التَّعَوُّذُ مِنْ أَرْبَع
خطبة جمعة بتاريخ / 7-8-1440 هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله
، وأمينه على وحيه ، ومبلِّغ الناس شرعَه ، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه ، ولا
شرًا إلا حذرها منها ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله ؛ فإن من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى
خير أمور دينه ودنياه ، وتقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب
الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله .
أيها المؤمنون: أربع تعوذات
أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أمته بها وحثهم على العناية بها عنايةً مستمرة مع مر
الليالي والأيام ؛ لعظم شأنها وكبير أهميتها ، بل ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان
يعلِّمهم إياها كما يعلِّمهم السورة من القرآن . وقد ورد الأمر بها عنه عليه
الصلاة والسلام مطلقًا ومقيدا ؛ مقيدًا بدبر الصلاة قبل السلام ، ومطلقًا أي في سائر
الأوقات .
أيها المؤمنون: روى الإمام
مسلم في كتابه الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ؛ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ
الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ
الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) . وروى رحمه الله أيضا في صحيحه عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلِّمهم هذا الدعاء كما يعلِّمهم السورة
من القرآن ثم ذكر هذه التعوذات الأربع . وروى أيضا مسلم في صحيحه عن زيد بن ثابت
رضي الله عنه قال : أَقْبَلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ
فَقَالَ : ((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ)) ، قَالُوا «نَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ» ، فَقَالَ: ((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ
عَذَابِ الْقَبْرِ)) قَالُوا «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» ، قَالَ:
((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ))
قَالُوا «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» ، قَالَ:
((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّال)) قَالُوا «نَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» .
فيا معاشر العباد : هذه
تعوذاتٌ أربع جاء الأمر بها في هذه الأحاديث أمرًا مطلقًا أي في سائر الأوقات ،
ومقيدًا أي أدبار الصلوات قبيل السلام وبعد التشهد ، وهي تعوذاتٌ متأكدٌ أمرها ، بل
إن بعض أهل العلم ذهب إلى وجوب ذلك ، وجمهورهم على استحبابها . ونقل مسلم في صحيحه
عن طاووس أنه سأل ابنه قال : «تعوذتَ بالله في صلاتك بهذه الأربع؟» فَقَالَ لاَ ،
قَالَ «أَعِدْ صَلاَتَكَ» ؛ وهذا من العناية بالأبناء تربيةً لهم على العناية بمثل
هذه الدعوات العظيمة المتأكدة عظيمة الشأن جليلة القدر ، ولو أدرك الناس -صغارهم
وكبارهم ذكورهم وإناثهم- حاجتهم الشديدة إلى العناية بهذه التعوذات لما فرَّطوا
فيها ولما قصَّروا في العناية بها .
أيها المؤمنون : والتعوذ:
اعتصامٌ بالله والتجاء إليه لطلب النجاة والسلامة والخلاص من المؤلم الذي يخشى
المرء منه ، ولهذا فإن مدار الاستعاذات المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام
كلها تعوذٌ من المؤلم أو من الأسباب المفضية إلى الإيلام ، وإذا تأملت في هذه
التعوذات الأربع فإن التعوذ من النار وعذاب القبر تعوذٌ من أعظم المؤلمات ، والتعوذ
بالله من فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال تعوذٌ بالله من أعظم الأسباب
المفضية إلى هذا المؤلم .
k معاشر العباد : التعوذ
بالله من النار يتناول التعوذ من الأسباب المفضية إليها ،كما جاء في الدعاء الآخر ((وأعوذ
بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل)) ، ففي تعوذك بالله من النار تعوذ بالله
من أن تعمل السوء الذي يفضي إلى النار ، وأن يوفقك الله إلى التوبة من السوء الذي
عملته وهو يفضي بعامله إلى النار .
k والتعوذ
بالله من عذاب القبر؛ تعوذٌ بالله من أمر عظيم مفقِع ، فإن الناس يعذبون في قبورهم
بسبب جرائمهم وآثامهم، حتى إن عذاب القبر يتناول فيما يتناول عصاة الموحدين ، فقد
مر عليه الصلاة والسلام بقبرين فقال : ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما
أحدهما فكان لا يستبرئ من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس)).
k والتعوذ
بالله من الفتن فتنة المحيا والممات؛ يتناول كل الفتن الواقعة في الدنيا ؛ من فتن
الشبهات وفتن الشهوات.
k والتعوذ بالله من فتنة الدجال؛
باعتبارها أعظم فتنة تكون وتقع ، وهي من أخطر الفتن وأشدها ، تعوذٌ بالله من فتنة
هذا الخبيث الأعور الدجال الذي خروجه في آخر الزمان علامةٌ من علامات الساعة ، وكلما
دنت الساعة تكاثرت الفتن مع اقترابها ودنو قيامها .
أيها المؤمنون : جديرٌ بنا
أن نعنى عناية عظيمة بهذه التعوذات الأربع : التعوذ بالله من النار ، والتعوذ
بالله من عذاب القبر ، والتعوذ بالله من فتنة المحيا والممات ، والتعوذ بالله من
فتنة المسيح الدجال ، وأن يعنى أيضا بتربية النشء والأبناء على هذه التعوذات ، وأن
نحسِّسهم بعظيم أهمية هذا التعوذ وشدة الحاجة إليه .
أسأل الله أن يعيذنا أجمعين في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا
من عذاب النار وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من
كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها
المؤمنون : اتقوا الله تعالى .
عباد الله : ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث إكثاره من الصيام في شهر شعبان ، وقد ورد فيه
ما يفيد في الحكمة من ذلك ما جاء في سنن النسائي وغيره أن النبي صلى الله عليه
وسلم سئل عن إكثاره من الصيام في شعبان فقال : ((ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ
عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ
إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) . وتنبه
أيها المؤمن إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الشهر ((يغفل عنه الناس)) ؛
فاحذر من الغفلة ومن أسبابها وموجباتها ، واغتنم مواسم الخيرات .
ومن الحكم في الإكثار من
الصيام في شعبان: أن ذلك فيه توطئة وتمهيد لصيام شهر رمضان الذي افترض الله سبحانه
وتعالى على العباد صيامه . وقيل إن الإكثار من صيام شعبان بين يدي رمضان كالنافلة في
الصلاة تقدُم الفريضة .
وينبغي أيها المؤمن أن يكون
تهيء المرء لشهر رمضان في هذا الشهر شهر شعبان تهيئًا بالإقبال على العبادة وذكر
الله وقراءة القرآن والاستغفار والتوبة إلى الله وحُسن الإنابة إليه ، وهي أمور
مطلوبة من المرء في كل وقت وحين ؛ استعمالًا للأوقات في الطاعة حسن التقرب إلى
الله عز وجل وبُعدًا عن الا همال والتفريط والإضاعة .
هذا وصلُّوا
وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : )إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين ، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهمّ أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك
وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح
أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك وأعِنه على طاعتك يا ذا الجلال
والإكرام . اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال
.
اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها ، اللهم
اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. ربنا آتنا في الدنيا
حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ
عبدالرزاق البدر تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=125
|