المخدرات المدمرات
الحمد لله ، معز من أطاعه ومذل من عصاه ، لا معبود بحق إلا إياه , المستحق لإخبات القلوب وسجود الجباه ، من تقرب إليه أدناه ، ومن أعرض عن أمره أبعده وأقصاه .
له الحمد والثناء ، وإليه يرفع الدعاء ، ويلجأ إليه في الضراء والسراء ، } وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ { .
عالم السر كاشف الضر يعفو
عن قبيح الأفعال يوم الجزاء
ما على بابه حجاب ولكن
هو من خلقه سميع الدعاء
لذ به أيها الغفول وبادر
تحظ من فضله بنيل العطاء
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، حليم على من عصاه ، وقريب ممن دعاه .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فهو القائل سبحانه : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { فاتقوا الله عباد الله ، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول الله تبارك وتعالى ، مخاطبا لنبيه r : } وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ { أي مهما فعلت ، فلن يرضوا عنك أبدا ، حتى تترك الإسلام وتتبع ملتهم ، أي تصير مثلهم ، ولذلك قال تعالى : } قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ { .
فهذه آية في كتاب الله ، تبين لنا وتوضح ، ماذا عند اليهود ، وماذا عند النصارى لنا نحن المسلمون ، إذا كان النبي r ، الذي ينزل عليه الوحي من السماء ، لن يرضوا عنه ، حتى يتبع ملتهم ، فكيف بنا نحن ؟ كيف بنا نحن ؟
إنهم ـ أيها الأخوة ـ يعملون جاهدين ، ويخططون جادين ، مستخدمين أنواع الأسلحة ، ومستغلين لجميع الأحوال والظروف ، ليصلوا بنا إلى مدلول هذه الآية . يعني حظنا منهم الغضب وعدم الرضا ، ما دمنا متمسكين بإسلامنا ، معتزين بعقيدتنا ، سائرين على نهج نبينا r ، إذا كنا كذلك ، فلن يرضوا عنا ! متى نحوز على رضاهم ، ونحصل على إعجابهم ؟ إذا كنا على عقيدتهم ، إذا كنا متبعين لهم ، إذا كنا يهودا ؛ رضي عنا اليهود ، وإذا كنا نصارى رضي عنا النصارى . أسأل الله U أن لا يتحقق لهم ذلك .
تأملوا ـ أيها الأخوة ـ ماذا يعني الإسلام عند بعض المسلمين ؟ وخاصة عند من تأثر بإخوان القردة والخنازير ، وعباد الصليب ، وأعجب بهم ! لا يعني شيئا .
إنهم ـ أيها الأخوة ـ أعني من قطعوا مشوارا في الطريق إلى رضا اليهود والنصارى ـ ينادون الآن بأعلى أصواتهم ، للقضاء على بعض المظاهر الإسلامية ، ويعملون جاهدين لإيجاد ما يسيء إلى الإسلام في بلاد المسلمين ، كالاختلاط والرياضة وقيادة المرأة ، هدفهم الوصول بهذا المجتمع الطاهر ، إلى ما وصلت إليه مجتمعات أحبابهم ، ومحط إعجابهم ، ولكن ابشروا ـ ابشروا أيها الأخوة ـ يقول تبارك وتعالى : } إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ، الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً { .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الأسلحة التي يستخدمها اليهود والنصارى ، وغيرهم ، لحرب المسلمين ، وإبعادهم عن دينهم ؛ كثيرة ومتنوعة ، ووالله ثم والله ، ما علموا وسيلة ولا سلاحا يفتك في هذه الأمة إلا واستعملوه .
ومن ذلك ـ أيها الأخوة ـ بل من أخطرها وأشدها ضررا ، هذه المخدرات ، المخدرات بأنواعها ، المخدرات بأشكالها وأصنافها ، التي توجه للعقول والأفكار ، فتجعل العاقل لا عقل له ، والمفكر لا فكر له ، التي تسلب الإنسان كرامته ، والرجل رجولته ، وتجعل الشريف العفيف ، لا شرف ولا عفة له .
المخدرات ـ يا عباد الله ـ التي سرت في عروق بعض المسلمين ، واختلطت بدمائها ، وأصبحت جزءا منها ، فحولتهم إلى جثث هامدة ، وأعباء ثقيلة ، بل وإلى مجرمين يهددون أمن المجتمع والأمة ، فهي وراء السرقات والسطو , والنهب والسلب ، بل والشذوذ والقتل ، فمن أجلها كثير هم الذين أرخصوا أعراضهم ، وسرقوا أقرب الناس إليهم ، وباعوا ممتلكاتهم ، وأثاث بيوتهم ، وحلي نسائهم .
أيها الأخوة :
ولكي تدركوا ؛ خطر المخدرات ، تأملوا ضحاياها ماذا تفعل لهم ، وإلى أي هاوية تهوي بهم !
جاءني أحدهم قبل أيام ، يبحث عن راق ، فسألته : ماذا به ؟ فقال : إنه لا ينام الليل ولا النهار إلا بالعقاقير المنومة ، وأنه يسمع أصواتا غريبة ويرى أشياء عجيبة ، صار يكره زوجته وأطفاله ، بل وصل به الأمر إلى كره أمه ، فهو لا يطيق رؤيتها ولا الجلوس معها ، يقول : تصدق يا فلان إني أرى الناس عراة وهم عليهم ملابسهم ، وفي جسمي قبيلة من الجن ! إذا أردت أن أسمعك كلامهم فعلت ! فسألته : هل تدخن ؟ قال : نعم . فقلت : وهل تستعمل شيئا من المخدرات ؟ قال : نعم . فقلت : هي داؤك وتركها دواؤك ! لأنها وصلت بك إلى درجة الهلوسة ، فكل ما بك ما هو إلا من باب الهلوسة ، نتيجة استخدام المخدرات .
أيها الأخوة المؤمنون :
فخطر المخدرات خطر عظيم ، وشرها شر عميم ، نجح الأعداء في ترويجها بين المسلمين ، ولا ننس ـ أيها الأخوة ـ ما تبذله هذه الدولة ، في سبيل مكافحة المخدرات ، فو الله لولا الله U ثم جهود الرجال المخلصين ، لرأيتم عجبا ، تصدقون ـ أيها الأخوة ـ أن عملية واحدة ، من خلالها تم ضبط أكثر من أثنين وعشرين مليون حبه ، فاللهم وفق ولاة أمرنا ، ورجال أمننا ، إلى منع كل مجرم ، واجعل كيد كل مفسد لشبابنا في نحره وأعذنا اللهم من شره ، إنك سميع مجيب .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
لقد نجح الأعداء في ترويج هذا السلاح الخطير ، وانتشار هذا الوباء بين المسلمين ، وساعدهم على ذلك ، بعد بعض المسلمين عن تعاليم دينهم ، وتوجيهات شرعهم .
نعم ـ أيها الأخوة ـ ظهرت هذه المخدرات ، حينما أصاب الطمع ، وحب المادة بعض المسلمين ، فصار بعضهم يهربها إلى هذه البلاد في أحشائه ، ظهرت المخدرات حينما توفرت وسائل الفساد وأجهزة الهدم ، فعرف بعضهم المخدرات قبل أن تصل إليه ، وبحث عنها قبل أن تدخل عليه .
ظهرت المخدرات وانتشرت حينما اكتضت صالات المطارات بالمسافرين إلى دول الفساد والانحلال والضياع
أيها الأخوة المؤمنون :
وأما حكم هذه المخدرات في الشرع ، فهو التحريم ولا يشك عاقل بذلك ، يقول تبارك وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { ويقول النبي r : (( كل مسكر حرام )) ، والأدلة من الكتاب والسنة التي تحرم استعمال المخدرات بيعا وترويجا واستعمالا كثيرة ، ولكن يكفي لمن كان له قلب ، قول الله تعالى : } فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { وحديث النبي r : (( كل مسكر حرام )) .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يرزقنا جميعا الفقه في الدين ، والتمسك بالكتاب المبين ، والاقتداء بسيد الأولين والآخرين . إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا ، وأن تستر عيوبنا ، وأن تصلح قلوبنا ، وأن تزكي نفوسنا ، وأن تعف فروجنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، اللهم واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين .} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|