مخاطرُ السِّيارات
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له؛ ومنْ يضللْ فلا هاديَ له؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد:- عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الله مبتليكم بالنعم لِيَنظر أتشكرون أم تكفرون, فَقَيِّدوا نعمة الله عليكم بالشكر, وحُسنِ التصرف فيها, لأنها بِالشُّكرِ تزداد وتتمخض نِعَماً, وَبِكُفرِها تَزُول ويكون ذلك مِعوَلاً لِهَدمِها. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾.
ومِن أعظم نعم الله على الناس في أمور دنياهم: السيارات التي جعلها الله وسيلةً لِتنقلهِم وقضاءِ حاجاتِهم, وَحَملِهِم إلى أماكن وديار لم يكونوا بالغيها إلا بِشِقِّ الأنفُس. وقد يسرها الله للناس ويسر قيادتها, حتى قادها الصغير والكبير والعاقل والسفيه, فهل شكرنا هذه النعمة وأحسَنَّا التصرف فيها؟.
ـ من الناس: من جعلها وسيلةً يتنقل بها لقضاء حاجاته الدينية والدنيوية, سواء كان ذلك في عبادة, كالصلاة, والدعوة, وخدمة الوالدين, وصلة الرحم, والذهاب إلى الحج والعمرة. أو في أمور الدنيا كطلب الرزق والترْوِيح المباح. ولم يجعلها لعبة, أو وسيلةَ لهوِ أو مفاخرة. فهذا النوع عرف قدر هذه النعمة, واستغلها كما ينبغي.
ـ ومن الناس: من جعلها وسيلةَ لهوٍ ومباهاة ومفاخرة, وضياعٍ للوقت, ولم يستعملها في الأغراض التي ينبغي أن تُسْتَخدمَ لها. فهذا النوع لم يعرف قدر هذه النعمة ولم يؤدي شكرها. وغالبا ما تكون سببا لغفلة صاحبها, وتضييعه للحقوق الواجبة, كالمحافظة على الصلاة, وخدمة الأهل والوالدين.
ـ ومن الناس: من جعل السيارة وسيلةَ أذية, أو هلاكٍ ودمارٍ, لنفسه ولغيره. سُرْعَةٌ جنونية, وقطعٌ لإشارات المرور, وتفحيط, وترويع للآمنين والغافلين, أو لعبة يتسابق بها مع المتهورين والمستهترين, حتى أصبحت السيارات بأيديهم أداةً للقتل والدمار.
وهذا والعياذ بالله هو كفر هذه النعمة, ونوعٌ من أنواع الفساد, الذي يجب الوقوف أمامه بكل جدية وحزم, لما يترتب عليه من خسائر روحية ومالية, فاقت خسائر الحروب والكوارث. فهي إهلاكٌ للنفس, وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾, وهي أيضا: أذية وترويع وإهلاك للغير, وقتلٌ للأبرياء, وقد شدَّدَ النبي صلى الله عليه وسلم فيما هو أخف ضرراً من هذه السيارات, حيث قال: ( من مَرَّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نِصالِها لا يَعْقِر بِكَفِّهِ مسلمًا ). وقال أيضاً: ( من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه ). فكيف بمن يتعرض للناس بما هو أخطر من ذلك.
ومن المخاطر المتعلقة بحوادث السيارات: وقوف بعض الشباب بسياراتهم في طريق المارة, أو تعطيلُ الآخرين من خلال السير ببطء شديد, مما يعطل الناس في سيرهم, ويسبب الحوادث.
ثم إن السرعة مذمومة مطلقاً حتى ولو كان قائد السيارة كبيراً عاقلاً, لِمَا يترتب على السرعة من مخاطر على النفس أو الغير, من وفاة, أو إصابات, بَعْضُها تكون خطيرة, يحصل بسببها إعاقات أو قطع لأعضاء الإنسان, وبعضها تجعل الإنسان حبيسا على سريره مدى حياته. وغير ذلك من المخاطر التي لا تخفي على كل أحد.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً. أما بعد: أيها المسلمون:
إن النفوس إذا فُقِدَت في هذه الحوادث فإن كان على المتسبب نسبةُ خطأ أو تفريط, لَزِم من ذلك غرامةُ دِيَتِه, حتى ولو كان كافراً فان له دية, وفى قتله كفارة الدية, تُسَلَّم إلى ورثته, يرثونها كما يرثون بقية ماله.
ويترتب على ذلك أيضاً وجوبُ الكفارة حقاً لله تعالى, فكل من قتل نفساً خطأً أو تسبب في ذلك, أو شارك فيه, فعليه الكفارة, فلو اصطدم شخصان, ومات من الصِّدَام رجل في سيارة أحدهما, فان على كل واحد منهما كفارة, لأن الكفارة لا تتبعض, أما الديّة فهي عليهما جميعاً يشتركان فيها.
والكفارة عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا من عذر شرعي, فان أفطر قبل إتمامهما ولو بيوم واحد دون عذر, وجب عليه استئنافهما من جديد.
وهذه الكفارة تتعدّدُ بتعدّدِ الأموات بسبب الحادث فان كان الميّت واحداً فعلى من تسبب شهران, وإن كان الميت اثنين فأربعة أشهر, وهكذا لكل نفس شهران تامان.
فاتقوا الله عباد الله, في أنفسكم, وفي إخوانكم المسلمين في أنفسهم وأموالهم, واتقوا الله في طاعته وطاعة ولاة أموركم, فإن امتثال أنظمة المرور واجبة, لأنها من طاعة ولي الأمر, وطاعة ولي الأمر واجبة إذا لم تكن في معصية الله.
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين، اللهم اهدهم لكل خير وجنبهم كل شر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم فقهنا في دينك، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم أنزل على المسلمين رحمةً عامة وهداية عامةً يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحم حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم وفقّ ولاة أمرنا لما يرضيك، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
خطبة سابقة بعنوان:
تحريم القتل،ووجوب الحزم في عقوبة المفحطين
http://islamekk.net/play.php?catsmktba=93
|