بل هو خير لكم
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه ، لا معبود بحق إلا أياه ، لا مدني لمن أبعد ولا مبعد لمن أدناه ، القوي الجبار ، العزيز الغفار ، يمهل ولا يهمل ، من استنصره نصره ومن توكل عليه كفاه .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، لا يخيب من رجاه ، ومن قرع بابه أجاب دعاه .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، الحكيم الخبير ، العليم القدير ، من تضرع إليه رحمه ، ومن استهداه هداه .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، ارسله للناس كافة ، فمن أطاعه رشد ، ومن تمسك بسنته هدي ، ومن عصاه عذبه وأشقاه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن تمسك بسنته ، وسار على هديه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم أن نلقاه .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، عملا بوصيته لكم ولمن كان قبلكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا { ، } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا { جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول الله تبارك وتعالى في سورة النور : } إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {
الأفك ـ أيها الأخوة ـ هو اتهام أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بالزنا ، والذين جاءوا به ، جماعة من المسلمين ، كما قال تبارك وتعالى : } عُصْبَةٌ مِنْكُمْ { وسماه الله U أفكا لأنه كذب وبهتان لا أساس له من الصحة ، فأم المؤمنين عائشة طاهرة مطهرة ، أنزل الله بكتابه عشر آيات تثبت براءتها مما نسب إليها واتهمت به من قبل هذه الجماعة الضالة ، التي تبطن الكفر وتظهر الإسلام ، يقول تبارك وتعالى ـ وتأملوا أيها الأخوة هذه الآيات ـ : } إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ، لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ، وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { فأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بريئة مما اتهمها به المنافقون ، بشهادة الله تعالى .
أيها الأخوة المؤمنون :
ويأتي في هذه الأيام ، بعض الرافضة ، عليهم من الله ما يستحقون ، فيطعنون في شرف طاهرة برأها الله من فوق سبع سمواته ، وأثبت براءتها في عدد من الآيات التي تتلى إلى يوم القيامة ، وهي عائشة الصديقة بنت الصديق ، زوجة رسول الله r ، بل أحب زوجاته إليه r ، التي لا تذكر إلا وتذكر البركة معها ، ففي الحديث الحسن الصحيح عند الترمذي ، عن عمرو بن العاص t أن رسول الله r استعمله على جيش ذات السلاسل قال عمرو فأتيته فقلت : يا رسول الله ، أي الناس أحب إليك ؟ قال r : (( عائشة )) يقول عمرو : فقلت : من الرجال ؟ قال r : (( أبوها )) . وفي صحيح البخاري عنها رضي الله عنها أن نساء رسول الله r كُنَّ حزبين : فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله r ، وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله r لعائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله r أخَّرها ، حتى إذا كان رسول الله r في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله r في بيت عائشة .
فكلَّم حزب أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله r يكلم الناس فيقول : من أراد أن يهدي إلى رسول الله r هدية فليهدها حيث كان من بيوت نسائه ، فكلمته أم سلمة بما قلن ، فلم يقل لها شيئاً ، فسألنها فقالت : ما قال لي شيئاً ، فقلن لها : فكلميه ، قالت : فكلمته حين دار إليها أيضاً ، فلم يقل لها شيئاً . فسألنها فقالت : ما قال لي شيئاً . فقلن لها : كلميه حتى يكلمك . فدار إليها فكلمته ، فقال لها : لا تؤذيني في عائشة ، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة .ـ وهذا ايها الأخوة من بركة عائشة ـ قالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله . ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله r فأرسلت إلى رسول الله r تقول : إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر . فكلمته ، فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب ؟ قالت : بلى . فرجعت إليهن فأخبرتهن ، فقلن : ارجعي إليه ، فأبت أن ترجع . فأرسلن زينب بنت جحش ، فأتته فأغلظت وقالت : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة ، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة – وهي قاعدة – فسبتها ، حتى إن رسول الله r لينظر إلى عائشة هل تكلم ؟ قال : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها . قالت : فنظر النبي r إلى عائشة وقال : (( إنها بنت أبي بكر )). وحتى توفي r وهي أحب زوجاته ، ففي الحديث سألته ـ رضي الله عنها ـ فقالت : كيف حبك لي ؟ فقال r : (( كعقدة الحبل )) أي عقدة متينة جدا لا تفك . تقول عائشة فكنت أقول من حين إلى آخر : يا رسول الله : كيف العقدة ؟ طمني ! فيقول عليه الصلاة والسلام : (( على حالها )) .
فتأملوا ـ أيها الأخوة ـ مقدار حب النبي r لعائشة ـ رضي الله عنها ـ وهؤلاء الرافضة ، يبغضونها غاية البغض ، يطعنون في شرفها ، ويحتفلون بمناسبة موتها ، وينعتونها بأم الشرور ، وأنها من شر خلق الله ، يقول أحدهم : اللهم العن الشريره الملعونه المفسدة الطاغية الباغية الكافرة الخارجة الكاذبه بل منهم من يقول ـ والعياذ بالله ـ هي في جهنم ، ويكفي ضلالا بهم ، أنهم يبغضون ما يحب رسول الله r ، بل زوجته r ورضي الله عنها .
أيها الأخوة :
إنهم ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ مع فضلها ومكانتها وحب النبي r لها ؛ يتبرأون منها كما ثبت في كتبهم ، حيث يقولون : وعقيدتنا في التبرئ : أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة:
أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، ومن النساء الأربع: عائشة وحفصة وهند وأم الحكم ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض ، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرئ من أعدائهم ، فهل هناك ـ أيها الأخوة ـ ضلال أعظم من هذا الضلال .
أسأل الله أن يرينا بهم عجائب قدرته .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن لعائشة ـ رضي الله عنها ـ فضل ومكانة لا ينكرهما إلا مغرض ضال مضل ، فهي الفاضلة بشهادة النبي r ، ففي الحديث المتفق على صحته ، يقول r : (( كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن ما يزعمه الرافضة ، وما يقومون به تجاه أم المؤمنين عائشة ، لأمر يستوجبه مذهبهم الباطل ، ويمليه عليهم شياطينهم ، من الجن والأنس ، فهم يتهمون عائشة ويلعنون أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهم ـ ويخونون جبريل ، ويزعمون تحريف القرآن ، وهذا كله ليصلوا إلى أهدافهم السيئة ، ومقاصدهم الخبيثة ، ولكن كما قال تعالى : } لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ { فمن الخير ـ أيها الأخوة ـ فضح هؤلاء أمام الملأ فلا خير في قوم يسبون أمهم ، وكذلك من الخير ـ أيها الأخوة ـ : إجتماع المسلمين الغيورين للذب عن عرض امهم ، وأيضا من الخير : معرفة كثير من المسلمين لعائشة وفضلها ومكانتها ـ رضي الله عنها ـ وخاصة بعض الناشئة الذين صاروا يعرفون المطربات والممثلات والمذيعات أكثر من معرفتهم لنساء النبي r اللاتي يقول الله عنهن : } وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ { .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا في هذا الدين ، إنه سميع مجيب.
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، واحمي حوزة الدين واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم من أراد المسلمين بسوء اللهم اشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل اللهم تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم عليك بمن سب عائشة ، اللهم أرنا به عجائب قدرتك ، وفجأة نقمتك ، وأليم عذابك ، يا قوي يا عزيز . اللهم اجمع كلمة المسلمين ، ووحد صفهم ، وقوي شوكتهم ، واجبر كسرهم ، واخذل عدوهم ، وأعلي كلمتهم ، إنك سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك ، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|