التأريخ الهجري
الحمد لله العظيم القهار ، القوي الجبار ، } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، على فضله المدرار ، وأشهد أن لا إله إلا هو } يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { .
لك الحمد اللهم حمدا مخلدا
على نعم لم تحص عدا فتنفدا
فكم نعمة أوليتنا بعد نعمة
وفتَّحْ بها قد صح من كان أرمدا
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
على المصطفى ما ناح سدم وغردا
كذا الآل والأصحاب أنصار دينه
وأتباعهم ما أطرب العيس من حدا
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد ، المصطفى المختار ، وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار .
أما بعد أيها المسلمون :
تقوى الله U ، وصية الله لكم ولمن كان قلبكم : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ { فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ اعملوا بوصية ربكم لكم ، بفعل أوامره ، واجتناب ما نهى عنه ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً { ، } وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { واعلموا ـ أحبتي في الله ـ أن من نعم الله U على عباده ؛ معرفة أعوامهم ، وشهورهم وأيامهم ، تأمل ـ أخي المسلم ـ لو جهل المسلمون ذلك ! كيف تكون حال المسلم وهولا يعرف يومه ولا شهره ولا عامه ؟
فمعرفة التأريخ ـ الأيام والشهور والأعوام ـ نعمة من أعظم نعم الله U على خلقه.
روى البخاري أنه في عهد عمر بن الخطاب t ، رفع إليه صك ـ أي مستند ـ كتب فيه : لرجل أخر دين يحل عليه في شعبان . فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ، أم التي قبلها ، أم التي بعدها ؟ ثم جمع t الناس ، واتفقوا ـ بعد مشاورات ـ على هذا التأريخ الموجود ، الذي يؤرخ به من ذلك الوقت ، إلى يومنا هذا .
فمعرفة التأريخ الهجري والعمل به نعمة من نعم الله U ، بل هي عبادة ، العمل بالتأريخ ومعرفته عبادة يتقرب بها إلى الله U ، فمن الدين ؛ أن تعمل ـ يا عبد الله ـ بهذا التأريخ وتحتسب أجر ذلك عند الله سبحانه وتعالى ، لأن هذا التأريخ ، يرتبط بالهلال ، وهناك كثير من العبادات ، وكثير من الأحوال الشخصية ، وكثير من المعاملات لا يمكن أن تعرف إلا بمعرفة الهلال ، الذي يعرف من خلاله التأريخ ، فمثلا : الصيام ! متى يصوم المسلم وهو لا يعرف ولا يعمل بالتأريخ ؟ كيف يعرف المسلم عيده ؟ كيف يخرج المسلم زكاته ؟ متى يعرف المسلم بلوغه ومرحلة تكليفه؟ المرأة المعتدة كيف تعرف عدتها ؟ المرأة المطلقة ؟ مواعيد الديون ؟ فترات الإيجار ؟ أمور كثيرة ـ أيها الأخوة ـ لا يمكن أن نقوم بها إلا بمعرفة التأريخ الهجري ، ولذلك من العلماء من أوجب هذا التأريخ ، واستدل بالقاعدة الشرعية ( مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) ، والله U يقول : } يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ { ويقول سبحانه : } هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ { ويقول النبي e في الحديث الصحيح عن ابن عمر t : (( إذا رأيتموه ـ أي الهلال ـ فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا (( .
أيها الأخوة :
ولأهمية التأريخ الهجري ، أجمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على العمل به ، وسموه : التأريخ الإسلامي ، نسبوه إلى هذا الدين العظيم ، الذي لا يقبل الله U من الإنسان غيره : } وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ { بل ـ أيها الأخوة ـ اعتبروه رمزا إسلاميا وربطوه بأعظم حدث في تأريخ المسلمين ، هجرة النبي e ، ذلك الحدث الذي فيه استقل المسلمون عن غيرهم ، وقامت دولتهم ، وظهرت عزتهم ، وقويت شوكتهم .
وإن تعجب ـ أخي المسلم ـ فاعجب من أناس يزعمون حب النبي e ، ويحتفلون بمولده ، ويتقربون إلى الله U بما لم يشرع لهم ، ولكنهم يتركون هذا التأريخ ، ويتبعون النصارى في تأريخهم ، يؤرخون بمولد المسيح عليه السلام ، بل منهم من يفتخر بذلك ، ويعتبره دليلا على ثقافته ، وعلامة على تقدمه !
نعم ـ أيها الأخوة ـ أكثر المسلمين ، بل كل المسلمين ، في غير هذه البلاد ، المعتمد عندهم ، هو التأريخ الميلادي ، لجهلهم بقيمة هذا التأريخ ، ولتأثرهم بعباد الصليب ، ولبعدهم عن توجيهات نبيهم e ، الذي قال في الحديث الذي رواه احمد وأبو داود والترمذي : (( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ )) فعمر بن الخطاب t ثاني الخلفاء الراشدين ، هو من وضع هذا التأريخ ، والمسلم مأمور باتباع سنته t ، وفي اتباع سنته ، إتباع لسنة النبي e فاتقوا الله عباد الله ، وامتازوا بمظاهر دينكم ، وابرؤوا إلى الله من اليهود والنصارى والمشركين وتأريخهم ، فبعض العلماء ، اعتبر ترك التأريخ الهجري ، والتأريخ بالتأريخ الميلادي ، من التشبه بالنصارى ، والرسول e يقول في حديث سنن أبي داود : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) نسأل الله السلامة والعافية .
اسأل الله لي ولكم الفقه في الدين ، والعمل بالكتاب المبين والإقتداء بسيد الأولين والآخرين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
ونحن نتحدث عن التأريخ الهجري ، يجدر بنا أن نشير إلى ذلك اليوم العظيم ، الذي نُجي فيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأُغرق فيه فرعون ، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم رسول الله e المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال : (( ما هذا اليوم الذي تصومونه )) قالوا : هذا يوم نجى الله تعالى فيه موسى وقومه ، وأهلك فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى عليه السلام شكرا لله تعالى ، فنحن نصومه . فقال e : (( فنحن أحق وأولى بموسى منكم )) فصامه وأمر بصيامه .
أيها الأخوة المؤمنون :
فيوم عاشوراء ، الذي هو اليوم العاشر من هذا الشهر ، هو يوم عظيم ، ففي الحديث الذي رواه مسلم ، وهو رواية للحديث السابق ، حديث ابن عباس ، قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه .
هذا اليوم ـ أيها الأخوة ـ يشرع صيامه ، فكما سمعتم صامه النبي e وأمر بصيامه ، فصوموا ذلك اليوم إتباعا لسنة نبيكم واحتسابا للأجر من ربكم ففي الحديث يقول e : (( صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
واعلموا بأنه يستحب لمن أراد أن يصوم عاشوراء ، يستحب له أن يصوم معه اليوم التاسع ، ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : حين صام رسول الله e يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله e : (( فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع )) قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله e .
اسأل الله U أن يجعلني وإياكم من أهل سنة رسوله الكريم ، وأن يحيينا على الإسلام ، ويميتنا على الإيمان ، وأن يجعل عملنا في رضاه ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك أن تنصر عبادك المؤمنين ، وأن تذل الشرك والمشركين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ، والنصارى الحاقدين ، ومن كره الإسلام والمسلمين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم شتت شملهم وأوهن عزمهم ، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك ، وفجاءة نقمتك ، وأليم عذابك ، إنك على كل شيء قدير .
اللهم أحفظ بلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا ودعاتنا ، اللهم وحد كلمتنا وقوي شوكتنا يا رب العالمين ، اللهم من أرادنا في هذه البلاد بسوء اللهم اشغله بنفسه ، ومن حاك لنا كيدا ، فاللهم اجعل كيده في نحره ، ومن دبر لنا شرا فاجعل تدبيره سببا في تدميره يارب العالمين .
اللهم } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|