الحاسمة للسائق والخادمة
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل ، المعطي من الخير الجزيل ، المتفضل على خلقه بإتباع الدليل .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، أنزل الكتاب بالحق وأنزل التوراة والإنجيل .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، جعل كيد الكافرين في تضليل .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد قال سبحانه من قائل : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { فاتقوا الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
وجود السائقين والخادمات في بيوتنا ظاهرة خطيرة ، وفتنة كبيرة ، ابتلينا بها من باب الترف ، ونتيجة تقصير الأزواج في الواجبات ، وأتت من أجل حب الراحة ومحاكاة الغير ، وهي ظاهرة لها نتائج سيئة ، فهي سبب من أسباب تفشي كثير من المنكرات ، وعامل من عوامل ضياع الأبناء والبنات ، ووسيلة لوجود عدد من المخالفات ، ففي بعض بيوت المسلمين ، صار السائق يمثل دور الأب للأسرة ، وصارت الخادمة تمثل دور الأم ، بل صار السائق والخادمة كأنهما من المحارم ، يخلى بهما الخلوة المحرمة ، وينظر إليهما النظرة الممنوعة ، ويدخل عليهما الدخول الغير مشروع ، والنتيجة هتك الأعراض والإطلاع على العورات ، وغير ذلك .
أيها الأخوة :
أعلم ـ والله ـ أن الحديث عن هذا الموضوع ، قد يجد حساسية عند بعض الناس ، وخاصة من ابتلوا بالثقة المفرطة ، والغفلة الشديدة ، فلا بد من طرحه ، من باب التحذير قبل أن يقع الفأس بالرأس ، والذكرى كما قال سبحانه : } وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ { .
قبل أيام ـ أيها الأخوة ـ نشر في إحدى الصحف المحلية ، حادثة يندى لها الجبين ، ضحيتها طفل بريء ، بل رضيع لا يملك من أمره شيئا ، انتهى من الدنيا وهو في بداية عمره نتيجة انتقام شغالة ، توفي بعد أن سممت حليبه ، بوضع كميات كبيرة ، وجعلت أمه هي من تسقيه السم بيدها الحانية ، فتوقف أثرها قلبه ، ونزفت أمعاؤه ، وعطلت كليتيه ، وقبلها حادثة السائق ، الذي خرج بفتاة في زهرة شبابها ، ليضعها بين يدي خمسة من بني جنسه ، ليفعلون بها الفاحشة ، ويفضون بكارتها ، بطريقة بشعة قذرة ، ويصورونها في جولاتهم .
أما قضايا السحر ـ أيها الأخوة ـ فحدث ولا حرج ، فكم أسرة وأسرة ، تشتت وهدمت وتفرقت بسبب سحر هؤلاء ، الذين لا هم لهم إلا جمع المال والحصول عليه ، ولا يتورعون عن هذه الكبيرة العظيمة ، والجريمة الأثيمة ، لأنها في مجتمعات بعضهم من الأمور الطبيعية ، نسأل الله السلامة والعافية ، فماذا بعد القتل والزنا والسحر يا عباد الله ؟
نعم ـ معشر الأخوة ـ أهم وأخطر من ذلك ، العقيدة ، التي لوثت من قبل بعضهم ، وخاصة الخدم والسائقين من غير المسلمين ، نشر في إحدى الصحف أن أما جاءت من عملها مبكرة ، على غير عادتها ، فوجدت طفلا لها أمام شمعة ، فأخذت تكلمه ولكنه لا يرد عليها ولا يستجيب لها ، وبعد فترة وجيزة ، أجابها ، فسألته عن سبب صمته ، فقال : إنه يصلي كما علمته الخادمة المجوسية ، وأخرى طالبة في الصف الأول ، سألت معلمتها كم لها من إله ، فأجابتها المعلمة ، أن ليس هناك إلا إله واحد ، هو الله سبحانه ، فأنكرت عليها الطالبة ، لأن الإله عندها ثلاثة : الله ، ومريم ، وروح القدس ، كما علمتها الخادمة النصرانية ! فأي خطر وأي ضرر أعظم من هذا يا عباد الله ؟
أيها الأخوة المؤمنون :
إن مما يزيد الطين بله ، والأمر خطورة ، الثقة المطلقة ، التي يوليها بعض الناس لهؤلاء السائقين والخادمات ، والتساهل المفرط وعدم المبالاة بالنتائج من قبل كثير من الناس ، فالسائق تحت أمرة النساء ، يتصرفن به صغارا وكبارا ، فإلى المدرسة تارة ، وإلى الأسواق تارات ، وقد تكون إحداهن معه دون محرم ، وكذلك الخادمة تحت تصرف الأبناء ، وأصحاب الشهوات ، وكما قال النبي r : (( ما خلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )) فيقع ما لا يحمد عقباه .
يشتكي إلي أحدهم والده ، الذي بلغ من العمر عتيا ، يدخل على الخادمة في المطبخ ، وفي غرفتها الخاصة ، ويفعل بعض الحركات المريبة ، يقول : ما ذا أفعل ؟
وأخرى تشتكي السائق ، الذي نال تمام الثقة من والدها ، ولكنه يرمي عليها بعض الكلمات ، ويفعل لها بعض الحركات ، التي تدل على مرض قلبه ، وافتتانه بها .
بعض الناس ـ أيها الأخوة ـ يصل إلى درجة من الغباء بأن يزكي نفسه أو يزكي أبناءه أو سائقه أو خادمته ، ولكنه يغفل عن تحذير من لا ينطق عن الهوى ، النبي r ، الذي أخبر كما سمعتم في الحديث ، (( ما خلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )) فحتى لو كانت المرأة ثقة ، والرجل ثقة ، فمن المستحيل أن نثق بالشيطان ، وكم من جريمة حصلت نتيجة لهذه الثقة الزائدة .
فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا هذا الخطر الداهم ، فالسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من كان موعظة لغيره .
اسأل الله أن يحفظ أعراضنا ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
إننا في طرح هذا الموضوع المهم ، لا نعمم أخطاء هؤلاء ، فيوجد من بين هؤلاء أناس أهل صلاح واستقامة ، وأصحاب ديانة وتقوى ، ولكن ما نسمع من حوادث ، وما يشتكي منه بعض الناس ، وما تطرحه بعض وسائل الإعلام ، يحتم علينا أن نقوم بواجبنا ، فنحذر إخواننا المسلمين ، وننبه غافلهم .
ولا شك ـ أيها الأخوة ـ أن خطر هؤلاء وضررهم ، غالبا ما يأتي نتيجة سوء معاملتهم ، والاستهانة بهم ، وظلمهم واحتقارهم ، فتأخير رواتبهم ، وعدم إعطائهم حقوقهم ، وترك واجباتهم ، أو تكليفهم بما لا يطيقون وبما يشق عليهم ، يدفعهم مع ضعف إيمانهم إلى الانتقام ، وارتكاب الجرائم العظام .
فلنتق الله ـ أيها الأخوة ـ في هؤلاء ، ولنراقب الله U في معاملتهم ، ونتقرب إليه بالإحسان إليهم ، ومعاملتهم بالحسنى ، وهذا مما يقتضيه ديننا ، وما ينتظره منا غيرنا ، ففي الحديث الصحيح يقول الرسول r : (( إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون )) وفي حديث آخر صحيح يقول ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ : (( لا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم )) أي لا تكلفونهم بما يشق عليهم ، بعض الناس يجعل سائقه وخادمته ، تحت أمرة أطفاله ، فيقطع نوم الخادمة التي أضناها العمل ، من أجل شربة ماء ، ويذهب السائق بسيارته من أجل أمور تافهة . والذي أعظم من ذلك ، ما يفعله بعض الناس ، حيث يجعلون هؤلاء يعملون عند من يزورون وعند الجيران وعند الأصدقاء وفي الاستراحات والزواجات والمناسبات دون مقابل . عوتب أحدهم ، بأن يتق الله في خادمته ، فقال : لا من أخذ مالك خذ روحه .
بالله عليكم ، ماذا ينتظر مثل هذا من هؤلاء ؟
طبعا : الانتقام نسأل الله السلامة والعافية .
فليتق الله هؤلاء ، فإن الإساءة إلى الخدم لها عواقب وخيمة ، أبو مسعود الأنصاري t ضرب غلاماً له ، فقال له النبي r : (( اعلم أبا مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه )) ، فقال أبو مسعود رضي الله عنه : يا رسول الله ، هو حر لوجه الله ، فقال له : (( أما لو لم تفعل لمسّتك النار )) رواه مسلم
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وتذكروا قول نبيكم r في الحديث الذي رواه ابن ماجه : (( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )) .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يفقهنا في هذا الدين ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك حفظ أعراضنا ، اللهم جنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، ولا تجعلنا ضالين مضلين ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يارب العالمين . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، واستعمل علينا خيارنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {.
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|