زَيْنُ الْرَّخَاْءِ وَعُدَّةُ الْبَلاءِ
الْحَمْدُ للهِ الْقَاْئِلِ: } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { . أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيْقُ بِكَرِيْمِ وَجْهِهِ ، وَعَظِيْمِ سُلْطَاْنِهِ: } وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ { .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {. وَأشّهَدُ أَنَّ مُحْمَدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيْلُهُ ، وَخِيْرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ: } هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَمَنْ سَاْرَ عَلَىْ نَهْجِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً ، إِلَىْ يَوْمِ يُبْعَثُوْنَ
أَمَّاْ بَعْدُ ، فَيَاْ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَىْ اللهِ U، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَاْدِهِ ، فَهُوَ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ: } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، فَلْنَتَقِ اللهَ ـ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَقِيْن .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
فِيْ كِتَاْبِ الإِخْوَاْنِ ، لِابْنِ أَبِيْ الْدُّنْيَاْ ، عَنْ عِكْرِمَةَ t، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t: عَلَيْكَ بِإِخْوَانِ الصِّدْقِ فَعِشْ فِي أَكْنَافِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ زَيْنٌ فِي الرَّخَاءِ ، وَعُدَّةٌ فِي الْبَلاءِ .
فَزَيْنُ الْرَّخَاْءِ وَعُدَّةُ الْبَلَاْءِ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - هُوَ أَفْضَلُ وَصْفٍ لِلْإِخْوَةِ الْصَّاْدِقِيْنَ فِيْ هَذِهِ الْحَيَاْةِ ، الَّتِيْ لَاْ تَحْلُوْا إِلَّاْ بِهِمْ ، وَلَاْ يَكُوْنُ لَهَاْ طَعْمٌ إِلَّاْ مَعَهُمْ ، وَكَمَاْ قَاْلَ بَعْضُهُمْ :
مَاْ ذَاْقَتِ الْنَّفْسُ عَلَىْ شَهْوَةٍ
أَلَذَّ مِنْ حُبِّ صَـدِيْقٍ أَمِـيْنِ
مَنْ فَــاْتَهُ وُدُّ أَخٍ صَــاْلِحٍ
فَذَلِكَ الْمَغْبُوْنُ حَــقَّ الْيَقِيْنِ
فَحَيَاْةُ الْمُسْلِمِ وَسَعَاْدَتُهُ ، وَأُنْسُهُ وَبَهْجَتُهُ ، يَسْتَحِيْلُ أَنْ تَكْمُلَ ، أَوْ تَتَحَقَّقَ إِلَّاْ بِوُجُوْدِ إِخْوَةٍ لَهُ ، وَلِذَلِكَ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - وَمِنْ هَذَاْ الْبَاْبِ ، جَاْءَ اِلاهْتِمَاْمُ بِقَضِيَّةِ الأُخُوَّةِ فِيْ الْدِّيْنِ ، يَقُوْلُ تَبَاْرَكَ وَتَعَاْلَىْ: } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { يَقُوْلُ اِبْنُ سِعْدِيٍ - رَحِمَهُ اللهُ - عَنْدَ تَفْسِيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَاْلَىْ: } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {: هَذَاْ عَقْدٌ ، عَقَدَهُ اللهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِيْنَ ، أَنَّهُ إِذَاْ وُجِدَ مِنْ أَيْ شَخْصٍ كَاْنَ ، فِيْ مَشْرِقِ الأَرْضِ وَمَغْرِبِهَاْ ، الإِيْمَاْنُ بِاللهِ ، وَمَلَاْئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَإِنَّهُ أَخٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ ، أُخُوَّةٌ تُوْجِبُ أَنْ يُحُبَ لَهُ المُؤْمِنُوْنَ ، مَاْ يُحُبُّوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَيَكْرَهُوْنَ لَهُ ، مَاْ يَكْرَهُوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ .
فَجَعْلُ المُؤْمِنِيْنَ إِخْوَةً ، كَمَاْ فِيْ هَذِهِ الأَيَةِ ، فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَىْ أَهَمِّيَةِ الأُخُوَّةِ ، بَلْ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - وَلِأَهَمِّيَةِ الأُخُّوَّةِ ، وَضَرُوْرَةِ وُجُوْدِ الإِخْوَةِ فِيْ هَذِهِ الْحَيَاْةِ ، كَاْنَ أَوَّلُ عَمَلٍ قَاْمَ بِهِ الْنَّبِيُ r لَحْظَةَ وُصُوْلِهِ إِلَىْ الْمَدِيْنَةِ ، الْمُؤَاْخَاْةَ بَيْنَ الْمُهَاْجِرِيْنَ وَالأَنْصَاْرِ ، فَقَدْ جَاْءَ عَنْهُ r ، قَوْلُهُ : (( تَآخَوْا فِي اللّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ )) ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَاْلِبٍ ، فَقَالَ هَذَا أَخِي . فَكَاْنَ عَلِيٌ t وَالْنَّبِيُ r أَخَوَيْنِ ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَخَوَيْنِ ، وَكَاْنَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَخَوَيْنِ . وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْصّدِّيْقُ وَخَاْرِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخَوَيْنِ ، وَكَاْنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَعِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ أَخَوَيْنِ ، وَكَاْنَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخَوَيْنِ . وَكَاْنَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيْعِ أَخَوَيْنِ . وَكَاْنَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَسَلَامَةُ بْنُ سَلَامَةَ أَخَوَيْنِ . وَكَاْنَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَأَوْسُ بْنُ ثَابِتِ أَخَوَيْنِ . وَكَاْنَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَخَوَيْنِ . وَهَكَذَاْ بَقِيَّةُ الْصَّحَاْبَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ . وَهَذَاْ مَمَّاْ يَدُلُّ عَلَىْ أَهَمِّيَةِ الأُخُوَّةِ ، وَحَاْجَةِ الإِنْسَاْنِ لَهَاْ ، وَضَرُوْرَةِ وُجُوْدِهَاْ فِيْ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ :
إِنَّ اِهْتِمَاْمَ الْدِّيْنِ، بِجَاْنِبِ الأُخُوَّةِ ، يَأْتِيْ مِنْ ثِمَاْرِهَاْ الْيَاْنِعَةِ، وَنَتَاْئِجِهَاْ المُفِيْدَةِ الْنَّاْفِعَةِ ، وَمَاْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَاْ فِيْ الْدُّنْيَاْ وَالآخِرَةِ ، وَلَكِنَّنَاْ عِنْدَمَاْ نَتَأَمَّلُ فِيْ وَاْقِعِنَاْ الْيَوْمَ ، وَهَذَاْ الْجَاْنِبِ الإِيْمَاْنِيِ الْعَظِيْمِ، نَجِدُ مَاْ يَنْدَىْ لَهُ الْجَبِيْنُ ، نَتِيْجَةَ بُعْدِ بِعْضِنَاْ عَنْ تَعَاْلِيْمِ الْدِّيْنِ، وَتَوْجِيْهَاْتِ رَبِّ الْعَاْلَمِيْن ، وَفَقْدِنَاْ لِكَثِيْرٍ مِنْ اَلأَخْلَاْقِ الاِيْمَاْنِيَّةِ الْفَاْضِلَةِ ، وَالْمَبَاْدِئِ الإِسْلَاْمِيَّةِ الْسَّاْمِيَةِ ، الَّتِيْ يَنْبَغِيْ أَنْ تُوْجَدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَنْ لَاْيَخْلُوَ مِنْهَاْ مُجْتَمَعٌ مِنْ مُجْتَمَعَاْتِهِمْ .
صَاْرَتْ الأُخُوَّةُ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ - مِنْ أَجْلِ الْمَصَاْلِحِ الْدُّنْيَوُيَّةِ ، وَالْمَنَاْفِعِ الْذَّاْتِيَّةِ ، فَوَقَعَ بِحَقِّنَاْ ، قَوْلُ الْقَاْئِلِ :
وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ
إِذَاْ الْرِّيْحُ مَاْلَتْ مَاْلَ حَيْثُ تَمِيْلُ
جَوادٌ إِذَاْ اِستَغنَيتَ عَنْ أَخْذِ مَاْلِهِ
وَعِنْدَ اِحْتِمَاْلِ الْفَقْرِ عَنْكَ بَخِيْلُ
فَمَاْ أَكْثَرَ الإِخْوَاْنِ حِيْنَ تَعُدُّهُمْ
وَلَكِنَّهُمْ فِيْ الْنَّاْئِبَاْتِ قَلِيْلُ
اَلأُخُوَّةُ - أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ - أَسْمَىْ مِنْ أَنْ تَكُوْنَ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ دُنْيَوُيَّةٍ بَحْتَةٍ ، كَمَاْ يَفْعَلُ بَعْضُ الْنَّاْسِ الْيَوْم ، يَتَأَخَوْنَ مِنْ أَجْلِ مِهْنَةٍ أَوْ هِوَاْيَةٍ أَوْ عَمَلٍ ، فَإِذَاْ احْتَاْجَهُمْ اَخُوْهُمْ ، لِكُرْبَةٍ حَلَّتْ بِهِ ، أَوْ مُصِيْبَةٍ وَقَعَتْ عَلِيْهِ ، فَرُّوْا مِنْ حَوْلِهِ ، فِرَاْرَهُمْ مِنَ الأَسَدِ ، فَتَرَكُوْهُ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ، عَلَىْ مَاْ أَنْفَقَ لَهُمْ مِنْ وَقْتِهِ ، وَمَاْ قَضَىْ مِنْ أَجْلِهِمْ مِنْ عُمُرِهِ ، وَمَاْ بَذَلَ لِشَأْنِهِمْ مِنْ جُهْدِهِ .
إِنَّ إِخْوَةً كَهَؤُلَاْءِ ، يَنْبَغِيْ غَسْلُ الأَيْدِيْ مِنْهُمْ ، وَالاِسْتِغْنَاْءُ عَنْهُمْ ، لِأَنَّهُمْ - وَاللهِ - لَاْ خَيْرَ فِيْهِمْ ، وَالْسَّلَاْمَةُ مِنْهُمْ ، مَكْسَبٌ مِنْ أَهَمِ مَكَاْسِبِ الْحَيَاْةِ ، يَكْفِيْ - أَيُّهَاْ الإِخْوَةُ - مَضَنَّةُ عَدَمِ تَقْوَاهُمْ ، وَالْشَّكُ فِيْ إِيْمَاْنِهِمْ ، وَالْيّقِيْنُ بِعَدَمِ صِدْقِهِمْ وَإِخْلَاْصِهِمْ ، فَاللهُ U يَقُوْلُ: } الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ، إِلَّا الْمُتَّقِينَ { وَالْنَّبِيُ r يَقُوْلُ فِيْ الْحَدِيْثِ الْصَّحِيْحِ : (( لَاْ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ ، حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ ، مَاْ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ )) ، وَيَقُوْلُ أَيْضَاً فِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ آخَرَ : (( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ ، وَتَرَاحُمِهِمْ ، وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ ، بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )) .
فَلْنَتَقِ اللهَ - أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ - وَلْنُرَاْجِعْ أَنْفُسَنَاْ ، فِيْ مَجَاْلِ أُخُوَّتِنَاْ ، وَلْنَتَأَمَّلْ فِيْ الْرَّوَاْبِطِ الَّتِي تَجْمَعُنَاْ ، وَالْدَّوَاْفِعِ الَّتِيْ مِنْ خِلَاْلِهَاْ ، نَتَعَاْمَلُ مَعَ إِخْوَاْنِنَاْ ، وَكَمَاْ قَاْلَ الْقَاْئِلُ :
أَبْلِ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَـاءَهُمْ
وَتَوَسَّمَنَّ أُمُورَهُمْ وَتَفَقَّدِ
فَإِذَا وَجَدْتَ أَخَا الأَمَانَةِ وَالتُّقَى
فَبِهِ الْيَدَيْنُ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ
وَدَعِ التَّذَلُّلَ وَالتَّخَشُّعَ تَبْتَغِي
قُرْبَ امْرِئٍ إِنْ تَدْنُ مِنْهُ تُبْعَدِ
أَسْأَلُ اللهَ U أَنْ يَهْدِيْ ضَاْلَ المُسْلِمِيْنَ ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُؤمِنُون :
لَقَدْ أَدْرَكَ سَلَفُنَاْ الْصَّاْلِحْ ، أَهَمِّيَةَ الأُخُوَّةِ ، فَقَاْمُوْا بِوَاْجِبَاتِهَاْ، وَاعْتَنُوْا بِشَأْنِهَاْ، فَكَاْنَتْ عِنْدَهُمْ، عِبَاْدَةً يَتَقَرَّبُوْنَ بِهَاْ إِلَىْ اللهِ U، كَتَقَرِّبِهِمْ بِالْصَّلَاْةِ وَالْصِّيَاْمِ وَالْحَجِّ وَالْزَّكَاْةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاْعِ الْعِبَاْدَاْتِ، قُدُوَتُهُمْ فِيْ ذَلِكَ نَبِيُهُمْ r ، فِفِيْ صَحِيْحِ الْجَاْمِعِ، يَقُوْلُ r : (( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ، أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ ، سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا ، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا ، وَلَأَنْ أَمْشِيَ ، مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ـ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ ـ شَهْرًا )) .
وَلِذَلِكَ - أَيُّهَا الإِخْوَةُ - ضَرَبُوْا لَنَاْ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِيْ جَاْنِبِ الأُخُوَّة: يَقُوْلُ اِبْنُ عَبَّاْسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَاْ -: ثَلَاثَةٌ لَاْ أُكَاْفِئُهُمْ: رَجُلٌ بَدَأَنِي بِالْسَّلَامِ ، وَرَجُلٌ أَوْسَعَ لِي فِي الْمَجْلِسِ ، وَرَجُلٌ اِغْبَرَّتْ قَدَمَاْهُ فِيْ الْمَشِّيِ إِلَيَّ، إِرَادَةَ التَّسْلِيْمِ عَلِيَّ ، فَأَمَّا الرَّابِعُ : فَلَا يُكَافِئُهُ عَنِّي ، إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ . قِيلَ: وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ: رَجُلٌ، نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ ، يُفَكِّرُ بِمَنْ يُنْزِلُهُ ، ثُمَّ رَآنِي أَهْلًا لِحَاجَتِهِ؛ فَأَنْزَلَهَا بِي .
وعَنْ أَبِي مُوْسَىْ الأَشْعَرِيِ t قَاْلَ : قَاْلَ الْنَّبِيُّ r : (( إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ ، إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ ، فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ )) .
وَقَضَىْ اِبْنُ شُبْرَمَةَ حَاْجَةً لِبَعْضِ إِخْوَاْنِهِ، فَجَاْءَ بِهَدِيَّةٍ، فَقَاْلَ إِبْنُ شُبْرَمَة: مَاْ هَذَاْ ؟ قَاْلَ أَخُوْهُ: لِمَاْ أَسْدَيْتَهُ إِلَيَّ مِنْ مَعْرُوْفٍ . قَاْلَ إِبْنُ شُبْرَمَة : خُذْ مَاْلَكَ عَاْفَاْكَ اللهُ، إِذَاْ سَأَلْتَ أَخَاْكَ حَاْجَةً، فَلَمْ يُجْهِدْ نَفْسَهُ فِيْ قَضَائِهَاْ، فَتَوَضَّأَ لِلْصَّلَاْةِ، وَكَبِّرْ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيْرَاْتٍ ، وَعُدَّهُ فِيْ الْمَوْتَىْ
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَاْ قَعْبَاْنِ مِنْ لَبَنٍ
شِيْبَاْ بِمَاْءٍ ، فَعَاْدَاْ بَعْدُ أَبْوَاْلَا
فَلْنَتَقِ اللهَ أَحِبَتِيْ فِيْ اللهِ وَلْنَهْتَمَّ بِهَذَاْ الْجَاْنِبِ الإِيْمَاْنِيِ الْعَظِيْمِ ، الَّذِيْ سَوْفَ تَبْقَىْ لَنَاْ آثاْرُهُ ، وَنَجْنِيْ بِإِذْنِ اللهِ ثِمَاْرَهُ عَاْجِلَاً وَآجِلَاً ، يَقُوْلُ أَبُوْ سُلَيْمَاْنَ الْدَّاْرَاْنِيُّ: لَوْ أَنَّ الْدُّنْيَاْ كُلَّهَاْ لِيْ فِيْ لُقْمَةٍ ، ثُمَّ جَاْءَنِيْ أَخٌ ، لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَضَعَهَاْ فِيْ فِيْهِ .
أَسْأَلُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ عِلْمَاً نَاْفِعَاً ، وَعَمَلَاً خَاْلِصَاً ، وَرِزْقَاً وَاْسِعَاً ، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ . } رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ { .
الْلّهُمَّ تَوْلَّنَاْ أَجْمَعِيْنَ بِحِفْظِكَ ، وَمُنَّ عَلَيْنَاْ بِعَفِّوْكَ وَعَاْفِيَتِكِ ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَاْدَةً لَنَاْ مِنْ كُلِ خَيْرٍ ، وَالمَوْتَ رَاْحَةً لَنَاْ مِنْ كُلِ شَرٍ ، وَآتِ نُفُوْسَنَاْ تَقْوَاْهَاْ ، وَزَكِّهَاْ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاْهَاْ ، أَنْتَ وَلِيُّهَاْ وَمُوْلَاهَاْ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاحِمِيْن . الْلّهُمَّ بَاْرِكْ لَنَاْ فِيْمَاْ بَقِيَ مِنْ شَعْبَاْنَ ، وَبَلِّغْنَاْ رَمَضَاْنَ ، وَوَفِّقْنَاْ لِمَاْ تُحُبٌّ وَتَرْضَىْ ، بِرَحْمَتِكَ يَاْ أَرْحَمَ الْرَّاحِمِيْن .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: