الدعاء ونجاح الأبناء
الحمد لله السميع العليم ، القوي القدير العظيم ، الجواد اللطيف الكريم ، القائل في كتابه : } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، بعثه رحمة للعالمين ، وقدوة للسالكين ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه ، ومن سار على نهجه ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد ، فيا عباد الله :
أوصيكم ونفسي ، بوصيته سبحانه لعباده الأولين والآخرين ، } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
في هذه الأيام ، وبمناسبة الاختبارات ، يهتم عقلاء الناس لأبنائهم ، ويتمنى كل واحد منهم ، أن يجد وسيلة تكون سببا في سعادة أبنائه ، ونجاحهم في اختباراتهم ، ولا أدل على ذلك من حرص الناس في هذه الأيام ، على بذل النصائح والتوجيهات ، والتشجيع بأنواعه وأشكاله ، والمتابعة الدقيقة ، وفتح العين ، حرصا على وقت الأبناء ، واستثماره وعدم ضياعه .
وهذا الأمر ـ أيها الأخوة ـ مطلوب من الآباء لأبنائهم ، ونتمناه في وقت الاختبارات وغيره من الأوقات ، ولكن ثم أمر آخر ، يغفل عنه كثير من الناس ، وهو من الأمور المهمة ، التي ينبغي أن يكون في منهج الآباء الحريصين على استقامة وصلاح وتوفيق أبنائهم .
أيها الأخوة :
إنه الدعاء ، الذي يغفل عنه كثير من الناس ، وهو من أعظم الوسائل المعينة والنافعة ، لسعادة الأبناء في الدنيا والآخرة ، ففي الحديث الحسن ، يقول النبي r : (( ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ ؛ دَعْوَةُ الْوَالِدِ لولده ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ )) , فشأن الدعاء للأبناء شأن عظيم ، يكفي في ذلك أنه من الدعاء الذي أمر الله U به عباده ، ووعدهم باستجابته فقال : } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { فمن فضل الله وكرمه ، يأمرك أن تسأله ، أن تدعوه ، أن تطلب حاجاتك منه ، ويخبرك بأنه سبحانه سيستجيب لك ، بل يتوعدك إن أصابك الغرور بكثرة مالك ، أو صحتك ، أو جاهك ، أو سلطانك ، أو أي أمر ترى معه أنك لست بحاجة لهذه العبادة : } إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { ويقول النبي r في الحديث الحسن : (( مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ )) ، ولله در القائل :
اللهُ يَغْضبُ إن تركْتَ سُؤَالهُ ...
وَبُنيُّ آدمَ حين يُسألُ يَغْضَبُ
فدعاؤك لأبنائك ـ أخي المسلم ـ نوع من أنواع عبادتك لربك U ، والمستفيد الأول والأخير هو أنت ، يقول النبي r في الحديث الصحيح : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ : إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِمِثْلِهَا )) قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ r : (( اللَّهُ أَكْثَرُ )) .
أيها الأخوة المؤمنون :
إن الأدلة والقصص والأحداث والوقائع ، التي تبين أهمية الدعاء للأبناء ، وتأكد استجابة الله له ، كثيرة جدا ، ولكن لعلنا نذكر مثالا واحدا ، وما هو إلا من باب الذكرى ، التي قال الله U عنها : } وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ { :
يعقوب ـ عليه السلام ـ فقد ثلاثة من أبنائه ، فقد يوسف ، بعد أن وضعه أخوته في البئر ، ثم بنيامين الذي أخذه يوسف عنده ، عندما ذهب إلى مصر مع أخوته ، والثالث الذي قال كما قال تعالى : } فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ { فسأل الله U أن يحفظ أبناءه ، وأن يردهم إليه ، كما قال تعالى عنه : } فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ { فاستجاب الله U دعاءه لأبنائه ، فجمعه معهم وبهم ، وأحدهم وزيرا لمالية مصر ، لا يصرف صاع طعام إلا من تحت يده ، كما قال U : } فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {
فاحرصوا على الدعاء ـ أيها الأخوة ـ وخاصة لأبنائكم في كل وقت وحين ، لا سيما في هذه الأيام ، أن ينجحهم وأن يصلحهم وأن يرزقكم برهم ، وأن يجمعكم بهم في أعلى منازل الجنة ، } إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ { ، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فإنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
ونحن نتحدث ونحث ونوصي بالدعاء للأبناء ، يجدر بنا أن نحذر من الدعاء عليهم ، ففي مسند الإمام أحمد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ )) وفي الحديث الذي رواه مسلم عن جابر يقول النبي r : (( لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ؛ وَلاَ تَدعُوا عَلَى أوْلادِكُمْ ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أموَالِكُمْ ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسألُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ )) .
اسأل الله U أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا { .
اللهم بارك لنا في أبنائنا وبناتنا ، اللهم أرزقنا برهم ، ونجاحهم وفلاحهم ، واستقامتهم وصلاحهم ، اللهم اجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينة في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين ، اللهم اجعلهم أوفر عبادك حظا في الدنيا والآخرة ، اللهم اجعلهم من أوليائك وخاصتك الذين يسعى نورهم بين أيديهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، اللهم اغفر ذنوبهم ، وطهر قلوبهم ، وحصن فروجهم ، و حسن أخلاقهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم اجعلهم ممن تواضع لك فرفعته ، واستكان لهيبتك فأجبته ، وتقرب إليك فقربته ، وسألك الجنة فأجبته .
اللهم جنبهم الفواحش والمحن ، والزلازل والفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم جنبهم رفقاء السوء ، اللهم جنبهم الزنا واللواط ، اللهم جنبهم الخمر والمخدرات ، اللهم سلمهم من العلل والأوبئة والآفات برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا :
http://www.islamekk.net/catsmktba-120.html
|