اتقوا الدنيا واتقوا النساء
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
عباد الله: اتقوا الله تعالى, واعلموا أن الدنيا دارُ مَمَرٍّ, وَلَيسَتْ دارَ مَقَرّ, وإِنَّ مِنْ أَخْطَرِ ما يَكونُ على دِينِ المَرْءِ أَنْ يَرْكَنَ إليها وَيَفْتَتِنَ بها, عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنِّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وَإِنَّ اللهَ مُسْتخْلِفُكُم فيها فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعملون، فَاتَّقُوا الدُّنيا واتّقُوا النِّساء، فإِنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَني إِسرائِيلَ كَانتْ في النّساء ) رواه مسلم.
فهذا الحديثُ العَظيم, يُبَيِّنُ حالَ الدُّنْيا, وَأَنّها حُلْوَةٌ في المَذَاقِ, وَخَضِرَةٌ في المَرْأَى، وهذا هُوَ السَبَبُ الذي يَجْعَلُ الإنسانَ يَغْتَرُّ بِها ويَنْهَمِكُ فيها, ويَجْعَلُها أكبرَ هَمِّه، وبِهذا تَظْهَرُ حَقيقَةُ الإبتلاء. ولِذلِكَ بَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم, أن اللهَ مُسْتَخْلِفُنا فيها, لِيَنْظُرَ كيفَ نَعْمَل. هل نَقُومُ بِطاعتِه، ونَنْهَى النفسَ عنِ الهوى، وَنَنْشَغِلُ بالأمرِ الذي خُلِقنا مِنْ أجْلِه, فَنَعْمَلَ لِلدارِ الباقية. أَمْ أَنَّنا نَفْتَتِنُ بالدنيا ونَؤثِرُها على الآخِرةِ؟. وَلذلكَ قال: ( فاتقوا الدنيا ) أي: اجْعَلُوا بَيْنَكُم وبينَ فِتْنَتِها وِقايَة, وذلَكَ بِأُمور:
أوَّلُها: مَعْرِفَةُ حقارَتِها وَأَنَّها مَتاعٌ زائِل, ولا تَزِنُ عِندَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَة.
الثاني: أنَّ اللهَ وَصفَها بِأنَّها لَهْوٌ وَلَعِب, وأَنَّها مَتاعُ الغُرور.
الثالث: أَنَّ التَّعَلُّقَ بالدنيا يُفْسِدُ الإخلاص, فَهوَ عَدُوٌّ لَدُودٌ للنية والسَّيطَرَةِ عليها. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أولَ مَن تُسَجَّرُ بهم النارُ ثلاثة: رَجُلٌ تَعَلَّمَ لِيُقالَ عالِم, وقَرَأَ القرآن ليقالَ قارئ. ورجل قاتَلَ في المعركة ليقال جريء. ورجلٌ أنفق في أبوابِ الخير ليقال جواد.
الرابع: أَنَّ الإفْتِتانَ بالدنيا سَبَبٌ لِتضييعِ جانبِ الأُخُوَّةِ الإيمانية, التي هي الرابطُ الأعظمُ بين المؤمنين, فهو سببٌ للتحاسدِ والبغضاءِ والقطيعة, كما قال عليه الصلاة والسلام: ( ما الفقر أخشى عليكم, ولكني أخشى أن تُبْسَطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَت على مَن كان قبلَكم, فَتَنافسُوها كما تنافسوها, فَتُهْلِكَكُم كما أهلكتهم ). والهلاك الوارد في الحديثِ عامٌّ, وأَخْطَرُهُ سفكُ الدماءِ, والإقتتالُ بين المسلمين. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن تَسَلُّطَ الكفارُ على المسلمين له أسباب, منها: الفُرْقَةُ والإختلافُ وأن يَسْفِكَ بعضُهُم دَمَ بعض. وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث ثوبانَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل, أن الله قال: ( وَأَنْ لا أَسَلِّطَ عليهِم عَدُواً مِنْ سِوَى أنفُسِهِم فَيَسْتَبيحَ بَيْضَتَهُم, حتى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضاً, وحَتى يَسْبِي بَعْضُهُم بَعْضا ). أي: إذا وصلوا إلى هذه الحالة, سلّطتُ عليهم عدوَّهم من الكفار.
الخامس: تَشَتُّتُ قلبِ العبد, والخوفُ على المُسْتَقْبل, والشعورُ بملاحقة الفقرِ لَهُ حتى ولو كان من أغنى الناس.
السادسُ من مفاسد الإفتِتانِ بالدنيا: تَدَاعِي أمَمِ الكُفْرِ وتَسلُّطُها على المسلمين, فإن التعلقَ بالدنيا والإنشغالَ بِها عن القرآن والسنة, ونُصْرَةِ دينِ الله, من أعظمِ هَوانِ المسلمين على أعدائِهم, ومن أعظمِ أسبابِ ذِلَّتِهم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُم, كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها, فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نحنُ يَوْمِئِذ؟ قالَ: لا, بلْ أنتُمْ يَوْمَئِذٍ كثير, ولكنكم غُثَاءٌ كَغُثاءِ السيل, وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدوِّكُم المَهابَةَ مِنْكُم, وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُم الوَهْن. فقال قائِلٌ: يا رسولَ الله, وَمَا الوَهْن؟ قال: حُبُّ الدنيا وكَراهِيَة المَوْت ).
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ،
عباد الله: ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ في آخِرِ الحديث: ( واتقوا النساء, فَإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسرائيلَ كانت في النساء ). إي, إِحْذَرُوا فِتْنَةَ النساءِ وَكَيْدَهُنَّ, وإياكُمْ والتَساهُلَ في ذلِك, وَيَكْفي أَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ( ما تَرَكْتُ بعدي فتنةً أضَرُّ على الرجالِ مِنَ النساء ). وقالَ أيضاً: ( رأيتُ النارَ ورَأَيْتُ أَكْثَرَ أهلِها النساء ). وما ذاكَ إِلا لِأَنَهُ ما مِنْ فِتْنَةٍ إلا وَهُنَّ رائِداتٌ فيها, حَتَى في الفِتْنَةِ الكُبْرَى - فِتْنَةِ الدَجَّال - حَيْثُ أَخْبَرَ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ أَنَّ أَكْثَرَ أتْباعِهِ اليهودُ والنساء. ولذلكَ نَجِدُ أعداءَنا وأعداءَ دِينِنا يُركِّزون اليومَ على قَضايا المَرْأةِ وَمُساواتِها بالرَّجُل, ونُزُولِها إلى ميدانِ العَمَل, زاعِمِينَ الدِّفاعَ عَنْ حُقُوقِها المُسْلُوبَة. وَهُمْ في الحَقِيقةِ يُحارِبونَ الإسلامَ وأهْلَه وأَحْكامَه, بِكُلِّ ما أوتُوا مِنْ قُوَّةٍ وَوَسيلَة. وَمِنْ تِلْكَ الوسائِل: ما يَتَعَلَّقُ بِشأنِ المَرْأة. وَلَنْ يَنْجَحوا فِيما يَسْعَوْنَ إِلَيه إلا في حالَةٍ واحدةٍ فقط: " حِينَما يَضْعُفُ الإيمانُ في قُلُوبِ الرِجال, وتَنْقُصُ رَجُولَتُهُم وَغَيْرَتُهُم ".
فاتَّقوا اللهَ في نسائِكُم أيُّها المسلمونَ, واعْلَمُوا أنَّ المَرْأةَ حَرْثٌ لِلرّجُل, وليسَتْ مُساوِيَةً له. والمَرأَةُ راعيَةٌ في بيتِها لا خارِجَ بَيْتِها. وَلِعِظَمِ فِتْنَتِها وَضَعَ الشارِعُ سُدُوداً مَنِيعَةُ كَثيرة, حِمايَةً لِها, وَلِمُجْتَمَعِها, " فأَلْزَمَها بالحِجاب, وَأَمَرَها بالقرارِ في البيت وَأنَّها إذا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفها الشيطان, ونَهى عَنِ الخَلْوةِ بِها لِأَنَّ الخَلْوَةَ بها خَطَرٌ كَبيرٌ وَشَرٌّ مُسْتَطِير, وَنَهاها عَنِ الخُضُوعِ بالقَول لِخُطُورَةِ ذلك على ضُعَفاءِ الإيمان, ونَهاها عن السَّفَرِ بِدُونِ مَحْرم, ونَفَى النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم الفَلاحَ عن قَوْمٍ وَلَّو أَمْرَهُم امْرَأة ".
كُلُّ ذلِكَ مِنْ أَجْلِ حِمايَتِهِن وبيانِ خَطَرِ فِتْنَتِهِن.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بِعَظَمَتِك أن نُغْتالَ مِن تحتِنا، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا وجنبنا ما يسخط علينا، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين يا رب العالمين، اللهم ألّف بين قلوب المؤمنين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ونجّهم من الظلمات إلى النور يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارحم المستضعفين من المؤمنين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم نج إخواننا المستضعفين في سوريا، اللهم ليس لهم حول ولا قوة إلا بك، اللهم ليس لهم إلا أنت يا قوي يا عزيز فانصرهم على من ظلمهم وعاداهم، اللهم ارحم ميتهم، واشف مريضهم، واكس عاريهم، وأطعم جائعهم، وآمن روعاتهم، وثبت أقدامهم، وأنزل السكينة عليهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم وتولهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن دينك ويقاتلون عبادك المؤمنين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم اللهم سلط عليهم منْ يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم احفظ لهذه البلاد دينها وعقيدتها وأمنها وعزتها وسيادتها، اللهم احفظها ممن يكيد لها، اللهم احفظها ممن يكيد لها يا خير الحافظين، اللهم وفق حكامها وأعوانهم لما فيه صلاح أمر الإسلام والمسلمين، وبصّرهم بأعدائهم يا حي يا قيوم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ أحمد العتيق تجدها هنا :
http://islamekk.net/catplay.php?catsmktba=119 |