجته إلى الله وأنه لا غنى له عن ربه سبحانه طرفة عين ؛ ولهذا فالله
جلَّ علا يبتلي العباد بأنواعٍ من الابتلاءات ، والمؤمن لا يكون الابتلاء في حقه
إلا خيرا ، قال عليه الصلاة والسلام : ((عَجَبًا
لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ
إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) .
وإن من الابتلاء -أيها
المؤمنون- تأخرَ الأمطار وتأخر نزولها وتضرر الماشية والزروع وغير ذلكم بتأخر نزول
الأمطار ، والأمر بيد الله عز وجل والأمر لله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد ؛
فحريٌّ بالعباد - أيها المؤمنون - أن يحقِّقوا عبودية الافتقار لله والذل بين يديه
والانكسار لجنابه سبحانه ، وأن يستشعروا حاجتهم إلى الله وأنَّ فقرهم إليه سبحانه
وتعالى فقرٌ ذاتي من كل وجه ، كما أن غناه سبحانه عن العباد غناء ذاتيٌّ من كل
وجه، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [فاطر:15-16] .
أيها
المؤمنون عباد الله : والله سبحانه وتعالى غنيٌّ عن العباد وعن افتقارهم إليه وعن
ذلِّهم بين يديه وعن دعائهم له ومناجاتهم له ، لا تنفعه جلَّ وعلا طاعة من أطاع
ولا تضره معصية من عصى .
عباد الله :
حريٌّ بالعبد المؤمن أن يقبِل على ربه ومولاه متذلِّلاً منكسرا خاضعاً للرب العظيم
سبحانه يرجو رحمته ويخاف عذابه ، وتأملوا هذه النداءات العظيمة الجليلة المهيبة ؛
نداءات الرحمن سبحانه وتعالى : ((يَا عِبَادِي
كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا
عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي
أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ
فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ
لَكُمْ )) ، ويقول جل وعلا في هذه النداءات العظيمة في حديث أبي ذر في صحيح
مسلم: ((يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ
وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ
كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا
يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ)) .
الله أكبر !! سبحان ربنا الذي وسِع سمْعه
الأصوات سبحانه وتعالى ؛ لو قام العباد الأولون والآخرون الجن والإنس في صعيدٍ
واحد وألحُّوا عليه سبحانه وتعالى بالدعاء لسمع أصواتهم أجمعين دون أن يختلط عليه
صوتٌ بصوت ولا لغةٌ بلغة ولا حاجةٌ بحاجة ، سبحان الحليم ، سبحان الرحيم ، سبحان
العظيم ، سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ، سبحان من يُجير ولا يجار عليه .
أيها
المؤمنون : إنها ساعة عظيمة هذه الصلاة التي شرعت لنا في هذا المقام - مقام تأخر
الأمطار عن وقت نزولها- لنقبِل على الله ، لنلُحَّ على الله ، لنسأل الله ، لنصدُق
مع الله تبارك وتعالى في سؤالنا ومناجاتنا ، والله سبحانه وتعالى لا يستجيب من
قلبٍ لاهٍ غافل .
لنقبِل - عباد
الله - في هذه الساعة المباركة بقلوبنا على ربنا سبحانه وتعالى ولنلح في الدعاء
ولنخلص في المناجاة والسؤال ونحن نطمع في نواله ونرجو فضله وعطاءه ومنّه سبحانه ،
ونحن -أيها العباد- على يقين بقول ربنا تبارك وتعالى : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186] ، وقوله سبحانه : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ } [غافر:60] ، فهو جلَّ وعلا
لا يردُّ عبداً دعاه ، ولا يخيِّب مؤمناً ناجاه ؛ فلنتوجَّه إلى الله سبحانه
وتعالى ولنرفع أيدينا ولنسأل ربنا والله عز وجل لا يخيِّبنا .
اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً ، اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت
غفّاراً ، اللّهمّ إنا نستغفرك إنك كنت غفّاراً ، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ، ربنا
إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، اللهم يا ربنا يا
غفور يا رحيم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه ، اللهم يا
ربنا يا مولانا يا غفور يا رحيم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا ، وما أسررنا وما
أعلنا ، وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ، اللهم يا ربنا
ويا مولانا يا غفور يا رحيم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ،
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من
الظالمين ، اللهمّ رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله
لا إله إلا أنت ، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الحي
القيوم ذو الجلال والإكرام ، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا ، نسألك بكل اسم
هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علَّمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في
علم الغيب عندك أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم يا ربنا يا سميع
الدعاء يا مجيب النداء يا حي يا قيوم يا من لا يردُّ من دعاه ولا يخيِّب من ناجاه
اللهم استجب دعاءنا وحقِّق رجاءنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ،
اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا ، اللهم إنا نسألك
الغيث ، اللهم إنا نسألك الغيث ، اللهم إنا نسألك يا ربنا ومولانا غيثاً مغيثا ،
هنيئاً مريئا ، سحاً طبقا ، نافعاً غير ضار ، عاجلاً غير آجل ، اللهم يا ربنا ويا مولانا
ويا سيدنا يا عظيم يا حليم يا شكور يا محسن يا جواد يا ذا الجلال والإكرام أغث
قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ،
اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا ، اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا ،
اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا ، اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم يا ذا
الجلال والإكرام أن تنزِّل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم سقيا رحمة
، اللهم سقيا رحمة ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق ، اللهم أغثنا،
اللهم أغثنا اللهم أغثنا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار .
عباد
الله : اقتدوا بنبيِّكم صلوات الله وسلامه عليه بقلْبِ
الرداء أملاً ورجاءً في تغيُّر الأحوال ، وأقبِلوا على الله جل وعلا بالدعاء ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، والحمد لله رب العالمين .
|