صَنَاْئِعُ
اَلْمَعْرُوْفِ تَقِيْ مَصَاْرِعَ اَلْسُّوْءِ
اَلْحَمْدُ
للهِ، } الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا
وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا {. أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ
سُلْطَاْنِهِ، } إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا { .
وَأَشْهَدُ
أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ ، } رَبُّ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا { .
وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ ، بَعَثَهُ رَبُّهُ هَاْدِيَاً
وَمُبَشِّرَاً وَنَذِيْرَاً ، وَدَاْعِيَاً إِلَىْ اَللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاْجَاً
مُنِيْرَاً ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ،
وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U ، وَصِيَّتُهُ
سُبْحَاْنَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَاْبِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ {،
فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِيْ اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ
عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ اَلْمُؤْمِنُوْنَ :
فِيْ حَدِيْثٍ صَحَّحَهُ اَلْأَلْبَاْنِيُّ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ
عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ اَلْنَّبِيَّ e قَاْلَ : (( صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ
السُّوءِ ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيّاً تُطْفِئُ غَضَبَ اَلْرَّبِّ ، وَصِلَةُ
الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي العُمُر ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَأَهْلُ
المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا ، هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ ، وَأَهْلُ
المُنْكَرِ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ هُمْ أَهْلُ اَلْمُنْكَرِ فِيْ اَلْآخِرَةِ )) .
فَفِيْ هَذَاْ اَلْحَدِيْثِ اَلْعَظِيْمِ ، حَثٌّ عَلَىْ فِعْلِ
اَلْخَيْرِ لِلْغَيْرِ ، وَبَيَاْنٌ لِأَهَمِّيَّةِ وَنَتِيْجَةِ إِسْدَاْءِ
اَلْمَعْرُوْفِ لِلْعِبَاْدِ ، سَوَاْءً كَاْنَ هَذَاْ اَلْمَعْرُوْفُ مَاْلَاً ؛
كَاَلْصَّدَقَةِ وَإِطْعَاْمِ اَلْطَّعَاْمِ ، وَسِقَاْيَةِ اَلْمَاْءِ ،
وَسَدَاْدِ اَلْدِّيُوْنِ ، وَكَفَاْلَةِ اَلْأَيْتَاْمِ ، وَرِعَاْيَةِ
اَلْأَرَاْمِلِ ، أَوْ جَاْهَاً ؛ كَإِصْلَاْحٍ بَيْنَ اَلْنَّاْسِ ، وَشَفَاْعَةٍ
حَسَنَةٍ ، وَتَعْلِيْمِ عِلْمٍ نَاْفِعٍ ، أَوْ سَاْئِرِ اَلْمَصَاْلِحِ
اَلَّتِيْ يَحْتَاْجُهَاْ اَلْنَّاْسِ ؛ كَحُسْنِ اَلْمُعَاْمَلَةِ ، وَإِمَاْطَةِ
اَلْأَذَىْ ، وَعِيَاْدَةِ اَلْمَرْضَىْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّاْ عُرِفَ
حُسْنُهُ شَرْعَاً وَعَقْلَاً . فَمَنْ بَذَلَ شَيْئَاً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ جُهْدِهِ
أوْ وَقْتِهِ أَوْ مَاْلِهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُخْلِصَاً للهِ U ، فَإِنَّ اَللهَ U ، يَقِيْهِ مَصَاْرِعَ اَلْسُوْءِ ، كَاَلْحَوَاْدِثِ
وَاَلْكَوَاْرِثِ وَاَلْمُصَاْئِبِ اَلْمُفَاْجِئَةِ ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ ـ
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ نَجَّاْهُ اَللهُ U ، مِنْ مَصْرَعٍ سُوْءٍ بَسَبَبِ فِعْلِهِ
لِلْخَيْرِ ؟ وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ حَفِظَ اَللهُ مَاْلَهُ مِنْ اَلْضَّيَاْعِ
وَاَلْسَّرِقَةِ وَاَلْتَّلَفِ ، بِسَبَبِ إِحْسَاْنِهِ إِلَىْ اَلْنَّاْسِ ؟ .
وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ نَجَّاْهُ اَللهُ U مِنْ اَلْحَوَاْدِثِ اَلْمُمِيْتَةِ بِسَبَبِ
مَعْرُوْفِهِ إِلَىْ اَلْنَّاْسِ ؟ وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ حَفِظَ اَللهُ U ، أَوْلَاْدَهُ وَأَهْلَهُ مِنْ اَلْمُهْلِكَاْتِ بِسَبَبِ
أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْمَعْرُوْفِ ؟
اِزْرَعْ جَمِيْلَاً وَلُوْ فِيْ غَيْرِ مَوْضِعِهِ
فَلَاْ
يَضِيْعُ جَـــمِيْلٌ أَيْنَمَاْ زُرِعَاْ
إِنَّ اَلْجَمِيْلَ وَإِنْ طَاْلَ اَلْزَّمَاْنُ بِهِ
فَلَيْسَ
يَحْصُدُهُ إِلَّاْ اَلَّذِيْ زَرَعَاْ
اَلْنَّبِيُّ e ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَوْلَ مَاْ نَزَلَ عَلَيْهِ
اَلْوَحْيُ فِيْ اَلْغَاْرِ ، رَجَعَ
إِلَىْ خَدِيْجَةَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، فَقَالَ : (( زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي )) ـ أَيْ غَطُّوْنِيْ
بِاَلْثِّيَاْبِ وَلُفُّوْنِيْ بِهَاْ
ـ فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ
عَنْهُ الرَّوْعُ ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ : (( أَيْ خَدِيجَةُ ، مَا لِي )) وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ
، قَالَ : (( لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى
نَفْسِي )) ، قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : كَلَّا أَبْشِرْ ، فَوَاللهِ لَا
يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا ، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ
الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي
الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ .
فَاَلَّذِيْ يَصْنَعُ اَلْمَعْرُوْفَ ، لَنْ يَخْذِلَهُ اَللهُ U ، بَلْ يُبْشِرُ بِمَحَبَّتِهِ ، وَمَحَبَتِهِ U لِأَعْمَاْلِهِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ
اَلْطَّبَرَاْنِيُّ وَحَسَّنَ إِسْنَاْدَهُ اَلْأَلْبَاْنِيُّ ، عَنِ اِبْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ، أَنَّ
رَجُلَاً جَاْءَ إِلَىْ رَسُوْلِ اَللَّهِ e ، فَقَاْلَ : يَاْ رَسُوْلَ اَللَّهِ ، أَيُّ
اَلْنَّاْسِ أَحَبُّ إِلَىْ اَللَّهِ ؟ وَأَيُّ اَلْأَعْمَاْلِ أَحَبُّ إِلَىْ
اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَاْلَ رَسُوْلُ اَللَّهِ e : (( أَحَبُّ اَلْنَّاْسِ إِلَىْ اَللَّهِ
أَنْفَعُهُمْ لِلْنَّاْسِ ، وَأَحَبُّ اَلْأَعْمَاْلِ إِلَىْ اَللَّهِ سُرُوْرٌ
تُدْخِلُهُ عَلَىْ مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ
عَنْهُ جُوْعًا ، أَوْ تَقْضِيْ عَنْهُ دَيْنًا ، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي
فِي حَاْجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَاْ الْمَسْجِدِ
يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ
عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ،
مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ
فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ
الأَقْدَامُ )) .
فَصَنَاْئِعُ
اَلْمَعْرُوْفِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَعَ أَنَّهَاْ تَقِيْ مَصَاْرِعَ
اَلْسُّوْءِ ، فإنها عِبَاْدَةٌ عَظِيْمَةٌ ، يَتَقَرَّبُ بِهَاْ اَلْمَسْلِمُ
إِلَىْ رَبِّهِ U
، بَلْ هِيَ أَحَبُّ إِلَىْ رَسُوْلِ اَللهِ e ، مِنْ اَلْاِعْتِكَاْفِ شَهْرَاً فِيْ
مَسْجِدِهِ ، اَلَّذِيْ يَقُوْلُ عَنْهُ ـ
عَلَيْهِ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ ـ : (( صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاةٍ فِيمَا
سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )) ، فَيَنْبَغِيْ لَكَ ـ أَخِيْ
اَلْمُسْلِمِ ـ أَنْ تَحْرِصَ عَلَىْ هَذِهِ اَلْعِبَاْدَةِ ، كَحُرْصِكَ عَلَىْ
اَلْصَّلَاْةِ وَاَلْصِّيَاْمِ وَغَيْرِهِمَاْ مِنْ أَنْوَاْعِ اَلْعِبَاْدَاْتِ ،
تَنْفَعُ إِخْوَاْنَكَ بِمَاْ تَسْتَطِيْعُ عَلَيْهِ ، وَتَبْذُلُ لَهُمْ مَاْ
فِيْ وِسْعِكَ مِمَّاْ يَحْتَاْجُوْنَ إِلَيْهِ ، وَأَبْشَرْ بِمَاْ يَسُرُّكَ
وَيُسْعِدُكَ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ
اَلْصَّحِيْحِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ t ، قَالَ : أُتِيَ اَللهُ بِعَبْدٍ مِنْ
عِبَاْدِهِ ، آتَاْهُ اللهُ مَالًا ، فَقَالَ لَهُ : مَاذَا عَمِلْتَ فِي
الدُّنْيَا ؟ قَالَ : وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا ، قَالَ : يَا رَبِّ
آتَيْتَنِي مَالَكَ ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي
الْجَوَازُ ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ ،
فَقَالَ اللهُ : أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي .
فَبِمِثْلِ مَاْ يَفْعَلُ هَذَاْ اَلْرَّجُلُ فِيْ اَلْنَّاْسِ ، عَاْمَلَهُ
اَللهُ U ، فَتَجَاْوَزَ عَنْهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اَللهَ فِيْ عَوْنِ
اَلْعَبْدِ مَاْ كَاْنَ اَلْعَبْدُ فِيْ عَوْنِ أَخِيْهِ ، وَلِأَنَّ اَلْجَزَاْءَ
مِنْ جِنْسِ اَلْعَمَلِ ، فَلْنَتَّقِ اَللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اَللهِ ـ
وَلْنَحْرِصْ عَلَىْ هَذِهِ اَلْعِبَاْدَةِ اَلْعَظِيْمَةِ ، وَاَلْخَصْلَةِ
اَلْكَرِيْمَةِ ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ لِعِبَاْدِ اَللهِ مِنْ أَجْلِ اَللهِ U ، يَقُوْلُ e
فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : )) مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا ، سَتَرَهُ اللهُ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي
عَوْنِ أَخِيهِ )) .
أَعُوْذُ بِاَللهِ مِنْ اَلْشَّيْطَاْنِ
اَلْرَّجِيْمِ :
}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا
رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { .
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ
بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فِيْهِ مِنْ
اَلْآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ
اللَّهُ لِي وَلَكَمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ،
وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ
إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ
رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
وَمِمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ أَهَمِيَّةِ صَنَاْئِعِ
اَلْمَعْرُوْفِ ، مَاْ جَاْءَ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ t ، أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : ((
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ
مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ
الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ
تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا
ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ
أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ
اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ
أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ ،
فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ
الْعَالَمِينَ ، قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا
إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي )) ، فَحِرَيٌّ بِاَلْمُسْلِمِ
ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَنْ لَاْ يَتَوَاْنَىْ وَلَاْ يَتَأَخَّرَ عَنْ
صَنَاْئِعِ اَلْمَعْرُوْفِ ، وَكَمَاْ قَاْلَ U : } وَمَا تُقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ
أَجْرًا {
.
أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ :
وَكَمَاْ أَنَّ صَنَاْئِعَ اَلْمَعْرُوْفِ ، تَقِيْ مَصَاْرِعَ
اَلْسُّوْءِ ، وَبِسَبَبِهَاْ يُنَاْلُ رَضَىْ اَللهِ U ، وَاَلْفَوْزُ بِاَلْدَّاْرِ اَلْآخِرَةِ ، فَإِنَّ مَنْ
يَزْهَدُ بِهَاْ ، وَيَتَوَاْنَىْ عَنْهَاْ ، أَوْ يَصْنَعُ مَاْ يُضَاْدُّهَاْ ،
فَإِنَّهُ عَلَىْ خَطَرٍ عَظِيْمٍ ، وَقَدْ رَأَىْ بَعْضُنَاْ اَلْمَقْطَعَ
اَلَّذِيْ اِنْتَشَرَ فِيْ هَذِهِ اَلْأَيَّاْم ، مِنْ أَبْنَاْءٍ أَوْدَعُوْا
أُمَّهُمْ فِيْ دَاْرِ اَلْعَجَزَةِ ، بعد عملية أجريت لها وَهِيَ مَرْيِضَةُ
كُلَىْ ، تَتَحَسَّبُ عَلَيْهِمْ ، وَتَنْعِتُهُمْ بِعُقُوْقِهَم لها ، فَإِنْ
كَاْنَتْ صَنَاْئِعُ اَلْمَعْرُوْفِ فِيْ أَبْعَدِ اَلْنَّاْسِ ، تَقِيْ
مَصَاْرِعَ اَلْسُّوْءِ ، فَمَاْ ظَنُّكُمْ بِصَنَاْئِعِ اَلْشَّرِ بِأُمٍ
حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ وَأَرْضَعَتْ وَتَعِبَتْ وَسَهِرَتْ ، وَكَاْنَ جَزَاْؤُهَاْ
اَلْقَطِيِعْةَ وَاَلْعُقُوْقَ . إِذَاْ كَاْنَتْ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ
إِمْرَأْةً زَاْنِيَةً ، سَقَتْ كَلْبَاً عَطْشَاْنَاً ، فَدَخَلَتْ اَلْجَنَّةَ ،
وَأُخْرَىْ حَبَسَتْ هِرَّةً فَدَخَلَتْ اَلْنَّاْرَ ، فَمَاْ ظُنُّكُمْ
بِقَطِيْعَةِ مَنْ قَاْلَ لَهَاْ اَللهُ U : (( أَلا
تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ :
بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَذَلِكَ لَكِ )) ، يَقُوْلُ e فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : (( اثْنانِ يُعَجِّلُهُما الله فِي الدُّنْيا البَغْيُ وعُقُوقُ
الوَالِدَينْ )) أَيْ يُعَجِّلُ عُقُوْبَةَ مَنْ تَوَرَّطَ بِشَيْءٍ
مِنْهُمَاْ .
اَسْأَلُ اَللهَ U أَنْ يَهْدِيَ
ضَاْلَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ .
أَلَاْ وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ
اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ
اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : } إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { وَفِيْ
اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ ، يَقُوْلُ e : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) ، فَاَلْلَّهُمَّ صَلِيْ
وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَاْرَكْ عَلَىْ نَبِيِّنَاْ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَىْ آلِهِ
وَأَصْحَاْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَاَرْضِ اَلْلَّهُمَّ عَنِ اَلْتَّاْبِعِيْنَ
وَتَاْبِعِيْ اَلْتَّاْبِعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَاْنٍ إِلَىْ يَوْمِ
اَلْدِّيْنِ ، وَعَنَّاْ مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ وَجُوْدِكَ وَرَحْمَتِكَ
يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْن . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ نَصْرَ
اَلْإِسْلَاْمِ وَعِزَّ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ أَعِزَّ اَلْإِسْلَاْمَ
وَاَنْصُرَ اَلْمُسْلِمِيْنَ ، وَاَحْمِيْ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ ، وَاَجْعَلْ
بَلَدَنَاْ آمِنَاً مُطْمَئِنَاً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ .
اَلْلَّهُمَّ اَحْفَظْ لَنَاْ أَمْنَنَاْ ، وَوُلَاْةَ أَمْرِنَاْ ،
وَعُلَمَاْءَنَاْ وَدُعَاْتَنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ جَنِّبْنَاْ اَلْفِتَنَ ، مَاْ
ظَهَرَ مِنْهَاْ وَمَاْ بَطَنَ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ .
رَبَّنَاْ أَعِنَّاْ وَلَاْ تُعِنْ عَلَيْنَاْ ، وَاَنْصُرْنِاْ وَلَاْ تَنْصُرْ
عَلَيْنَاْ ، وَاَمْكُرْ لَنَاْ وَلَاْ تَمْكُرْ عَلَيْنَاْ ، وَاَنْصُرْنَاْ
عَلَىْ مَنْ بَغَىْ عَلَيْنَاْ ، رَبَّنَاْ اِجْعَلْنَاْ لَكَ شُكَّاْرَاً، لَكَ
ذُكَّاْرَاً، لَكَ رُهَّاْبَاً، لَكَ مُخْبِتِيْنَ إِلَيْكَ أَوَّاْهِيْنَ مُنِيْبِيْنَ
بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . اَلْلَّهُمَّ إِنَّاْ نَسْأَلُكَ
وَأَنْتَ فِيْ عَلْيَاْئِكَ ، وَأَنْتَ اَلْغَنِيُّ وَنَحْنُ اَلْفُقَرَاْءُ
إِلَيْكَ ، أَنْ تُغِيْثَ قُلُوْبَنَاْ بِاَلْإِيْمَاْنِ ، وَبِلَاْدَنَاْ
بِاَلْأَمْطَاْرِ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ،
اَلْلَّهُمَّ أَغِثْنَاْ ، اَلْلَّهُمَّ أَسْقِنَاْ اَلْغَيْثَ وَلَاْ
تَجْعَلْنَاْ مِنْ اَلْقَاْنِطِيْنَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِنَاْ غَيْثَاً
مُغِيْثَاً هَنِيْئَاً مَرِيْعَاً سَحَّاً غَدَقَاً مُجَلِّلَاً نَاْفِعَاً غَيْرَ
ضَاْرٍ ، عَاْجِلَاً غَيْرَ آجِلٍ ، غَيْثَاً تُغِيْثُ بِهِ اَلْبِلَاْدَ
وَاَلْعِبَاْدَ ، اَلْلَّهُمَّ اَسْقِ بِلَاْدَكَ وَعِبَاْدَكَ وَبَهَاْئِمَكَ ،
بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ اَلْرَّاْحِمِيْنَ . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {
عِبَاْدَ
اَللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ،
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { .
فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ
يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ
أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |