القائمة الرئيسية احصائيات الزوار لهذا اليوم : 4325 بالامس : 5497 لهذا الأسبوع : 30247 لهذا الشهر : 136371 لهذه السنة : 2711713 منذ البدء : 17375552 تاريخ بدء الإحصائيات : 16-6-2013 |
خطبة رقم (62): باب ما جاء في (اللو). المادة خطبة رقم (62): باب ما جاء في (اللو). الحمد
لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده - سبحانه - وأشكره، من
توكل عليه كفاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا
عبده ورسوله، اصطفاه واجتباه، وقرَّبه إليه وأدناه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى
آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه. أما
بعد: فأوصيكم
- ونفسي - بتقوى الله، فالموصي بها كثير، والعامل بها قليل. أيها
المسلمون: يسير
الناس في هذه الدنيا وتقع لهم عقبات، وتواجههم صعوبات، وتمر بهم أزمات، وبعضهم
بضعف علمه وقدرته، ونقص فهمه وإدراكه؛ يظن أنه لو فعل غير ما فعل لكان خيرًا له،
ولهذا يندم ويتحسر ويكثر من التأسف والمعارضة لأقدار الله - عز وجل - بكلمة (لو). وقد
ورد الوعيد والنهي عن ذلك والذم لمن عارض به عند الأمور، المكروهة كالمصائب إذا
جرى بها القدر؛ لما فيه من الإشعار بعدم الصبر، والأسى على ما فات مما لا يمكن
استداركه، فالممنوع في (لو) التلهف على أمور الدنيا طلبًا أو هربًا، لا تمني
القربات والأعمل الصالحات. واستعمال
(لو) على نوعين: الأول:
جائز؛ إذا استعملت على أمر مستقبل أو على أمر ماض، وحمل عليها الرغبة في الخير
والإِرشاد والتعليم، مثال ذلك؛ قول أحدهم: لو رزقني الله مالاً لأنفقته في وجوه
الخير. وكقول؛
لو حضرت المحاضرة البارحة لاستفدت. الثاني:
مُحرم؛ إذا استعملت على أمر ماض على وجه التسخط والاعتراض على قضاء الله وقدره،
مثال قول القائل: لو أني لم أسافر لما وقع لي حادث. وهذا
النوع من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد. عباد
الله: ذم
الله - سبحانه - ما حصل من المنافقين في معركة أحد من الاعتراض على القدر والتسخط
لما وقع لهم من الهزيمة والقتل، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ
كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا
هَاهُنَا﴾ فرد الله على
المنافقين بأنه سبحانه إذا كتب القتل على أحد لم ينفعه تحصنه في بيته: ﴿قُل لَّوْ
كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ
كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى
مَضَاجِعِهِمْ﴾ فهذا قدر مقدور
من الله، وحتم لازم لا محيد عنه. كما
أخبر - سبحانه - أن المنافقين يقولون لمن خرج مع رسول الله في هذه المعركة ﴿الَّذِينَ قَالُواْ
لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا
مَا قُتِلُوا﴾ أي لو سمعوا
مشورتنا عليهم بالقعود، وعدم الخروج، ما قُتلوا مع من قتل، فرد الله على
المنافقين: ادفعوا عن أنفسكم الموت إن كان الحذر يُغني من القدر ﴿قُلْ
فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ﴾ فدلت الآيتان
على أن قول (لو) مفتاح للحزن والتحسر والاعتراض على القدر، وأنه من سمات
المنافقين. قال
الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله-: إذا أصاب العبد ما يكرهه فلا ينسب ذلك إلى
ترك بعض الأسباب التي يظن نفعها لو فعلها؛ بل يسكن إلى قضاء الله وقدره ليزداد إيمانه
ويسكن قلبه وتستريح نفسه؛ فإن (لو) في هذه الحال تفتح عمل الشيطان بنقص إيمانه
بالقدر واعتراضه عليه، وفتح باب الهم والحزن المُضعف للقلب. عباد
الله: في
الصحيح عن أبي هريرة - t - أن رسول الله r قال: «احرص على
ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا
وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان». أي:
وإن غلبك أمر ولم يحصل المقصود بعد بذل الجد والاستطاعة فلا تقل: لو أني فعلت لكان
كذا وكذا، فإنه لا يجدي عليك شيئًا، ولكن قل: (قدر الله وما شاء فعل)؛ (قدر الله)
لأن ما قدره لا بد أن يكون، والواجب التسليم للمقدور، (وما شاء فعل)، لأن أفعاله
لا تصدر إلا عن حكمته - سبحانه وتعالى-. قال
ابن القيم - رحمه الله-: والعبد إذا فاته المقدور له حالتان: حالة عجز وهي عمل
الشيطان، فيلقيه العجز إلى (لو) ولا فائدة فيها، بل هي مفتاح اللوم والعجز، والسخط
والحزن، وهذا من عمل الشيطان، فنهاه عن افتتاح عمله بهذا الافتتاح، وأمره بالحالة
الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قُدر لم يفته ولم يغلبه عليه أحد. ثم
أرشد r إلى ما ينفعه
حال حصول مطلوبه وحال فواته، ونهاه عن قول (لو) وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان؛ لما
فيها من التأسف على ما فات، والتحسر والحزن ولو القدر، فيأثم بذلك، وذلك من عمل
الشيطان، وما ذاك لمجرد اللفظ (لو)، بل ما قارنها من الأمور القائمة بقلبه،
المنافية لكمال الإِيمان، الفاتحة لعمل الشيطان، وأرشده إلى الإيمان بالقدر، والتفويض
والتسليم للمشيئة، فهذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد، وهو يتضمن إثبات القدر،
وإثبات الكسب، والقيام بالعبودية. قال
شيخ الإسلام - رحمه الله - في معنى الحديث: لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع من مقدور،
ومن الناس من يجمع كلا الشرين، فأمر النبي r بالحرص على النافع،
والاستعانة بالله، والأمر يقتضي الوجوب وإلا فالاستحباب، ونهى عن العجز، وقال: «إن
الله يلوم على العجز» فعلى العبد أن يستقبل فعله الذي يدفع به أو يخفف، ولا يتمنى
ما لا مطمع في وقوعه، فإنه عجز محض، والله يلوم على العجز، ويحب الكيس، ويأمر به،
والكيس هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها، النافعة للعبد في معاشه
ومعاده، وورد الأمر بالصبر النهي عن العجز في مواضع كثيرة من الكتاب والسنة، وذلك
لأن الإِنسان بين أمرين، أمر يفعله فعليه أن يفعله ويحرص عليه ويستعين بالله ولا
يعجز، وأمر أصيب به من غير فعله، فعليه أن يصبر عليه ولا يجزع منه، قال: والصبر
واجب، والرضا درجة عالية، والإِيمان بالقدر فرض، قال تعالى: ﴿مَا
أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ
وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا
بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾
[الحديد: 22 ، 23] وليس العبد مأمورًا أن ينظر إلى القدر عندما يؤمر به من
الأفعال، ولكن عندما يجري عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، قال تعالى: ﴿مَا
أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ
اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11]. قال
علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلِّم. وأما
قول r: «لولا أن أشق
على أمتي لأمرتهم بالسواك» ونحو ذلك فمستقبل، لا اعتراض فيه على قدر ولا كراهة
فيه؛ لأنه إنما أخبر عن مراده فيما كان يفعل لولا المانع، وكذلك قوله: «لو استقبلت
من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي» ونحوه فهو إخبار لهم عما كان يفعل في المستقبل
لو حصل، ولا خلاف في جواز ذلك، وإنما ينهى عما هو في معارضة القدر، أو مع اعتقاد
أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور. أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا
أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ
وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: 112]. بارك
الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد
لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، له الحمد وإليه المعاد، أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه
أجمعين. أما
بعد: أيها
الناس، اتقوا الله حق تقواه، وتمسكوا بإرشاد نبيه وهديه وهداه، فقد قال r: «احرص على ما
ينفعك واستعن بالله»، فيالهما من كلمتين عظيمتين جمع فيها خيري الدنيا والآخرة لمن
فهمهما وعمل بهما من العباد؛ فأما الحرص فهو الجد في تحصيل الأمور النافعة في
المعاش والمعاد، وذلك بالاجتهاد في القيام بعبودية الله التي خلق الله المكلفين
لأجلها، وبما يعين على ذلك من كسب الحلال المساعد على أمرها، ولا يتم ذلك إلا
بسلوك طرقها النافعة وأبوابها، ولا يحصل إلا بقوة الاستعانة بالله والتوكل عليه،
لا على الأسباب، بل على مُسببها، فلا يفوت أحدًا الخير إلا بترك واحد من هذه
الأمور، إما ألا يحرص بل يستولي عليه الكسل والفتور، أو يكون حريصًا على غير
الأمور النافعة، أو لا يستعين بميسر الأمور، وأعظم الأمور النافعة أن تتعلم ما
يقيم دينك وعباداتك ومعاملاتك، وأن تؤدي الشرائع الظاهرة والباطنة مجتهدًا في
تكميل عباداتك، قائمًا بحقوق الخالق وحقوق الخلق، مستعينًا بربك في طلب الحلال من
الرزق، فيا طوبى لن قوي توكله على ربه في تيسير أمر دينه ودنياه، ويا سعادته إذا
شاهد النجاح والفلاح عند تمام مسعاه، وإذا أردت أن تختار عملاً نافعًا تصلح به
دنياك فاسلك الطريق الموصل إليه برفق واستعن بمولاك، فإنك إذا حققت التوكل عليه
سَّهل لك الأمر ويسره وكفاك، وإن أعجبت بنفسك ورأيك خذلك ووكلك إلى ضعفك فوهنت
قوتك وقواك، فلو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا
وتروح بطانًا! ولكن كثيرًا منكم يعجب بنفسه فيرهقه وهنًا وهوانًا وخذلانًا،
واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير. التعليقات : 0 تعليق إضافة تعليق جديد المواد روابط ذات صلة
|