فضائل الكلمات الأربع
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصَفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومُبلِّغ الناسِ شرعَه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
معاشر المؤمنين - عباد الله- اتقوا الله - تعالى-، واذكروا اللهَ كثيرًا لعلكم تفلحون.
عباد الله.. إنَّ أعظمَ الأعمالِ، وأجلَّ الطاعاتِ وأحبَّها إلى ذي الجلال والإكرام ذِكْرُ اللهِ -تعالى-، ولا سيّما بالكلماتِ الأربعِ التي هي أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ، جاء في "صحيح مسلم" مِن حديثِ سمُرةَ بن جُنْدبٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم قال: ((أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ، لا يضُرُّكَ بأيهنَّ بدأتَ : سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبر)).
معاشر المؤمنين.. هؤلاءِ الكلماتِ حبيباتٌ إلى الرحمنِ –جلَّ وعلا-، بل هي أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وقد رتَّبَ عليهنَّ -جلَّ وعلا- أجورًا كثيرةً، وأفضالاً عميمةً، وخيراتٍ متواليةً في الدنيا والآخرة، والمؤمن المُوفّق مَنْ يَغْنَمُ حياتَه في الإكثارِ من ذِكْرِ اللهِ، ولا سيّما هؤلاءِ الكلماتِ العظيماتِ، يقولُ نبيُّنا عليه الصلاةُ والسلامُ -كما جاء في "صحيح مسلم"-: ((لأنْ أقولَ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، أحبُّ إليَّ مما طلعتْ عليه الشمسُ))، أي: أحبُّ إليَّ من الدنيا كلِّها بما فيها من أنواعِ النِعَمِ، وصنوفِ المِنَنِ، وليتَ قلوبَنا تَعقِلُ ذلك وتَعيهِ.
عباد الله.. ولقد تكاثرتِ الأحاديثُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في تشريفِ هؤلاءِ الكلماتِ، وتَفضيلِهنَّ، وبيان عِظَمِ ثوابِهنَّ وأجرِهنَّ يوم القيامةِ.
جاء في الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هؤلاءِ الكلماتِ مُكفِّراتٍ للذنوبِ، -والمرادُ بالذنوبِ المُكفِّرةِ: الصغائرُ، أما الكبائرُ -عباد الله- فلا بدَّ فيها من توبةٍ-، روى الترمذيُّ في "سُننِه" عن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ بنِ العاصِ -رضي الله عنهما- عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((ما على الأرضِ رجلٌ، يقولُ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، إلاّ كَفّرَتْ عنه ذُنوبَه، ولو كانت مثل زبَدِ البحر))، وفي مثلِ هذا المعنى ما رواهُ الترمذيُّ -أيضًا- من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام للصحابةِ -رضي الله عنهم- وهم يرون الورقَ اليابِسَ يتساقطُ من الشجرةِ: ((إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ))
وممَّا جاء في فضلِ هذه الكلماتِ: ما رواهُ الترمذيُّ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ –رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي إبراهيمَ الخليلَ عليه السلام، فقال: أَقرِأْ أمتكَ منِّي السلام، وأخبرهم أنَّ الجنةَ قيعانٌ، وأنَّها عذْبةُ الماءِ، طيّبةُ الأرضِ، وأنَّ غِراسَها: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ))، فكلما أَكْثَرْتَ -أيَّها المؤمن- من هؤلاءِ الكلماتِ أَكثَرْتَ مِنْ غِرَاسِك في جنّات النعيم.
ومِن فضائلِ هؤلاء الكلماتِ: أنّهُنَّ جُنَّةٌ لقائِلِهنَّ من النّارِ، روى الحاكمُ في "مستدرَكِهِ"، والنَسائيُّ في "عمل اليوم والليلة" عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم انَّه قال: ((خذوا جُنَّتكمْ، قلنا: يا رسول الله، من عدوٍّ قد حضَرَ؟! قال: لا، بل خذوا جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، فإنهنَّ يأتينَ يوم القيامةِ مُنجياتٍ ومُقدِماتٍ، وهنَّ الباقياتُ الصّالحاتُ))، مُنجياتٌ: أيْ: لصاحبهِنَّ من عذابِ اللهِ، ومُقدِّماتٌ: أيْ: لصاحبِهنَّ في عالي المقامات، ورفيعِ الدرجاتِ في جنّاتِ النعيمِ، وهنَّ الباقياتُ الصالحاتُ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا} (الكهف:46).
ومن فضائلهنَّ -عباد الله-: أنَّه لا أحد أفضلُ عند الله من مسلمٍ يُعمَّرُ مُكثِرًا من قولِ هؤلاءِ الكلماتِ، جاء في "المُسند" عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((ليس أحدٌ أفضلُ عند الله من مؤمنٍ يُعمَّر في الإسلامِ يَكثُرُ تكبيرُه، وتسبيحُه، وتحميدُه، وتهليلُه)).
ومن فضائِلِهنَّ -عباد الله-: أنَّهنَّ ثقيلاتٌ في الوزنِ يومَ القيامةِ، روى النَّسائيُّ في "عمل اليوم والليلة" والحاكمُ وغيرُهُما عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّه قال: ((بَخٍ، بَخٍ))، -وهي كلمةٌ يؤتى بها عند الإعجابِ بالشيءِ-، قال: ((بَخٍ، بَخٍ، -وأشار بيده بخمسٍ- ما أثقَلَهُنَّ في الميزانِ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، والولدُ الصالحُ يُتَوفّى للمَرْءِ المسلمِ، فيَحتسِبُه عند الله -جلَّ وعلا-)).
ومن فضائلِ هؤلاءِ الكلماتِ -عباد الله- أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم جعلهُنَّ مُجزِئاتٍ لمَن لم يتمكَّن من حفظِ القرآنِ، أو ثقُلَ عليه حفظُه، فقد جاء في الحديث في "سنن أبي داود" وغيره من حديثِ أبي أَوْفَى أنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَقَال: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ. قَال: ((قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ )). قَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِي؟ قَال: (( قُلِ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي )). فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ )).
عباد الله.. لِنَغْنَمْ وجودنا في الحياةِ، لنُكثِر من ذكرِ اللهِ -جلَّ وعلا-، ولا سيَّما بهؤلاء الكلماتِ العظيماتِ، سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. اللهمَّ اجعلنا لك ذاكرين، ولِنَعمائِك شاكرين، وبطاعتِك عاملين، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله عظيمِ الإحسانِ، واسعِ الفضلِ والجودِ والامتنانِ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى اللهُ وسلّم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله.. اتقوا الله -تعالى-، ثمَّ اعلموا -رعاكم الله- أنَّ هؤلاءِ الكلماتِ الأربعِ مشتملاتٌ على أعظمِ المعاني، وأجلِّ المطالبِ، وأرفعِ المقاصدِ وأنبلِ الأهدافِ.
هؤلاءِ الكلماتِ الأربعِ -عباد الله- هنَّ أفضلُ الكلامِ على الإطلاقِ، وأحبُّه إلى اللهِ -جلَّ وعلا-؛ لأنهنَّ كلماتٍ جمَعنَ أُسسَ الخيرِ، وأعمدةَ الفضيلةِ.
كلماتٌ عليهِنَّ قيامُ دينِ اللهُِ -تبارك وتعالى- فهنَّ أساسُ الطّاعاتِ، ومُشتمِلاتٌ على معاني أسماءِ الحسنى، وصفاتِ اللهِ العُليا كلِّها، ولهذا قال بعضُ أهلِ العلمِ: "لعلَّ هذا هو السرُّ في هذا الفضلِ العظيمِ الذي خُصّتْ به هؤلاءِ الكلماتِ الأربعِ".
فسبحانَ اللهِ: كلمةُ تنزيهٍ وتقديسٍ للهِ -جلَّ وعلا-، وإليها تَرجِع أسماءُ التنزيهِ، كالقدُّوسِ، والسلامِ، والسُّبُّوحِ ونحوِها.
والحمدُ للهِ: كلمةٌ عظيمةٌ فيها إثباتُ جميعِ الكمالاتِ لله -جلَّ وعلا-، فهي كلمةُ ثناءٍ على اللهِ -جلَّ وعلا- وتمجيدٍ له بأسمائِه الحُسنى، وصفاتِه العُليا، ونِعَمِهِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
واللهُ أكبرُ: كلمةُ تعظيمٍ للهِ، فيها إثباتُ عظمةِ اللهِ، وكبرياؤه، وأنَّه -جلَّ وعلا- لا أحدَ ولا شيءَ أكبرُ منه، كما قال عليه الصلاة والسلام لعَدّي -رضي الله عنه-: ((وهل شيءٌ أكبر من الله؟!)).
وأما لا إله إلا اللهُ: فهي أعظمُ هؤلاءِ الكلماتِ، وفيها توحيدُ اللهِ، وإخلاصُ الدينِ له، والبراءةُ من الشركِ، والخلوصُ منه.
ولهذا -عباد الله- يتأكَّدُ على كلِّ مسلمٍ يُحرِّكُ لسانَه بهؤلاءِ الكلماتِ أنْ يستحضرَ معانيهنَّ العظيمات؛ ليكون ذلك أبلغُ في الأثرِ، وأعظمُ في الفائدةِ، فيجمعُ في ذكرِه لربِّه بهؤلاءِ الكلماتِ بين الذكرِ باللِّسان والذكرِ بالقلبِ.
والكيّسُ -عباد الله- مَن دانَ نفسَه، وعمِل لما بعد الموتِ، والعاجِزُ مَن اتْبعَ نفسَه هواها، وتمنّى على اللهِ الأماني.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمدِ بن عبدِ الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب56]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بها عَشْرًا )). ، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمّ عن الخلفاءِ الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ وعليٍّ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدينِ، واحمِ حوزةِ الدينِ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا لِهُداك، واجعل عملَه في رضاك، اللهمّ آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهمَّ أعنَّا على ذكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسْنِ عبادَتِكَ، اللهمَّ اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، إليك أوّاهين، مُنيبين، لك مُخبتين، لك مُطيعين، اللهمَّ إنَّا ظلمنا أنفسَنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا؛ لنكوننَّ من الخاسرين، ربنَّا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
عباد الله.. اذكروا اللهَ يذْكُرْكُم، واشكروه على نعمِه يزدْكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
ملاحظة:
ستكون الأربع الخطب القادمة بإذن الله تفصيل لفضل كل كلمة من هذه الكلمات في خطبة مستقلة لكل كلمة من هذه الكلمات الأربع . لا إله إلا الله ثم سبحان الله ثم الحمدلله ثم الله أكبر . والله ولي التوفيق
|