| 		 الاختبار لدار القرار 
  
الحمد لله الواحد القهار ، والعزيز الغفار ، جعل الدنيا دار ابتلاء واختبار ،  والآخرة دار جزاء وقرار ، } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا هو سبحانه : } وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  { . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . 
أما بعد ، فيا عباد الله : 
أوصيكم ونفسي ، بوصيته سبحانه لعباده الأولين والآخرين ، } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين . 
 أيها الأخوة المؤمنون : 
في هذه الأيام ، قضية الاختبارات ، هي الشغل الشاغل ، والأولى في اهتمامات كثير من الناس ، بل حتى الذين ليس لهم علاقة في ذلك ، اضطروا إلى تكييف أمورهم ، وتغيير عاداتهم ، تبعا لهذه الظروف المحيطة بهم ، فالناس بالجملة ، بلسان الحال والمقال ، معترفون ـ أيها الأخوة ـ بهذه الاختبارات ، ومدركون لأهميتها .  ولكننا عندما نتأمل ، في حال بعض الناس ، واهتمامهم وتفريغ أوقاتهم ، واستعدادهم لاختبار الدنيا ، نجد ـ وللأسف ـ أكثرهم يجهل أو بالأصح يتجاهل ، أنه في هذه الدنيا ، ما هو إلا في امتحان واختبار . 
أيها الأخوة المؤمنون : 
يقول } : U تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، لِيَبْلُوَكُمْ ، أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ { فعندما نتأمل هذه الآية ـ أيها الأخوة ـ وخاصة قول الله U فيها : } لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً { نجد أن وجودنا في هذه الحياة ، والموت في نهاية حياة كل واحد منا ، ما جعله الله U ، إلا لامتحاننا واختبارنا ، فمعنى } لِيَبْلُوَكُمْ { أي ليختبركم ، كما قال الطبري في تفسيره : يختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع ، وإلى طلب رضاه أسرع . 
فنحن ـ أيها الأخوة ـ في هذه الفترة القصيرة ، التي هي ما بين الموت والحياة  ، والله في اختبار ، وأي اختبار ؟ إنه أعظم وأجدر بالاهتمام من جميع اختبارات الدنيا ، يقول U : } إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ { 
أيها الأخوة : 
هل تأملتم حال الطلاب في هذه الأيام ، هل لاحظتم إلى أي مدى وصل ببعضهم الخوف  والوجل ، والفزع والاضطراب ، بسبب هذه الاختبارات ، هل لاحظتم خف نومهم ، وانشغال أنفسهم ، فأكثرهم لا يهنأ بمنام  ولا بطعام ، خوفا وقلقا واستعدادا لهذه الاختبارات ، التي قد تكون وسيلة وخطوة لوصوله ، لحطام من حطام هذه الدنيا ، بل يفعل ذلك كله ، وهو يعلم بأن مصيره ، قد يكون كمصير غيره ، من الذين لم تفدهم شهاداتهم ، غير تزيين جدران بيوتهم . 
فأين هذا الاستعداد ، وذلك الخوف والقلق ، منا ونحن في اختبار لا يعادله اختبار ! أين ذلك منا ونحن في اختبار ، وضعت قوانينه وضوابطه ، من قبل الذي أخبرنا عن نفسه بقوله :  } وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا {  
أيها الأخوة : 
في الحديث المتفق على صحته ، يقول : أنس t  : خطبنا رسول الله r خطبة ما سمعت مثلها قط ، فقال : (( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا )) فغطى أصحاب رسول r وجوههم ولهم خنين . وفي رواية : بَلَغَ رَسُول الله r عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ ، فَقَالَ : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَلَمْ أرَ كَاليَومِ في الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَلَوْ تَعْلَمونَ مَا أعلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً )) يقول الراوي t : فَمَا أتَى عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله r يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ ، غَطَّوْا رُؤُسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ . يقول النووي : الخنين : هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف . 
نعم ـ أيها الأخوة ـ هذه حال من عمل بكتاب الله ، وتيقن وآمن وصدق أنه  في هذه الحياة ما هو إلا في اختبار ، يقول الله تبارك وتعالى عنهم : } كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { ، وقال } : U تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ { .  تأملوا ـ أيها الأخوة ـ حال بعض الطلاب في هذه الأيام ، يقل نومهم  ، وتنشغل عقولهم وأجسادهم ، وهكذا هم أهل الإيمان ، كما أخبر الله U عنهم : } كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { ، و } تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ {  ، قدوتهم بذلك نبيهم وحبيبهم  r ، الذي كان يقول : (( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ متى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ )) . يعني كيف يطيب لي العيش ، وأفرح في هذه الحياة ، وصاحب القرن ـ يعني الملك الموكل بالنفخ في الصور  ـ قد التقم القرن ، أي وضع فمه عليه ، ينتظر متى يصدر الأمر إليه ، لينفخ فتنتهي هذه الحياة .  
أيها الأخوة : 
 يتمنى كثير من الطلاب ، لاختبار هذه الدنيا ، معرفة ما يسألون عنه ، وكشف ما يختبرون فيه ، بل بعضهم ، يدفع ما يستطيع دفعه ، من أجل سؤال أو فقرة في سؤال ، ونحن ـ أيها الأخوة ـ في الاختبار الحقيقي ، أسئلتنا مكشوفة ـ والله مكشوفة ـ  يقول النبي r  في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير  : (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسَةٍ : عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أنْفقَهُ ، وَعَنْ مَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ  )) . فالله .. الله معشر المسلمين ، يامن تريدون النجاح ، يا من تريدون الفوز والفلاح ، عليكم بطاعة الله U ، والاستعداد والعمل ، فالنتيجة إما سعادة لا شقاء بعدها ، وإما شقاء لا سعادة بعده . } فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ { .  
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .  
الخطبة الثانية 
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا . 
أيها الأخوة المؤمنون : 
   إن هذا الاختبار الذي نعيش وقائعه ، والذي خلق الله U ، الموت والحياة من أجله ، يحتاج لإعداد واستعداد ، فهذا هو كتاب الله U ، وهذه سنة نبيه r ، يقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ  : (( تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا ، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ )) .  
فالله .. الله ، الجد والاجتهاد ، بطاعة الله U وطاعة رسوله r فقد قال سبحانه وتعالى : }  وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً { . 
أيها الأخوة المؤمنون : 
وأما نتيجة هذا الاختبار ، الذي خلق الله الموت والحياة من أجله ، فشهادته يوم القيامة ، حينما تتطاير الصحف ، فآخذ كتابه باليمين ، يقول : }  هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ { أو والعياذ بالله آخذ كتابه بالشمال يقول : } يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ {.  
أسأل الله U أن يجعلني وإياكم من الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم ، إنه سميع مجيب . اللهم يا ذا الجلال والإكرام يسر حسابنا ، ويمن كتابنا ، وآمن خوفنا . اللهم استر عوراتنا ، ونفس كرباتنا ، وآمن روعاتنا ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين . 
اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين ، وان تذل الشرك والمشركين ، وأن تحمي حوزة الدين ، وأن تجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . 
اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين . 
 اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل برحمتك يا أرحم الراحمين . } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { . 
عباد الله :  
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . 
  
  
  
  
  
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :  
 http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html 
  
  
   |