اَلْمُخَدِّرَاْتُ آفَةُ اَلْآفَاْتِ
الْحَمْدُ للهِ ، مُعِزِّ مَنْ أَطَاعَهُ وَمُذِلِّ مَنْ عَصَاهُ
، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، حَلِيمٌ عَلَى مَنْ عَصَاهُ ، وَقَرِيبٌ
مِمَّنْ دَعَاهُ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاْهُ
، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ،
بِأَنَّ هُنَاكَ أَخْطَارًا كَثِيرَةً تُهَدِّدُ أَمْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَعْمَلُ
عَلَى الْإِضْرَارِ بِالدِّينِ، مِنْ أَخْطَرِهَا وَأَضَرِّهَا ، وَآكَدِهَا فَتْكًا؛
مَا يُعْرَفُ بِالْمُخَدِّرَاتِ، الْمُخَدِّرَاتُ الَّتِي بُلِيَ بِهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ
، وَتَسَلَّلَتْ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَفَتَكَتْ بِعُقُولِهِمْ وَأَجْسَادِهِمْ ، وَأَفْسَدَتْ
مَبَادِئَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ ، الْمُخَدِّرَاتُ بِأَنْوَاعِهَا وَأَشْكَالِهَا وَأَصْنَافِهَا،
الَّتِي تُوَجَّهُ لِلْعُقُولِ وَالْأَفْكَارِ ، فَتَجْعَلُ الْعَاقِلَ لَا عَقْلَ
لَهُ، وَالْمُفَكِّرَ لَا فِكْرَ لَهُ ، الَّتِي تَسْلُبُ الْإِنْسَانَ كَرَامَتَهُ
، وَالرَّجُلَ رُجُولَتَهُ ، وَتَجْعَلُ الشَّرِيفَ الْعَفِيفَ لَا شَرَفَ وَلَا عِفَّةَ
لَهُ .
الْمُخَدِّرَاتُ -يَا عِبَادَ اللهِ- الَّتِي سَرَتْ فِي دِمَاءِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ
، وَاخْتَلَطَتْ بِهَا ، وَأَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْهَا ، فَحَوَّلَتْهُمْ إِلَى جُثَثٍ
هَامِدَةٍ ، وَأَعْبَاءَ ثَقِيلَةٍ ، بَلْ وَإِلَى مُجْرِمِينَ يُهَدِّدُونَ أَمْنَ
الْمُجْتَمَعِ وَالْأُمَّةِ. وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَللهِ الْحَمْدُ ؛ وُلَاةُ
أَمْرِنَا وَالْقَائِمُونَ عَلَى أَمْنِنَا، لَمْ يَأْلُوا جُهْدًا فِي مُكَافَحَتِهَا
، وَالْحَدِّ مِنْ وُجُودِهَا وَانْتِشَارِهَا، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْتَلِي
عِبَادَهُ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ] أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ
يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ [ ، فَقَدْ فُتِنَ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمُخَدِّرَاتِ ، وَتَوَرَّطُوا
بِأَنْوَاعٍ شَتَّى مِنْهَا ، حَتَّى مَا كَانَ مِنْهَا مَمْنُوعًا فِي بِلَادِ الْكُفْرِ
، صَارَ يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ . وَاللَّاتِي
يَشْتَكِينَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ كُثُرٌ ، فَبِسَبَبِ الْمُخَدِّرَاتِ لَمْ يَتْرُكُوا
لَهُنَّ أَثَاثًا وَلَا حُلِيًّا ، بَلْ مِنْهُنَّ مَنْ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى
عِفَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا. وَاللهِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - إِنَّنَا نَسْمَعُ مَا
يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ، وَمَا يَجْعَلُ الْعَاقِلَ يَسْتَغْرِبُ مِنْ أَشْيَاءَ
تُوجَدُ فِي مُجْتَمَعٍ إِسْلَامِيٍّ مُحَافِظٍ ، لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُجْتَمَعٌ
مِثْلُهُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْمُخَدِّرَاتِ ، الَّتِي مَا انْتَشَرَتْ فِي
مُجْتَمَعٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهُ ، وَنَشَرَتْ فِي أَوْسَاطِهِ الرَّذِيلَةَ ، وَجَعَلَتْ
أَهْلَهُ كَالْحَيَوَانَاتِ ، يَفْتَرِسُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ ، وَيَنْهَبُ الْقَادِرُ
الْعَاجِزَ ، وَيَسْتَغِلُّ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ ، فَكَمْ مِنْ عِرْضٍ هُتِكَ ،
وَكَمْ مِنْ سُمْعَةٍ لُطِّخَتْ ، وَكَمْ مِنْ كَرَامَةٍ رُمِيَتْ فِي التُّرَابِ .
فَلْنَتَّقِ اللهَ أَحِبَّتِي فِي اللهِ ، وَلْنَعْمَلْ عَلَى حِفْظِ شَبَابِنَا
مِنْ هَذَا الدَّاءِ الْخَطِيرِ ، وَالشَّرِّ الْمُسْتَطِيرِ ، وَلْنَتَعَاوَنْ
مَعَ وُلَاةِ أَمْرِنَا الَّذِينَ يَعْمَلُونَ جَاهِدِينَ ، لِمُكَافَحَتِهِ
وَمُحَارَبَتِهِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لَا يُبَالِي بِعُقُولِ
أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِهِ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ:
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ
بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ
وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي
وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى
تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً ،
وَالْخَمْرُ خَطِرَةٌ وَمُضِرَّةٌ ، وَلَكِنَّهَا أَخَفُّ ضَرَرًا وَأَقَلُّ خَطَرًا
مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا ـ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ،
وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ،
وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا )) فَهَؤُلَاءِ مَلْعُونُونَ
بِسَبَبِ الْخَمْرِ أُمِّ الْخَبَائِثِ ، وَمَا لُعِنُوا إِلَّا لِأَنَّ فِيهَا ضَرَرًا
كَبِيرًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : ] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ
نَفْعِهِمَا [ وَالْمُخَدِّرَاتُ أَكْثَرُ وَأَشَدُّ وَأَخْطَرُ ضَرَرًا .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ
، وَأَنْ يَرْزُقَنَا جَمِيعًا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ ، وَالتَّمَسُّكَ بِالْكِتَابِ
الْمُبِينِ ، وَالِاقْتِدَاءَ بِسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ . إِنَّهُ سَمِيعٌ
مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَغْفِرَ ذُنُوبَنَا ، وَأَنْ تَسْتُرَ
عُيُوبَنَا ، وَأَنْ تُصْلِحَ قُلُوبَنَا ، وَأَنْ تُزَكِّيَ نُفُوسَنَا ، وَأَنْ
تُعِفَّ فُرُوجَنَا ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا
الْفِتَنَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، اللَّهُمَّ احْفَظْ عُقُولَنَا وَأَمْوَالَنَا
وَأَبْنَاءَنَا ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا بِسُوءٍ فَاللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ
، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ
يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ . اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا ، وَأَدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَةَ
الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ ، اللَّهُمَّ وَحِّدْ صَفَّنَا ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَنَا ،
وَقَوِّ عَزِيمَتَنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْ لَنَا وَلِيَّ أَمْرِنَا ، خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ
الشَّرِيفَيْنِ ، اللَّهُمَّ مَتِّعْهُ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ ، اللَّهُمَّ أَطِلْ
عُمْرَهُ عَلَى طَاعَتِكَ ، اللَّهُمَّ انْصُرْ بِهِ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ
نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { . فَاذْكُرُوا اللهَ
العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ
اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |