رفقا بالقوارير
الحمد لله المتفرد بالكمال والكبرياء ، والجلال والبقاء ، والعز الذي لا نفاد له ، أحمده من إله ، زحزح همم الأولياء عن السكون إلى العاجلة ، وشرح صدور السعداء لإيثار الآجلة ، ونفذت أقداره في الخلائق ، فكل نفس لما قدر لها عاملة .
إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنا
فأنت الذي تولي الجميل وتكرم
ألست الذي قربت قوما فوافقوا
ووفقتهم حتى أنابوا وأسلموا
فقلت استقيموا منة وتكرما
وأنت الذي قومتهم فتقوموا
لهم في الدجى أنس بذكرك دائما
فهم في الليالي ساجدون وقوم
نظرت إليهم نظرة بتعطف
فعاشوا بها والخلق سكرى ونوم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهله
وسامح وسلمنا فأنت المسلم
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لاشريك له ، ملك كريم غفور رحيم ، يقيل من استقاله ويجيب سائله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، أرسله إلى أمة غافلة ، فبين له حكم كل مشكلة ونازلة ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، صلاة دائمة متواصلة ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U بفعل أوامره ، وترك مانهى عنه ، فهو القائل سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحة أن النبي r كان في سفر وكان معه غلام له أسود يقال له أنجشة يحدو فقال له رسول الله r : (( ويحك يا أنجشة رويدك بالقوارير )) .
فهذه حادثة حدثت في زمن النبي r ، ملخصها أنه r كان في سفر ، ومعه عدد من أصحابه ومعهم مجموعة من النساء ، وهم يسيرون في الطريق ، أخذ أنجشة يحدو أي يغني للأبل ، وكان حسن الصوت ، فأخذت الأبل تتمايل وعلى ظهورها بعض النساء ، فنهاه النبي r قائلا : (( ويحك يا أنجشة رويدك بالقوارير )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول النووي ـ رحمه الله ـ عند شرحه لهذا الحديث : قال العلماء سمى النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها واسراع الانكسار اليها . ثم ذكر أقوال أهل العلم ومنها قوله : معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز وما فيه تشبيب فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه فأمره بالكف عن ذلك
أيها الأخوة المؤمنون :
إننا بحاجة ـ والله العظيم ـ أن نقول : رويدا بالقوارير ورفقا بالقوارير واتقوا الله بالقوارير ، وذلك في كل آن ولحظة ، فإن كان الرسول r لم يأمن على النساء من صوت صحابي جليل اسود ـ كما في الرواية ـ من أصحابه r ، فكيف بحالهن في هذا الزمان مع الأصوات الحسنة ، والأشكال الفاتنة ، ممن يخرجون بأبهى زينة ، وأقرب مسافة ، يتلاعبون بمشاعر النساء ، ويثيرون غرائزهن ، بالكلمة واللحن والحركة .
والله العظيم ـ أيها الأخوة ـ إنه يوجد من النساء من تتلذذ بالرجال وهم عبر شاشاتهم ، بل وصل الأمر ببعضهن بالإفتتان ببعض المشايخ ، وقد لا تصدقون ، وقد يكون قولي لهذا الأمر مرا ، ولكنها الحقيقة التي لابد من قولها ، في أحد المدارس ، معلمة مربية أجيال ، ينتظر منها التربية الحسنة ، وإنتاج الأمهات الصالحات ، تحب شيخا حتى عرفت باسمه ، صارت زميلاتها ينسبنها باسمه ، الفلانية ، ولما سألنها عن : هل استفادت من علمه ؟ قالت : والله ما أدري ما يقول ، ولكن اتابع حركاته طوال الحلقة .
فرويدا بالقوارير .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن ما عليه كثير من النساء اليوم ، لمخالف لما أمر الله به U ، والمشكلة ـ أيها الأخوة ـ أن ذلك صار من المسلمات عند بعض الناس ، تأملوا ـ أحبتي في الله ـ قول الله تعالى : } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى { يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره : ومعنى } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ { قال أي إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد . فإذا كانت المرأة لا تقر في بيتها إلا إذا كانت قد شبعت من الأسواق والمهرجانات والآستراحات والمشاغل والخياطين ومحل الحلويات والمنتزهات وبعض المطاعم ، فهل هذا هو القرار الذي يريده الله U ؟
وأيضا ـ أيها الأخوة ـ قول الله تعالى : } وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ { فإذا كانت إحداهن تنظر إلى ما هب ودب ، من ممثلين ومطربين وبعض المخنثين ـ أعزكم الله ـ فماهو الشيئ الذي تغض بصرها عنه !
فرفقا بالقوارير .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
} وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
خرج عمر بن الخطاب t في عهده كعادته يعس بالليل ، فسمع إمرأة غاب عنها زوجها ، تنشد قائلة : هل من سبيل إلى خمر فأشربها
أم من سبيل إلى نصر بن حجاج
فكانت كلماتها بإذن عمر ! المعروف بحرصه على شعبه ، المتميز بتقواه لربه ، والذي يقول : لو عثرت بغلة بالعراق لخشيت أن يسألني الله عنها ؛ لما لم تسوي لها الطريق ياعمر ؟ فلما سمع نشيد المرأة أجابها بنفسه قائلا : أما وعمر حي فلا .
فلما أصبح بعث إلى نصر بن حجاج ، فجيئ به ، فإذا به رجل جميل له جمة ، فأمر بحلق جمته ، فحلقت ، فصار أجمل من ذي قبل . فأمر به وألبس عمامة ، فصار أجمل . فأمر بإخراجه من المدينة ، فأخرج منها .
إن هذه القصة العجيبة ، التي تعتبر منقبة لعمر t ، تذكرنا ببعض المعجبات في هذه الأيام ، وبأحفاد نصر بن حجاج الذين لا يحصى عددهم ، الموجودين بالقنوات الفضائية ، والمواقع الإلكترونية ، حيث يفعلون كفعل النساء لتحسين هيئاتهم ، وتلميع أشكالهم ، وتجميل صورهم ، وهدفهم نيل أعجاب من نظر إليهم ، ومع الأسف هذا الداء انتقل إلى بعض الصالحين ، وفي قنوات تدعي الإستقامة ، وتزعم الحرص على الفضيلة ، ولكنها تتفنن في عرض أحفاد نصر عن طريق التصوير والإخراج ، حتى صار نصر بن حجاج في كل بيت ، بل وفي بعض غرف النوم ، وفي شاشات الجوال ، وخلفيات الأجهزة ، تتابع برامجه ، وتزار مواقعه ، وتتبادل صوره ، فهي دعوة لكل غيور وغيورة ، ولكل حريص وحريصة ، وكل مسؤول ومسؤولة ، أن يرحل نصر بن حجاج ، بحلق جمته أو بتعميمه أو بإخراجه والسعيد من وعظ بغيره .
ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وفي الحديث الصحيح ، قال e : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا )) . فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم من أرادنا في بلادنا بسوء فاللهم اشغله في نفسه واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره سببا لتدميره يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {
فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . |