﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾
الحمد لله ، الرحمن الرحيم ، والعزيز الحكيم ، والخبير العليم ، } يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه } يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له } الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله } بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ { صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عباد الله :
تقوى الله U ، وصيته سبحانه لعباده ، الأولين والآخرين ، فهو القائل في كتابه : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله - أحبتي في الله - جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المسلمون :
تعاني أمتنا الإسلامية ، والعرب منها خاصة ، من مآسي متنوعة ، ومصائب متعددة ، وما الأحداث الراهنة ، إلا أكبر دليل وبرهان ، من خروج على الحكام ، وتغيير للأنظمة ، ومظاهرات وتفجيرات ، وسجن واعتقالات ، وتشريد وتجويع ، وتخويف وترويع ، وغير ذلك مما لا يخفى على عاقل .
ونحن - ولله الحمد - في هذه البلاد ، على منأى عن كثير من هذه الأحداث ، التي بُلي بها غيرنا ، ولكن - أيها الأخوة - يوجد من بيننا ، من بني جلدتنا ، من يسعى بلسان حاله أو بلسان مقاله ، إلى نقل تجارب في الواقع فاشلة ، وجلب أفعال للدين مخالفة ، إلى هذه البلاد الآمنة المطمئنة المتماسكة ، وما تلك القنوات ، والمواقع والمنتديات ، التي يعمل من وراءها جاهدا ، لتمزيق وحدة هذه البلاد ، إلا دليل واضح ، على أماني أصحاب الشهوات والشبهات ، من بني جلدتنا لا كثرهم الله .
بل - أيها الأخوة - إفتاء بعض شبابنا ، للبحث عن مواطن الفتن ، والزج بهم في جبهات القتال ، غير واضحة المقاصد ، بداعي الجهاد في سبيل الله ، وليكونوا شهداء ، تحت رايات بينت الأحداث السابقة ، زيف مقاصدها ، وأثبتت الأيام سوء مطامعها ، وكانت ثمرتها : الحقد والكره والبغض لهذه البلاد وأهلها ، وخاصة ولاة أمرها من العلماء والحكام ، إلى درجة أن الواضح منهم ، لا يستطيع أن ينطق حتى باسمها ، ويعتبر انتماءه إليها وصمة عار وخزي بين أقرانه ومن هم على شاكلته .
أيها الأخوة :
فإلى هؤلاء ، ومن تأثر بهم ، أو خفي عليه أمرهم ، نقول كما قال لوط لقومه : } أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ { ، أما آن لهم أن يستيقظوا من غفلتهم ، ويصحوا من سكرتهم ، فيشكرون الله U ، على ما أنعم به على بلادهم ، بل وعليهم من حفظ أموالهم ودمائهم وأعراضهم ، } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ { .
هذه الآية ، نزلت في عهد الرسول r ، خاطب بها الله U قريشا ، وهي والله ليست من بعضهم ببعيد ، يحكمون بشرع الله ، وتقام بينهم حدود الله ، ومساجدهم عامرة بعباد الله ، يؤمر بينهم بالمعروف وينهى عن المنكر ، يهتم بكتاب الله ، يحارب الفساد بأنواعه وأشكاله ، فمالهم يريدون جرنا إلى ما يعاني من ويلاته غيرنا ، ويتجرع غصصه من حولنا .
عباد الله :
يقول U : } أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ { إن هذه القلوب التي عميت ، والبصائر التي ضلت ، تحتاج لوقفة صادقة ، لكي لا تغرق سفينتنا ، ولا يتصدع بناؤنا ، ولا تتمزق وحدتنا ، ففي الحديث الصحيح يقول النبي r : (( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِى فِى أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ فَمَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ آذَوهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقًا فَاسْتَقَيْنَا مِنْهُ وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا جَمِيعًا )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
} وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ { .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
عباد الله :
} أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ { صرخ بها نبي الله لوط - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - حينما جاء قومه يهرعون ، ليفعلوا الفاحشة في ضيوفه ، كما قال U : } وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ، وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ، قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ { .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : } أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ { يدلهم على الصَّوَاب وَيَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر ، فنحن - أيها الأخوة - نصرخ بها ، لبني جلدتنا ، ولعلهم يسمعونها ، ولا يكونوا كقوم لوط ، الذين لم يكن منهم رجل رشيد ، فكانت النتيجة كما قال تبارك وتعالى : } فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ { .
أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء يارب العالمين .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، اللهم عجل بفرج اخواننا المسلمين ، في كل مكان ، اللهم عجل بفرجهم ، واحقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، اللهم عليك بأعدائك وأعداء دينك وسنة نبيك محمد r ، اللهم من أراد المسلمين بسوء اللهم أشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل اللهم تدميره في تدبيره ، ياقوي يا عزيز .
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا ، هنيئا مريئا ، سحا غدقا ، عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار، غيثا تغيث به البلاد والعباد، وتعم بفضله وخيره الحاضر والباد ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |