يوم عاشوراء
إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
عباد الله:
اتقوا الله وأطيعوه, وتقربوا إليه بالأعمال الصالحة وأحبوه, وسيروا على الصراط المستقيم الذي أمركم بأن تسلكوه؛ على وفق ما شرع النبي صلى الله عليه وسلم, وسار عليه صحابته الكرام, والسلف, والتابعون, وتابعوهم بإحسان.
عباد الله:
لقد شرع لنا النبي - صلى الله عليه وسلم- صيام يوم عاشوراء, وهذا اليوم ورد ذكره في القرآن, وجاءت السنة بصومه.
قال سبحانه : { فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ {62} فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ {63} وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ {64} وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ {65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ {66} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {67} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {68}}الشعراء.
كان من شأن هذا اليوم أن الله - عز وجل - أوحى إلى موسى بأن يخرج قومه ومن ءامن به, من ديار فرعون, إلى الأرض المقدسة, بسبب ما يلقونه من فرعون من القتل والاستعباد, كما في قول الله عز وجل : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {5}} إبراهيم.
وقوله:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ {52} فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {53} إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ {54} وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ {55} وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {56} فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {57} وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ {58} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ {59} فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ{60}} إلى قوله:{ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ {66}} الشعراء.
فأظهر الله _عز وجل_ في هذا اليوم لعباده المؤمنين من الحكمة , والنصر, والتأييد, والتمكين أمراً عجيباً, وكذلك أظهر _ سبحانه وتعالى _ من قوَّته, وقدرته, وعزته, وجبروته, ما بهر العقول والألباب, حيث انفلق البحر اثنى عشر طريقاً, كما في قوله تعالى :{ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ {63}} الشعراء.
فعبر موسى وقومه من خلال هذه الطرق؛ التي فتحها الله -عز وجل- من خلال هذا البحر الخضم, فمروا من خلالها, والماء واقف كالجبل, فلما تكامل خروجهم من البحر, ودخل فرعون وقومه على إثرهم, وتكامل دخولهم, أمر الله -عز وجل- البحر فانطبق عليهم, فأغرقهم, فأخذهم الله نكال الآخرة والأولى.
فسبحانه من إله عظيم, ورب كريم, جلت قدرته, وتعالت عظمته, أنجى عباده المؤمنين, وأغرق أعداءه الكافرين, وما أعظم نصره لعباده, إذا قاموا بأمره, وما أقهره لعدوه, إذا بارزه بالعداوة والكفر.
عباد الله :
جرت هذه الأحداث العظام؛ التي ذكرها الله _عز وجل_ في كتابه في عدة سور؛ لنعتبر ونتذكر, ولنعلم أن الله _عز وجل_ ناصر من ينصره, ولو بعد حين, وخاذل أعداءه ولو بعد حين, وجرت هذه الأحداث في العاشر من محرم , فأخذ اليهود يصومونه , وكذلك بعض العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم, صامه وأمر بصيامه, وكان واجباً قبل فرض رمضان , فلما فرض رمضان نسخ وجوبه, وبقي استحبابه والندب إليه, كما في قوله عليه الصلاة والسلام:" أحتسب على الله, أن يكفر السنة الماضية " رواه مسلم.
فصيامه سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم, ورتب هذا لأجر العظيم على صيامه, وأرشد أمته إلى مخالفة اليهود في صومه, فأمرهم بصيام التاسع معه, كما في قوله عليه الصلاة والسلام:" لئن عشت إلى قابل؛ لأصومن التاسع".
وكما نرى أنه أمر بصوم يوم قبله, أو بعده, لتحصل المخالفة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}} الأحزاب.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد, وعلى آله, وأصحابه, أجمعين, أما بعد:
فالناس في صيام عاشوراء, ثلاثة أصناف:
فقوم اتخذوها عيداً ولهواً ولعباً وهزلاً, وهؤلاء هم اليهود, فعاشوراء من أعيادهم البدعية, التي يحيونها كل عام , مع كفرهم وشركهم , وسبهم لله _عز وجل_ ورسله, واتهامهم لله _عز وجل_ بالفقر, وغل الأيدي, وأن لله ولداً, إلى غير ذلك من أمورهم الشركية , فهم قوم غضب الله عليهم, ولعنهم, ومقتهم, مع احتفالهم بهذا اليوم.
وقوم جعلوا هذا اليوم مأتماً, وحزناً, وبكاءً, وعويلاً , وشقاً للجيوب , ولطماً للخدود, ودعاوى الجاهلية , ارتكبوا فيه سائر المنكرات ؛ من سب الله, ورسوله, والصحابة الكرام , ولعنهم, والدعاء عليهم, واستعانوا بغير الله, وفعلوا أفعالاً يتنزه عنها السفهاء, ويمقتهم العقلاء, لا تمت للإسلام بصلة , بل تنزه عنها الشرائع السماوية, ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقوم هداهم الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه, والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, اتبعوا نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم وطبقوا سنته, دون جفاءٍ, أو غلو, أو إفراط, أو تفريط, وتقربوا إلى الله _عز وجل_ بصيام هذا اليوم, استجابة لنبيه, وطلباً لمرضات ربهم , ورجاء ثوابه, فهؤلاء أسعد الخلق إلى قيام الساعة .
قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}}البقرة.
لأن أهل السنة نقاوة أهل الإسلام, عرفوا الحق وعملوا به, وغيرهم جهل الحق وعمل بسواه, فنسأل الله الثبات على السنة.
عباد الله : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً {56}}الأحزاب.
اللهم صلى على محمد, وأزواجه, وذريته كما صليت على إبراهيم, وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعزّ الإسلام وأهله, وأذلّ الشرك وأهله, اللهم انصر دينك وأعلِ كلمتك, وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.
|