القرآن والتفسير في كلمة خادم الحرمين الشريفين
استمعنا جميعاً إلى كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها نيابة عنه سمو الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، في افتتاح المؤتمر العالمي لتحفيظ القرآن الكريم، الذي أُقيم في مكة المشرفة، وهي كلمة عظيمة مناسبة جاءت في محلها، وفيها أن القرآن العظيم هو الدستور الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك الإمام عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، والقرآن الكريم كما هو معلوم أنزله الله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وما قامت هذه الدولة ولا تبقى إلا بتمسكها بهذا القرآن عقيدة وشريعة، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)، وقال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وهذه عقيدة نعتقدها وندين لله بها: أن القرآن العظيم هو دستورنا ومنهجنا، ولن نستبدل به غيره من قوانين الأرض وزبالة الأفكار والأذهان. وجاء في كلمة خادم الحرمين وجوب الأخذ بالتفسير الصحيح لهذا القرآن, وترك التفسير الخاطئ له، وهذا أمر مهم؛ فليس تفسير القرآن العظيم يؤخذ من تصورات الناس وأفهامهم، إنما يؤخذ ممن أوكل الله تفسيره وبيانه إليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقد تكفل الله ببيانه على لسان رسوله فقال سبحانه: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، فالذي أنزله أنزل بيانه على لسان رسوله، وهذا من حفظ الله لهذا القرآن نصاً وتفسيراً، قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وقد تلقى هذا التفسير والبيان للقرآن الكريم عن الرسول الصحابةُ الكرامُ، وتلقاه عنهم التابعون وتابعوهم بالرواية الصحيحة، وتلقته الأمة عنهم جيلا بعد جيل، ودوَّنه أئمة التفسير في تفاسيرهم كالإمام ابن جرير والإمام ابن كثير والإمام البغوي ومَنْ سار على نهجهم من المفسرين مما هو مُدَوَّن في كتب التفسير المعتمدة.
وإن وجوه التفسير المعتمد أربعة:
الوجه الأول: تفسير القرآن بالقرآن، فما أُجمل في موضع فإنه يُفصَّل في موضع آخر، وما أُطلق في موضع فإنه يُقيَّد في موضع آخر، وما جاء عاماً في موضع فإنه يُخصَّص في موضع آخر من القرآن العظيم، فالقرآن فيه المتشابه وفيه المُحْكم وفيه المنسوخ وفيه الناسخ مما هو مدوَّن في كتب أصول التفسير، والراسخون في العلم يردون المتشابه إلى المُحْكم، وأهل الزيغ يتبعون ما تشابه منه ولا يردونه إلى المُحْكم، والله قد ذكر طريقة أهل الزيغ في التفسير ليحذرنا منهم ومن تفسيرهم، وذكر طريقة الراسخين في العلم في التفسير لنسير على طريقهم.
الوجه الثاني: تفسير القرآن بالسنة الصحيحة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
والوجه الثالث: تفسير القرآن بأقوال الصحابة الذين رووا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع: تفسير القرآن بأقوال التابعين الذين رووا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأهل الزيغ في التفسير فرق ضالة كثيرة، منهم الخوارج والجهمية والمعتزلة والباطنية ومَنْ سار على مناهج هؤلاء ممن جاء بعدهم ممن يريد أن يفسر القرآن برأيه وفكره، ويدعو إلى تفسير القرآن من جديد ويقول: «إلى تفسير جديد للقرآن»، يريد بذلك فصل آخر هذه الأمة عن سلفها، وفي هؤلاء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار، وأخطأ ولو أصاب». وإن ما حذَّر منه خادم الحرمين الشريفين من الانحراف في تفسير القرآن الكريم لهو حقيق بالتحذير.
وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعلم الصالح، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
|