أجواء وأضواء
الحمد لله الذي إذا } قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ { ، } الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ { ، } يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ { .
أحمده من إله ، لا تدركه الأوهام ولا الظنون ، ولا تناله الآفات ولا المنون ، يعلم ماكان وما يكون ، ومالم يكن لو كان كيف يكون .
وهو العليم أحاط علما بالذي
في الكون من سر ومن إعلان
وبكل شيء علمه سبحانه
فهو المحيط وليس ذا نسيان
وكذاك يعلم ما يكون غدا وما
قد كان والموجود في ذا الآن
وكذاك أمر لم يكن لو كان كيـ
ــف يكون ذا إمكان
اسأله U أن يغفر زلاتنا ، وأن يقيل عثراتنا ، ويعجل توبتنا إنه سميع مجيب .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، الأمين المأمون ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فتقوى الله وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، يقول سبحانه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
أيام الاختبارات ، بأجوائها المخالفة لغيرها من الأيام ، تستدعي ـ أحبتي في الله ـ إلقاء الأضواء ، والتذكير بشيء مما أوجب الله ، والذكرى كما قال تبارك وتعالى : } وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ { ففي هذه الأيام ـ أيها الأخوة ـ تغيرت سلوك وعادات كثير من الناس ، كالسهر ومتابعة الأفلام والمسلسلات ، ومطالعة المباريات ، والجلوس في الطرقات ، وغير ذلك من العادات السيئة ، التي فيها مضيعة لأمر الدنيا والدين ، فغير أكثر الناس من عاداتهم ، بسبب الاهتمام للاختبارات ، بل الذي لم يغيير من عاداته ، يعتبره غيره حالة شاذة ، فينظر إليه نظرة ازدراء ، لأنه ـ في عرف الناس ـ غير حريص على مصلحته ، ولا مبال في مستقبله ، بل بعضهم يعتبره عديم تربية ، نعم ـ أيها الأخوة ـ يعتبرون التربية بالاهتمام بالدراسة ، والحصول على المراتب المتقدمة ، فالضعيف في دراسته ، يلومون أهله لأنهم غير مهتمين بتربيته ، ولكن لو ترك الصلاة ، أو أهمل الواجبات ، وارتكب بعض المنكرات ، فإنهم يقولون الله هو الهادي ، هذا إذا وفقوا إلى إدراك ذلك ، ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن الاهتمام للدراسة جزء من التربية ، فالذي لا يهتم لدنياه لا يهتم لآخرته ، الذي يعجز ويتكاسل عن لقمة عيشة ، وينظر إلى ما في أيدي الناس ، أتجده في قيام الليل أو في صيام التطوع ، أو في صلة الرحم ، أو في نفع المسلمين ، لقد عجز أن ينفع نفسه فكيف ينتظر غيره نفعه ! الشاهد ـ أيها الأخوة ـ أن بعض الناس يهتم بأبنائه فقط أيام الاختبارات ، ومن أجل النجاح ولا سواه ، والنبي r في الحديث الصحيح يقول : (( كُلُكُم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ ، فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ ، والرجلُ راعٍ في أهلهِ ومسؤولٌ عن رعيتهِ ، والمرأةُ في بيتِ زوجها راعيةً ومسؤولةً عن رعيتها )) ويقول r في الحديث الذي رواه أبو داود : (( كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت )) ويقول r في الحديث الذي رواه ابن حبان ، وحسنه الألباني : (( إنَّ الله سائلٌ كلُّ راعِ عمَّا استرعاهُ الله ، حفظَ أم ضيَّعَ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتهِ )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
فاهتمام الأبناء باختباراتهم ، واهتمامنا بهم على أن يكونوا متقدمين في مدارسهم ، أمر مطلوب وقد أشرنا إلى ذلك في علو الهمة وفي الطموح ، ولكننا نريد مثل هذا الاهتمام بأمر الآخرة ، نريد مثله بما خلقوا من أجله ، نريد هذا الحرص المنقطع النظير ، على الوقت من أجل الاختبارات ، نريد مثله أو جزء منه من أجل ما يقربهم إلى الله U ، نريده من أجل العبادة ، من أجل الصلاة ، من أجل صلة الرحم ، من أجل تلاوة كتاب الله ، فهذا وغيره ـ أخي المسلم ـ مما تسأل عنه يوم القيامة أنت وأبناؤك ، ومما تحاسبون عليه ، يقول النبي r في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه الألباني : (( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، و عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه )) هذه من أسئلة اختبار الآخرة ، فهلا أعددت إجابة لها أنت أولا ، ثم من تسأل عنهم يوم القيامة ثانيا ، أم أن حرصك فقط من أجل حطام فان ودنيا زائلة ، من أجل مرتبة أو راتب ، أو من أجل أن لا يقول الناس رسبوا أبناء فلان ، أو حصلوا على تقادير متدنية ، إن كنت كذلك فاسمع لقول الله تعالى : } مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { ويقول U : } منْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا { فأمر الآخرة ـ أخي ـ أهم من أمر الدنيا ، كما قال تعالى : } وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى { فخير الدنيا هذا الذي تحرص عليه ، وهو نجاحهم باختبار بشري ، خير الآخرة هو الخير الحقيقي لك ولهم ، ولا يكون إلا بنجاحهم باختبار الله جل جلاله ، } الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا { فأنتم في هذه الدنيا باختبار ، الفرق بينه وبين اختبار الدنيا ، نتيجته ونهايته ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ، لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن أجواء الاختبارات ، لأجواء ولا أمثل ولا أفضل ولا أروع منها لو كان لمثلها في طاعة الله U ، نتمنى والله ـ أيها الأخوة ـ لو نحافظ على أوقاتنا ونستثمرها بما يقرب إلى الله ، كمحافظتنا عليها واستثمارها في أيام الاختبارات ، نتمنى ـ أيها الأخوة ـ لو نتابع أبناءنا وبناتنا ، ونتفقد أوضاعهم ، ونراقب تصرفاتهم ، كما نراقبهم ونتابعهم ونتفقدهم أيام الاختبارات .
يوجد ـ أيها الأخوة ـ أناس ـ ويشكرون على ذلك ـ فرغوا أنفسهم لأبنائهم من أجل الاختبارات ، فلزموا منازلهم وتركوا استراحاتهم ، حتى أن بعض النساء تتمنى أن السنة كلها اختبار ، لتقر عينها في زوجها الذي يقضي نهاره وليله بين عمله واستراحته وفراشه ، وهناك أيضا بعض النساء تفرغن لبيوتهن وأبنائهن وصرن يتابعن كل حركة وسكنة في المنزل ، فلم يعد للخادمة التي تركت أبناءها في بلادها ، دور في الاهتمام بأبناء غيرها ، ففي الاختبارات يكون الاهتمام لربة البيت التي يتمنى زوجها أن لو صارت السنة كلها اختبارا لتقر زوجته في بيتها ، وترعى شؤون مملكتها .
فهي دعوة صادقة ـ أيها الأخوة ـ فاختبار الآخرة أولى وأهم ، ونتائجه أخطر وأضر ، والاهتمام به آكد وأوجب.
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا جميعا بهذا الدين إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك صلاح أحوالنا ، وسداد أقوالنا ، واستقامة أعمالنا ، وسداد أفعالنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا ، وأن تستر عيوبنا ، وتسدد ديوننا ، وتعافي من ابتليته منا ، يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك عز الإسلام والمسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، وتدمير أعداء الدين .
اللهم من أرادنا في بلادنا بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أيد إمامنا خادم الحرمين بتأييدك ، وانصر به دينك ، وأعلى به كلمتك ، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه ، واصرف عنه بطانة السوء برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|