نَعِيْمُ اَلْأَبْرَاْرِ وَحَلَاْةُ اَلْإِيْمَاْنِ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَصِيَّةُ رَبِّكُمْ لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ :
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِی جَحِیمٍ ١٤﴾ ، وَالْأَبْرَارُ هُمُ الَّذِينَ اجْتَمَعَتْ فِيهِمْ كُلُّ صِفَاتِ الْخَيْرِ كَالتَّقْوَى وَالطَّاعَةِ وَالصِّلَةِ وَالصِّدْقِ ، يَقُولُ ابْنُ عُثَيْمِينَ - رَحِمَهُ اللهُ - : الْأَبْرَارُ جَمْعُ بَرٍّ ، وَضِدُّهُمُ الْفُجَّارُ ؛ جَمْعُ فَاجِرٍ . وَالْأَبْرَارُ ؛ هُمْ كَثِيرُو الْخَيْرَاتِ ، كَثِيرُو الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ ، كَثِيرُو الصَّدَقَاتِ ، كَثِيرُو الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ . إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ : الَّذِينَ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ بِهِ الْبِرُّ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَفِي مُعَامَلَةِ عِبَادِ اللهِ .
قَالَ تَعَالَى : ﴿لَفِی نَعِیمٍ﴾ ، أَيْ : فِي نَعِيمٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ، يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : وَلا تَحْسَبُ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِی جَحِیمٍ ١٤﴾ ؛ مَقْصُورٌ عَلى نَعِيمِ الآخِرَةِ وجَحِيمِها فَقَطْ ، بَلْ في دُورِهِمُ الثَّلاثَةِ كَذَلِكَ - أَعْنِي دَارَ الدُّنْيا، ودارَ البَرْزَخِ، ودارَ القَرارِ - فَهَؤُلاءِ في نَعِيمٍ، وهَؤُلاءِ في جَحِيمٍ .
وَمِنْ نَعِيمِ الْأَبْرَارِ فِي الدُّنْيَا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ ، الَّتِي مَنْ حُرِمَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا ، يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُحْرَمَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ مَا مَعْنَاهُ : إِنَّ لِلْإِيمَانِ حَلَاوَةً وَطَعْمًا يُذَاقُ بِالْقَلْبِ ، كَمَا تُذَاقُ حَلَاوَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِالْفَمِ ، وَالْقَلْبُ يَتَغَذَّى وَيَقْوَى بِالْإِيمَانِ ، كَالْبَدَنِ يَتَغَذَّى وَيَقْوَى بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَإِذَا مَرِضَتِ الْأَبْدَانُ وَسَقِمَتِ الْأَجْسَادُ ، فُقِدَتْ حَلَاوَةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقُلُوبُ ، لَا تَجِدُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ إِلَّا إِذَا سَلِمَتْ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ ، وَمِنْ أَخْطَرِ أَمْرَاضِهَا ؛ أَمْرَاضُ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ ، وَالشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ .
فَحَلَاوَةُ الْإِيمَانِ ، ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَنَتِيجَةٌ حَسَنَةٌ مِنْ نَتَائِجِ طَاعَتِهِ، بَلْ هِيَ مُكَافَأَةٌ يُكَافِئُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ ، وَتَتَمَثَّلُ فِي رَاحَةِ النَّفْسِ وَطُمْأَنِينَةِ الْقَلْبِ وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ ، وَالاسْتِلْذَاذِ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فِيمَا يُرْضِيهِ سُبْحَانَهُ ، وَإِيثَارِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ أَحَدُ السَّلَفِ : إِنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْها لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ ، وَهَذِهِ الْجَنَّةُ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ هِيَ نَعِيمُ الْأَبْرَارِ وَحَلَاوَةُ الْإِيمَانِ ، وَلَذَّةُ عِبَادَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : فَإِنَّ سُرُورَ الْقَلْبِ مَعَ اللهِ ، وَفَرَحَهُ بِهِ ، وَقُرَّةَ الْعَيْنِ بِهِ ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا أَلْبَتَّةَ ، وَلَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ يُقَاسُ بِهِ ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : إِنَّهُ لَتَمُرُّ بِي أَوْقَاتٌ - أَيْ : مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ وَالنَّعِيمِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ - أَقُولُ فِيهَا : إِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا إِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ.
فَنَعِيمُ الْأَبْرَارِ وَحَلَاوَةُ الْإِيمَانِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - أَطْيَبُ مَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ؛ يُحْرَمُ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ وَمَعَاصِيهِ وَبُعْدِهِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ أَحَدُ السَّلَفِ : مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا ، خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا ، قِيلَ : وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا؟ قَالَ : مَحَبَّةُ اللهِ ، وَالْأُنْسُ بِهِ ، وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَالتَّنَعُّمُ بِذِكْرِهِ وَطَاعَتِهِ .
إِيْ وَاللهِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا مَسَاكِينُ ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ أَطْيَبَ مَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا : الْمَالُ وَالْبَنُونَ وَالنِّسَاءُ وَالشَّهَوَاتُ وَاللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَالْمَلَذَّاتُ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ أَطْيَبَ مَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ؛ فِيمَا يُقَرِّبُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا » ، « ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ » ؛ أَيْ : وَصَلَ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، وَوَجَدَ لَهُ مَذَاقًا لَا يُمَاثِلُهُ مَذَاقٌ ، وَكُلَّمَا قَوِيَ الَإِيمَانُ ، وُجِدَ لَهُ طَعْمٌ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنْ طُعُومِ الدُّنْيَا .
« مَنْ رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا » ؛ أَيْ : رَضِيَ بِشَرْع اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، سَوَاءً كَانَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا ، وَرَضِيَ بِقَدَرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ .
« وَبِالْإسْلامِ دِينًا » ؛ أَيْ : لَا يَتَدَيَّنُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ ،﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ ، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينًا سِوَاهُ : ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ، يَرْضَى بِالْإِسْلَامِ دِينًا ؛ لِأَنَّهُ الدِّينُ الْحَقِيقِيُّ ، الدِّينُ الْوَاضِحُ ، الدِّينُ الصَّحِيحُ لَا الدِّينُ الْمُزَيَّفُ كَدِينِ الرَّافِضَةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ .
« وَبِمُحَمَّدٍ رَسولًا » ؛ أَيْ : مُتَّبَعًا وَإِمَامًا وَمُقْتَدًى بِهِ فِي شَرِيعَتِهِ ، يُطِيعُهُ فِيمَا أَمَرَ ، وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ ، وَيُصَدِّقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ ، وَلَا يَعْبُدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِمَا شَرَعَ ، لَا بِالْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ ، وَلَا بِالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمُسْتَحْسَنَاتِ .
فَمَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الثَّلَاثَ ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ ، وَدَخَلَ فِي نَعِيمِ الْأَبْرَارِ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِیمٍ ﴾ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ »
ثَلَاثٌ فَقَطْ ، لَا ثَلَاثِينَ وَلَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَلَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ ، فَقَطْ ثَلَاثٌ إِذَا وُجِدَتْ فِيكَ وَجَدْتَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ :
الأُولَى : « أَنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا » ؛ أَيْ : أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ مَالِكَ وَمِنْ وَلَدِكَ ، وَمِنْ قَبِيلَتِكَ وَمِنْ تِجَارَتِكَ ، مَحَبَّةً صَادِقَةً خَالِصَةً ، تَقُودُكَ إِلَى الْعَمَلِ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى ، وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا تُقَدِّمُ عَلَى قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ كَائِنٍ مَنْ كَانَ .
الثَّانِيَةُ : « أَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ » ؛ تُحِبُّ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ ، تُحِبُّ أَخَاكَ الْمُؤْمِنَ ، تُحِبُّ أَخَاكَ الصَّالِحَ ، تُحِبُّهُ للهِ لَا مِنْ أَجْلِ مَالِهِ وَجَمَالِهِ ، وَلَا مِنْ أَجْلِ جَاهِهِ وَوَجَاهَتِهِ ، وَلَا مِنْ أَجْلِ مَكَانَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ ، وَلَا مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَةٍ شَخْصِيَّةٍ ، وَلَا مِنْ أَجْلِ مَنْفَعَةٍ ذَاتِيَّةٍ ، فَقَطْ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ أَجْلِ دِينِهِ وَتَقْوَاهُ ، وَمِن أَجْلِ امْتِثَالِهِ لِأَمْرِ اللهِ ، وَمِنْ أَجْلِ تَمَسُّكِهِ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الثَّالِثَةُ : « وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ » ؛ كَكُرْهِكَ أَنْ تُقْذَفَ فِي النَّارِ ، تَكْرَهُ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ وَالْبُوذِيَّةَ وَالْهِنْدُوسِيَّةَ . كَكُرْهِكَ أَنْ تُقْذَفَ فِي النَّارِ ؛ تَكْرَهُ الْعَلْمَانِيَّةَ وَاللِّبْرَالِيَّةَ وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةَ وَالشُّيُوعِيَّةَ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَدْيَانِ الْكُفْرِ وَالإِلْحَادِ .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاحْرِصُوا أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْأَبْرَارِ ، أَهْلِ النَّعِيمِ فِي الدُّنْيَا ، وَفِي الْقُبُورِ ، وَفِي الْآخِرَةِ ، اعْمَلُوا عَلَى تَذَوُّقِ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ بِالْقِيَامِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ ، وَبِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ ، وَصَدَقَةِ السِّرِّ ، وَغَضِّ الْبَصَرِ وَالدُّعَاءِ ، يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : تَفَقَّدُوا الْحَلَاوَةَ فِي ثَلَاثٍ : الصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ ؛ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا فَاحْفَظُوا وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ عَلَيْكُمْ مُغْلَقَةٌ .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَحْرِمَنَا بِسَبَبِ ذُنُوبِنَا فَضْلَهُ ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ ، اللَّهُمَّ لَا تَمْنَعْنَا خَيْرَ مَا عِنْدَكَ بِشَرِّ مَا عِنْدَنَا ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِلتَّوْبَةِ النَّصُوحِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْأَبْرَارِ ، وَلَا تَجْعَلْنَا فِي صُفُوفِ الْعُصَاةِ الْفُجَّارِ ، اللَّهُمِّ أَذِقْنَا حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، وَاحْفَظْنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾.
عِبَادَ اللهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: